إبدأ بالخبر الجيد. - الرئيس جورج دبليو بوش بدأ جمع أوراقه وتنظيف مكتبه في البيت البيض استعداداً للرحيل. - وما الخبر السيئ؟ - السيئ في الأمر أن هذه العملية سوف تستمر ثمانية عشر شهراً متواصلة. مثل هذا الحوار يعكس حالة الضيق من مواقف وسياسات الرئيس الأميركي الأمر الذي جعل آخر استطلاع للرأي يكشف عن «تمتع» الرئيس بوش بـ27 في المئة فقط من تأييد الأميركيين، وهذه نسبة متدنية لم يبلغها أي رئيس من قبل. وعندما سئل في ظهوره الصحافي الأخير الأسبوع الفائت عن أسباب ذلك أجاب: «أعلم أن الحرب على العراق ليست شعبية... وهي في كل حال حرب صعبة ومكلفة». لقد تأخر الرئيس بوش في التوصل إلى هذا الاستنتاج وتأكد له أن سياسة المكابرة لم تعد تنفع، وهو أرجأ منتقديه إلى شهر أيلول (سبتمبر) المقبل حين يرفع قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بيترايوس تقريره حول جدوى الخطط الأمنية التي وضعت ومدى نسبة النجاح أو الفشل فيها. وتذكر الرئيس بوش فجأة الوضع في الشرق الأوسط فظهر قبل أيام ودون مقدمات داعياً إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لتكريس المبدأ الذي سبق الإعلان عنه كأساس للحل وهو إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب. وتضمنت هذه الدعوة الطلب من الدول العربية التي لم توقع اتفاقيات سلام وضع حد لما أسماه «وهم عدم وجود إسرائيل والبدء في حوار معها». وطالب إسرائيل بازالة الحواجز في الأراضي الفلسطينية والتوقف عن بناء المزيد من المستوطنات. وأنهى كلامه بالقول: «... حان وقت الخيار». وواضح أن الرئيس الأميركي الغارق في بحر من الأزمات وفي طليعتها الحرب على العراق يريد إعطاء بعض «التوازن» لمواقفه وسياساته، فأخرج من جديد الورقة الفلسطينية. ولأن الرئيس بوش منذ توليه السلطة قبل ما يزيد على ست سنوات وهو في حال اشتباك مع نفسه ومع العالم الخارجي قد وصل إلى قناعة بالنتائج المدمرة لسياساته ومواقفه يسعى الآن لما يشبه «الحروب الاستدراكية» بدل الحروب الاستباقية التي أدت إلى نتائج كارثية على أميركا وعلى حلفائها وعلى معارضيها معاً. والسؤال الطبيعي: ما لم يتمكن الرئيس بوش من فعله طوال فترة حكمه، هل ستكفيه الأشهر القليلة الباقية لتحقيق انجازات واضحة؟ في اعتقاد الكثير من المراقبين في واشنطن وفي سائر العواصم العالمية أن بوش اختار سلام الحروب، لا حروب السلام، بمعنى أن القوة هي التي تفرض الأمن فإذا بالمعادلة تنقلب رأساً على عقب، وعليه تكون طروحات السلام هي نتاج الفشل وليس وليدة القناعات. ومن المقرر أن تتوجه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع ادوارد غيتس إلى المنطقة في شهر أغسطس (آب) المقبل للتحضير لإحياء عملية السلام في المنطقة. في فلسطين، وهي المحور حالة طلاق نضالي وسياسي وشخصي بين «كانتون غزة» و «كانتون رام الله»! فلا الحكومة المقالة تتمكن من إدارة شؤون الفلسطينيين في القطاع... ولا حكومة الأمر الواقع بإمكانها فرض سيطرتها على «كامل الأراضي المحتلة». وفي المنطقة أيضاً تجمع لصفوف دول الممانعة وبخاصة تعزيز محور إيران - سورية الذي جرى التأكيد عليه من جديد يوم الخميس الفائت خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق وتبديد الكلام عن وجود بعض التباين في المواقف بين سورية وإيران. كما التقى أحمدي نجاد بالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وبممثلين عن جبهات الرفض الفلسطينية من الذين يقيمون في دمشق. وسبق ذلك خطاب الرئيس بشار الأسد