فجأة تحولت كلمات كالليبرالية والعلمانية الى مصطلحات «مرفوضة» و«خطيرة» وباتت توجه الى البعض كأنها طلقات من الرصاص، أو تهم من النوع الرديء، بل تحولت الى مادة للفتوى يكفر فيها من يعتقد بأنه ليبرالي أو علماني، ومن الواضح أن المسألة فيها حد غير بسيط من إساءة الظن وحد أكبر من الجهل المركب بالموضوع المعني.
فالليبرالية في مفهومها المبسط هي استحداث منظومة من الانظمة والقوانين التي تمكن الانسان من العيش بكرامة وسط حريات واضحة ومحفوظة له، وهذا الأمر ( شريطة أن يفهم ويستوعب بشكل عقلاني ) لا تعارض فيه مع أية تعاليم دينية سماوية سمحة، ولا قول تعاليم بشرية تفسر الدين على هواها.
اختلاق معركة واهية ووهمية مع «طوابير الشيطان» و«سفراء الشر» و«ذيول الغرب» وغيرها من الاسماء والصفات الجاهزة والمقولبة لوصف المنادين بالإصلاح والحريات والتسامح الديني هي وسيلة ملتوية لتشتيت التركيز عن المسألة الاساسية وهي الأهم والأخطر، والمقصود هنا بطبيعة الحال هو حالة الركود الحضاري والتطرف الديني المقيت. المشهد الحاصل اليوم ليس بجديد فقد عايشته أمم أخرى في الأزمنة الماضية، ولم تكن مجتمعات أوروبا لترى نهضتها واشراقاتها العلمية والتنويرية لولا خلاصها من أسر العقل وشل التفكير.
واليوم يعاني العالم العربي مر المعاناة من غمامة سوداء من الجهل وسوء الظن والقذف بأسوأ التهم وأقساها على شرفاء يحاولون جاهدين إنارة الطريق نحو غد أفضل وأكثر احتراما لأوطانهم.
المشكلة الحقيقية تكمن في وجود قناعة مركبة وعتيقة بأن فكرة الليبرالية هي فكرة مستوردة من الغرب و«بلاد الكفرة» من دون الادراك بأن الفكرة نفسها موجودة في تعاليم الأديان السماوية وبوضوح، إلا أن قراءات ضيقة لأفراد ممن اجتهدوا في المسألة عبر الأزمنة ولدت إرثا تراكميا من القناعة والمكابرة مما ولد رؤية اجرامية لهذه المسألة لا تقبل أنصاف الحلول، وخلقت جوا عدائيا متشنجا صوبها. هناك حجم مهول ومخيف من الحقوق معطل تجاه أبناء الأديان الأخرى وأبناء المذاهب الأخرى في الدين الاسلامي نفسه، والمرأة والقضاء وغيرهما من المسائل وذلك نتاج عدم العمل بروح المقاصد الموجودة في الفقه الاسلامي مولدا بالتالي مناخا اجتماعيا غير سوي، خلف مشاكل هائلة تحولت لفتنة هدامة لا يزال المجتمع يدفع أثمانها المتنامية.
القضية أكبر من مجرد موقف عدائي من مصطلح «مستورد» من الغرب وإنما الموضوع الحقيقي أن المعاناة الأخطر هي فهم وتطبيق ناقص وخاطئ لمفهوم مهم في الدين الاسلامي السمح.
hussein@asharqalawsat.com