مع بدء ولايته الرئاسية الثانية وفيه تابع التأكيد على الثوابت في المواقف وفي السياسات. وفي إشارة كاريكاتورية لكنها لافتة، ترجم المطالب التي تتقدم بها الدول الغربية بالقول «ما كنت أعلم أننا قوة دولية بهذا الحجم، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نحتل مقعداً في مجلس الأمن الدولي». ورغم أن خطاب الأسد الطويل ركّز على كثير من الشؤون المحلية لكن ما قاله حول طروحات السلام مع إسرائيل يستحق التوقف عنده فهو خرج من الكلام العام إلى بعض التخصيص كمطالبته ببعض الضمانات لعقد محادثات سلام مع إسرائيل بل ذهب إلى حد التذكير بـ «وديعة رابين» إشارة إلى ما قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين للرئيس الراحل حافظ الأسد. واتضح أن تركيا تقوم بدور الوساطة عبر وزير خارجيتها عبدالله غل الذي يحظى بثقة الطرفين السوري والإسرائيلي. وكان الرئيس السوري يرد على دعوة ايهود اولمرت الإعلامية لعقد محادثات سلام غامزاً من قناة الرئيس الأسد بأنه يريد الاجتماع مع الأميركيين «ولا يريد الاجتماع بي»! ولعلها المرة الأولى التي يقترب فيها الرئيس بشار الأسد في طروحات السلام مع إسرائيل من بعض الاقتراحات المحددة، خصوصاً عندما نتذكر أن استحضار «وديعة رابين» ناشئ من الانجازات التي حققتها في فترة سابقة من حيث أنها قدمت «أوضح الضمانات» التي تحفز سورية على الانخراط في مفاوضات مع إسرائيل. وهكذا يرى الأسد أنه «رئيس دولة عظمى» تنهال عليه المطالب وبصورة خاصة ما يمكن تسميته بلعبة «الثلاث ورقات» التي تحتفظ بها دمشق وهي في الاتجاهات التالية: لبنان وفلسطين والعراق. على أن أبرز ما قاله الرئيس السوري في خطبته «أن الأشهر القليلة المقبلة حتى نهاية العام سوف تقرر مصير أمور كثيرة وخطيرة سواء في المنطقة وفي العالم». ومثل هذا الكلام لا يطرح اعتباطياً بل هو قائم على مسلمات وعلى فرضيات تأخذ بعين الاعتبار تطورات الأيام الآتية، ومن هذا المنطلق علينا أن ننتظر اشتداد عمليات التجاذب في المنطقة وتزايد ضغوط عمليات عض الأصابع بين الأطراف الاقليمية والدولية وعليه تتركز الأنظار خلال هذه الشهور المقبلة على مناطق مثلث الأحزان: لبنان وفلسطين والعراق. ويبدو من هذه الناحية أن أكثر من طرف يراهن على هذه التطورات التي يمكن أن تحدث أكبر عملية خلط أوراق في المنطقة ويمكن أن تؤدي إلى تكريس مواقع نفوذ بعض الأطراف الاقليمية، ويُفضي هذا الأمر بالتالي إلى حدوث «نقلات نوعية» في تطورات المنطقة. ويقول طرف ديبلوماسي عربي بارز ومتابع دؤوب لمسار هذه التطورات أن المنطقة ستعود تخضع لمنطق المعادلة التالية: اقليمياً: لا حرب من دون إيران، ولا سلام من دون سورية. وعالمياً: لا حرب ولا سلام من دون الولايات المتحدة. وفي هذه الحال يبقى لبنان على لائحة انتظار الحلول مع الاستدراك الذي قامت به فرنسا باستضافة ممثلي «الصف الثاني» للحوار في «سان كلو»، واصبح يكفي عدم تفجر المزيد من الخلافات بين الأطراف اللبنانية ومن ورائها هو الهدف، وعليه تستمر باريس في لعب هذا الدور عبر حضور وزير الخارجية برنار كوشنير إلى بيروت في الثامن والعشرين من الشهر الجاري لاستكمال المحادثات، علماً بأن موفده كوسران توجه إلى دمشق في زيارة لافتة أشعرت سورية بأنها ضمن دائرة الحوار الهادف إلى خفض درجة التوتر العالي في لبنان، مع الملاحظة بأن واشنطن غير متحمسة كثيراً لهذا الدور الفرنسي الذي أدخل «حزب الله» إلى بلاد قوس النصر وأعلن قيام حوار مباشر بين باريس والحزب. ويبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعتمد سياسة براغماتية تختلف إلى حد كبير عن سياسات ومواقف الرئيس السابق جاك شيراك. وبموجب هذه السياسة ينادي ساركوزي بسياسة الانفتاح على «جميع الأطراف» الفاعلة على الساحة اللبنانية. واستناداً إلى العديد من المعطيات فإن الوضع في لبنان يبدو مقبلاً على «تطورات مفصلية» بمعنى الاستحقاقات الآتية من حكومة الاتحاد الوطني التي تتأرجح بين المطالبة بها والمعارضين لها، إلى الاستحقاق الكبير الممثل في اختيار رئيس جديد للجمهورية. وهناك حديث عن «معطيات جديدة» عاد بها الزعيم وليد جنبلاط من زيارته الأخيرة إلى جدة ولقائه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والسيد سعد الحريري وآخرين. وعليه فإن الوضع السائد في المنطقة من لبنان إلى فلسطين إلى العراق يبدو وكأنه عشية مخاض عسير قد لا يكون المخاض نفسه الذي توقعته القابلة القانونية الوزيرة كوندوليزا رايس مع بداية حرب الصيف الماضي على لبنان، بل هو مخاض في اتجاه ولادة أوضاع جديدة في أكثر من مكان في المنطقة. وعندما تهب العواصف من جديد سوف يتضح من بإمكانه الصمود بوجه الرياح العاتية ومن ستجرفه سيول الأزمة وتداعياتها. وسط كل ذلك يجري التحضير لجولة جديدة من المباحثات بين إيران والولايات المتحدة، وهذا تطور يعرف الجميع ما له من أهمية في تحديد مسار أزمة التعاطي بين طهران وواشنطن سواء حول ظاهر الأمور أي الملف النووي، أو باطنها: مصير العراق، ومصير الولايات المتحدة في العراق. هوامش مترابطة كان الأجدى بالرئيس بوش أن يعلن تبنيه المبادرة العربية للسلام وتبني طرحها خلال المؤتمر المقبل للسلام إلا إذا أراد الاستئثار بأصعب أنواع السلام وهو السلام في الشرق الأوسط. إن السياسات الأميركية الهادفة إلى محاربة الإرهاب أسهمت في زيادة الإرهاب والإرهابيين وطرحت معادلة جديدة وهي: الخيار بين التطرف والأكثر تطرفاً. معركة «تحرير مخيم نهر البارد» كلفت الكثير من الخسائر (ما يزيد على مئة عنصر من الجيش اللبناني) وطالت واستطالت أكثر من التقديرات التي وضعت في بداية المعارك. ورغم أن عنف الاشتباكات في الأيام الأخيرة يشير إلى اقتراب الحسم فإن معلومات مقلقة تحذر من أن نهاية تنظيم «فتح الإسلام» قد لا تكون بالضرورة مع نهاية القتال في المخيم، بل ربما تولت عناصر أخرى تابعة لهذا التنظيم نقل أعمال الشغب إلى مناطق لبنانية أخرى. بعد اللغط الذي أثير حول إعلان وزير خارجية فرنسا كوشنير عن استيضاح ممثلي «حزب الله» في مؤتمر «سان كلو» عن الأسيرين الإسرائيلين المحتجزين وقولهم انهما على قيد الحياة، سارع الحزب إلى نفي مثل هذه المعلومات. وحقيقة الأمر أن المساعي الدولية الجارية بشأن الأسيرين تسير ولو ببطء شديد باعتبار أن الحزب يفاوض على أمرين: تأكيد بقاء الأسيرين على قيد الحياة ثم البحث في مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. للمرة الأولى يشير رئيس وزراء العراق نوري المالكي إلى استعداد بلاده لمواجهة الموقف في حال حدوث انسحاب سريع للقوات الأميركية. ومع أن هذا الإعلان فيه نوع من الحرب النفسية، فإن وقائع الأمور تؤكد استحالة تمكن قوات الأمن العراقية من السيطرة على الأمور في حال حدوث أي انسحاب أميركي مبكر. إعلامي وكاتب لبناني.
المنطقة على أبواب تطورات مفصلية والدعوة الأميركية صحوة سلام متأخرة
عادل مالك الحياة - 22/07/07//
حوار يجري تداوله في هذه الأيام ولو أنه من نوع السخرية السوداء ويعكس مدى الاستياء من السياسات الأميركية.
- هناك خبران سيئ وجيد!
- إبدأ بالخبر الجيد.
- الرئيس جورج دبليو بوش بدأ جمع أوراقه وتنظيف مكتبه في البيت البيض استعداداً للرحيل.
- وما الخبر السيئ؟
- السيئ في الأمر أن هذه العملية سوف تستمر ثمانية عشر شهراً متواصلة.
مثل هذا الحوار يعكس حالة الضيق من مواقف وسياسات الرئيس الأميركي الأمر الذي جعل آخر استطلاع للرأي يكشف عن «تمتع» الرئيس بوش بـ27 في المئة فقط من تأييد الأميركيين، وهذه نسبة متدنية لم يبلغها أي رئيس من قبل.
وعندما سئل في ظهوره الصحافي الأخير الأسبوع الفائت عن أسباب ذلك أجاب: «أعلم أن الحرب على العراق ليست شعبية... وهي في كل حال حرب صعبة ومكلفة».
لقد تأخر الرئيس بوش في التوصل إلى هذا الاستنتاج وتأكد له أن سياسة المكابرة لم تعد تنفع، وهو أرجأ منتقديه إلى شهر أيلول (سبتمبر) المقبل حين يرفع قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بيترايوس تقريره حول جدوى الخطط الأمنية التي وضعت ومدى نسبة النجاح أو الفشل فيها.
وتذكر الرئيس بوش فجأة الوضع في الشرق الأوسط فظهر قبل أيام ودون مقدمات داعياً إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لتكريس المبدأ الذي سبق الإعلان عنه كأساس للحل وهو إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب. وتضمنت هذه الدعوة الطلب من الدول العربية التي لم توقع اتفاقيات سلام وضع حد لما أسماه «وهم عدم وجود إسرائيل والبدء في حوار معها». وطالب إسرائيل بازالة الحواجز في الأراضي الفلسطينية والتوقف عن بناء المزيد من المستوطنات. وأنهى كلامه بالقول: «... حان وقت الخيار».
وواضح أن الرئيس الأميركي الغارق في بحر من الأزمات وفي طليعتها الحرب على العراق يريد إعطاء بعض «التوازن» لمواقفه وسياساته، فأخرج من جديد الورقة الفلسطينية.
ولأن الرئيس بوش منذ توليه السلطة قبل ما يزيد على ست سنوات وهو في حال اشتباك مع نفسه ومع العالم الخارجي قد وصل إلى قناعة بالنتائج المدمرة لسياساته ومواقفه يسعى الآن لما يشبه «الحروب الاستدراكية» بدل الحروب الاستباقية التي أدت إلى نتائج كارثية على أميركا وعلى حلفائها وعلى معارضيها معاً. والسؤال الطبيعي: ما لم يتمكن الرئيس بوش من فعله طوال فترة حكمه، هل ستكفيه الأشهر القليلة الباقية لتحقيق انجازات واضحة؟
في اعتقاد الكثير من المراقبين في واشنطن وفي سائر العواصم العالمية أن بوش اختار سلام الحروب، لا حروب السلام، بمعنى أن القوة هي التي تفرض الأمن فإذا بالمعادلة تنقلب رأساً على عقب، وعليه تكون طروحات السلام هي نتاج الفشل وليس وليدة القناعات.
ومن المقرر أن تتوجه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع ادوارد غيتس إلى المنطقة في شهر أغسطس (آب) المقبل للتحضير لإحياء عملية السلام في المنطقة.
في فلسطين، وهي المحور حالة طلاق نضالي وسياسي وشخصي بين «كانتون غزة» و «كانتون رام الله»! فلا الحكومة المقالة تتمكن من إدارة شؤون الفلسطينيين في القطاع... ولا حكومة الأمر الواقع بإمكانها فرض سيطرتها على «كامل الأراضي المحتلة».
وفي المنطقة أيضاً تجمع لصفوف دول الممانعة وبخاصة تعزيز محور إيران - سورية الذي جرى التأكيد عليه من جديد يوم الخميس الفائت خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق وتبديد الكلام عن وجود بعض التباين في المواقف بين سورية وإيران. كما التقى أحمدي نجاد بالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وبممثلين عن جبهات الرفض الفلسطينية من الذين يقيمون في دمشق. وسبق ذلك خطاب الرئيس بشار الأسد مع بدء ولايته الرئاسية الثانية وفيه تابع التأكيد على الثوابت في المواقف وفي السياسات. وفي إشارة كاريكاتورية لكنها لافتة، ترجم المطالب التي تتقدم بها الدول الغربية بالقول «ما كنت أعلم أننا قوة دولية بهذا الحجم، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نحتل مقعداً في مجلس الأمن الدولي».
ورغم أن خطاب الأسد الطويل ركّز على كثير من الشؤون المحلية لكن ما قاله حول طروحات السلام مع إسرائيل يستحق التوقف عنده فهو خرج من الكلام العام إلى بعض التخصيص كمطالبته ببعض الضمانات لعقد محادثات سلام مع إسرائيل بل ذهب إلى حد التذكير بـ «وديعة رابين» إشارة إلى ما قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين للرئيس الراحل حافظ الأسد. واتضح أن تركيا تقوم بدور الوساطة عبر وزير خارجيتها عبدالله غل الذي يحظى بثقة الطرفين السوري والإسرائيلي. وكان الرئيس السوري يرد على دعوة ايهود اولمرت الإعلامية لعقد محادثات سلام غامزاً من قناة الرئيس الأسد بأنه يريد الاجتماع مع الأميركيين «ولا يريد الاجتماع بي»!
ولعلها المرة الأولى التي يقترب فيها الرئيس بشار الأسد في طروحات السلام مع إسرائيل من بعض الاقتراحات المحددة، خصوصاً عندما نتذكر أن استحضار «وديعة رابين» ناشئ من الانجازات التي حققتها في فترة سابقة من حيث أنها قدمت «أوضح الضمانات» التي تحفز سورية على الانخراط في مفاوضات مع إسرائيل. وهكذا يرى الأسد أنه «رئيس دولة عظمى» تنهال عليه المطالب وبصورة خاصة ما يمكن تسميته بلعبة «الثلاث ورقات» التي تحتفظ بها دمشق وهي في الاتجاهات التالية: لبنان وفلسطين والعراق.
على أن أبرز ما قاله الرئيس السوري في خطبته «أن الأشهر القليلة المقبلة حتى نهاية العام سوف تقرر مصير أمور كثيرة وخطيرة سواء في المنطقة وفي العالم».
ومثل هذا الكلام لا يطرح اعتباطياً بل هو قائم على مسلمات وعلى فرضيات تأخذ بعين الاعتبار تطورات الأيام الآتية، ومن هذا المنطلق علينا أن ننتظر اشتداد عمليات التجاذب في المنطقة وتزايد ضغوط عمليات عض الأصابع بين الأطراف الاقليمية والدولية وعليه تتركز الأنظار خلال هذه الشهور المقبلة على مناطق مثلث الأحزان: لبنان وفلسطين والعراق.
ويبدو من هذه الناحية أن أكثر من طرف يراهن على هذه التطورات التي يمكن أن تحدث أكبر عملية خلط أوراق في المنطقة ويمكن أن تؤدي إلى تكريس مواقع نفوذ بعض الأطراف الاقليمية، ويُفضي هذا الأمر بالتالي إلى حدوث «نقلات نوعية» في تطورات المنطقة. ويقول طرف ديبلوماسي عربي بارز ومتابع دؤوب لمسار هذه التطورات أن المنطقة ستعود تخضع لمنطق المعادلة التالية: اقليمياً: لا حرب من دون إيران، ولا سلام من دون سورية. وعالمياً: لا حرب ولا سلام من دون الولايات المتحدة.
وفي هذه الحال يبقى لبنان على لائحة انتظار الحلول مع الاستدراك الذي قامت به فرنسا باستضافة ممثلي «الصف الثاني» للحوار في «سان كلو»، واصبح يكفي عدم تفجر المزيد من الخلافات بين الأطراف اللبنانية ومن ورائها هو الهدف، وعليه تستمر باريس في لعب هذا الدور عبر حضور وزير الخارجية برنار كوشنير إلى بيروت في الثامن والعشرين من الشهر الجاري لاستكمال المحادثات، علماً بأن موفده كوسران توجه إلى دمشق في زيارة لافتة أشعرت سورية بأنها ضمن دائرة الحوار الهادف إلى خفض درجة التوتر العالي في لبنان، مع الملاحظة بأن واشنطن غير متحمسة كثيراً لهذا الدور الفرنسي الذي أدخل «حزب الله» إلى بلاد قوس النصر وأعلن قيام حوار مباشر بين باريس والحزب.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعتمد سياسة براغماتية تختلف إلى حد كبير عن سياسات ومواقف الرئيس السابق جاك شيراك. وبموجب هذه السياسة ينادي ساركوزي بسياسة الانفتاح على «جميع الأطراف» الفاعلة على الساحة اللبنانية. واستناداً إلى العديد من المعطيات فإن الوضع في لبنان يبدو مقبلاً على «تطورات مفصلية» بمعنى الاستحقاقات الآتية من حكومة الاتحاد الوطني التي تتأرجح بين المطالبة بها والمعارضين لها، إلى الاستحقاق الكبير الممثل في اختيار رئيس جديد للجمهورية. وهناك حديث عن «معطيات جديدة» عاد بها الزعيم وليد جنبلاط من زيارته الأخيرة إلى جدة ولقائه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والسيد سعد الحريري وآخرين.
وعليه فإن الوضع السائد في المنطقة من لبنان إلى فلسطين إلى العراق يبدو وكأنه عشية مخاض عسير قد لا يكون المخاض نفسه الذي توقعته القابلة القانونية الوزيرة كوندوليزا رايس مع بداية حرب الصيف الماضي على لبنان، بل هو مخاض في اتجاه ولادة أوضاع جديدة في أكثر من مكان في المنطقة.
وعندما تهب العواصف من جديد سوف يتضح من بإمكانه الصمود بوجه الرياح العاتية ومن ستجرفه سيول الأزمة وتداعياتها.
وسط كل ذلك يجري التحضير لجولة جديدة من المباحثات بين إيران والولايات المتحدة، وهذا تطور يعرف الجميع ما له من أهمية في تحديد مسار أزمة التعاطي بين طهران وواشنطن سواء حول ظاهر الأمور أي الملف النووي، أو باطنها: مصير العراق، ومصير الولايات المتحدة في العراق.
هوامش مترابطة
كان الأجدى بالرئيس بوش أن يعلن تبنيه المبادرة العربية للسلام وتبني طرحها خلال المؤتمر المقبل للسلام إلا إذا أراد الاستئثار بأصعب أنواع السلام وهو السلام في الشرق الأوسط إن السياسات الأميركية الهادفة إلى محاربة الإرهاب أسهمت في زيادة الإرهاب والإرهابيين وطرحت معادلة جديدة وهي: الخيار بين التطرف والأكثر تطرفاً معركة «تحرير مخيم نهر البارد» كلفت الكثير من الخسائر (ما يزيد على مئة عنصر من الجيش اللبناني) وطالت واستطالت أكثر من التقديرات التي وضعت في بداية المعارك. ورغم أن عنف الاشتباكات في الأيام الأخيرة يشير إلى اقتراب الحسم فإن معلومات مقلقة تحذر من أن نهاية تنظيم «فتح الإسلام» قد لا تكون بالضرورة مع نهاية القتال في المخيم، بل ربما تولت عناصر أخرى تابعة لهذا التنظيم نقل أعمال الشغب إلى مناطق لبنانية أخرى.
بعد اللغط الذي أثير حول إعلان وزير خارجية فرنسا كوشنير عن استيضاح ممثلي «حزب الله» في مؤتمر «سان كلو» عن الأسيرين الإسرائيلين المحتجزين وقولهم انهما على قيد الحياة، سارع الحزب إلى نفي مثل هذه المعلومات. وحقيقة الأمر أن المساعي الدولية الجارية بشأن الأسيرين تسير ولو ببطء شديد باعتبار أن الحزب يفاوض على أمرين: تأكيد بقاء الأسيرين على قيد الحياة ثم البحث في مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. للمرة الأولى يشير رئيس وزراء العراق نوري المالكي إلى استعداد بلاده لمواجهة الموقف في حال حدوث انسحاب سريع للقوات الأميركية. ومع أن هذا الإعلان فيه نوع من الحرب النفسية، فإن وقائع الأمور تؤكد استحالة تمكن قوات الأمن العراقية من السيطرة على الأمور في حال حدوث أي انسحاب أميركي مبكر إعلامي وكاتب لبناني