الحُسين هذه الشخصية الغامضة في التاريخ الإسلامي و التي تمّت الكتابة عنها بعد حوالي 300 سنة من ظهور دين الإسلام. نجد الشيعة يقدسونها تقديساً عظيماً و يتم إحياء ذكرى مقتله في كربلاء كل عام و يتم زيارة قبره المزعوم هناك. لقد قررت أن أتوغل قليلاً في محاولة لفهم الحقيقة وراء قصة الحُسين…
في البداية عندما كنت أبحث عن حقيقة نشؤ الإسلام كنت أبحث في المخطوطات القديمة التي تعود للقرن السابع و منها بالتأكيد (تاريخ سيبوس الأرمني)، لكن ساورتني بعض الشكوك في دقّة الترجمة الإنجليزية فبدأت في قراءة النسخة الأرمينية و استعنت بالقواميس الأرمينية لعلي أجد شيئاً جديداً يفتح أبواباً أكثر للفهم و المعرفة. في الباب الرابع عشر يقص سيبوس عن قصة طلب إمبراطور بيزنطة “موريس” لرفات النبي دانيال من “خسرو” ملك فارس، و قد قال الآتي: “لقد طلب من ملك الملوك “خسرو” أن يعطي الجسد الذي عند الخزانة الملكية في التابوت النحاسي و الذي يُطلِق عليه الفُرس “كيخسرو” و يُطلِق عليه المسيحيون “النبي دانيال”. أول شيء استوقفني هنا هو أن النبي “دانيال” هو نفسه “كيخسرو”، فكيخسرو أو كي-خسرو هو أحد ملوك فارس العظام الذي عرف عنهم العدل و الإيمان و قد اعتبره بعض المؤرخين المُسلمين من أمثال “حمزة الأصفهاني” و “إبن بلخي” كنبي من أنبياء الله! .. ثم نكمل ما قاله سيبوس عن خروج الجثمان محملاً على عربة و حُزن أهل فارس على خروجه: “و خرج “حُسين” و خرجت كل فارس ورائه”…
حسين بالأرمينية “Հոսէին”
و قد قال سيبوس عن صاحب الجثمان “حُسين”! و هنا دارت في رأسي أسئلة لا حصر لها؛ هل النبي “دانيال” هو نفسه “كيخسرو” هو نفسه ” الحُسين”؟؟؟!!! ثم و من خلال البحث وجدت أنه عند شيعة أهل البيت في الأهواز الذين لا يتمكّنون من زيارة مرقد الحُسين في الأربعين يتوجهون إلى قبر النبي دانيال و يحيون الشعائر الحُسينية عند مرقده في مدينة الشوش عند مرقد أبي الفضل العباس في إقليم خوزستان!!! هذا شيء غريب جداً!!! لكن الأمور تتضح أكثر عندما نقرأ النص الإخميني للملك “داريوس” الذي يقول فيه: “هناك رجل إسمه “حُسينا بن أبا دارما حيا” ظهر في عيلام و قال أنا ملك عيلام بعد ذلك، و ثار العيلاميين و ذهبوا لحسينا و جعلوه ملك عيلام. و كان هناك رجل في بابل إسمه “ناديتو أبايرام” إبن “عينا راحي” ظهر صيته و خدع الناس و قال أنا “نبو خذ نصر” إبن” نبو نيتا حيا” و بعد ذلك ذهب البابليين” لناديتو أبايرام” و أصبح ثائراً و أخضع مملكة بابل”!
يقول الملك داريوس: بعثت برسالة لعيلام. و جاءني هذا الحُسين مُقيداً ثم ذبحته”. هنا تتضح الصورة أكثر فأكثر، فعندما نعود للعهد القديم نجد أن هناك من سُمِّىَ “ذبيح الفُرات” و الذي قال الشيعة عنه أن العهد القديم تنبأ بظهور الحُسين، و لكن من الواضح أن العهد القديم لم يتنبأ بل كان يحكي ما حدث و هو ذبح النبي دانيال / كي-خسرو / الحُسين على يد الملك داريوس و هنا تكون أطراف الخيط قد اكتملت و اتضح من هو الحُسين ذبيح الفُرات في الحقيقة!!
من خلال كتابات “داريوس” نرى أنه كان هناك تحالفاً ما قائماً بين “نبو خذ نصر” و “الحُسين” ضده و هو ما نجد شبيهاً له في العهد القديم من تحالف “دانيال” و “نبو خذ نصر” الثاني (ترد قصة في الخيال الشعبي أن نبو خذ نصر رأى حُلماً و النبي دانيال كان هو من فسّره له) و نجده أيضاً في قصة تحالف “كيخسرو” مع” نبوخذ نصر” و والده، المؤرخين قالوا أن نبو خذ نصر في نص “داريوس” هو “نبو خذ نصر” الثالث لاعتمادهم على تاريخ العهد القديم فوضعوا “نبو خذ نصر” ثالث لملئ الفراغ في حين أنه لا دليل على وجود نبو خذ نصر الثالث هذا مما يكشف لنا الكثير من الحقائق و يفضح أمامنا الكثير من التزوير مثل أن كتبة العهد القديم حاولوا تزوير التاريخ لإخفاء أن دانيال / كيخسرو / الحُسين لم يكن من بني إسرائيل و أن السبي البابلي لم يحدث و أن جميع هذه القصص هي مجرد أساطير تمّ تركيبها على التاريخ القديم و تمّ نقل الشخصيات الحقيقة من مكانها وجغرافيتها و خلق مجتمع أسطوري إسمه بني إسرائيل!!!
من خلال قراءتي للشاهنامة نجد أن قصة موت “كيخسرو” هي قصة غامضة، فقد زهد في المُلك و الحياة و جاءه حُلم أن ساعته قد اقتربت فولّى خليفةً له المُلك و ودّع الناس و قرّر الذهاب إلى مكان لم يذكره الكاتب و خرجت الناس وراءه تطالبه بالعودة و عدم الخروج، و بعض الناس من الذين لحقو به حذّرهم من الموت إذا لحقوه و فجأة اختفى و مات من لحقوه!! ثم نعود لجدارية “داريوس” فنجد إنه بعث يطلب الحُسين ثم بدون أي مقدمات أو مقاومة تُذكَر يأتيه هذا الحُسين مقيداً على عكس” نبو خذ نصر” الذي ذكر داريوس الحرب الشعواء التي حدثت بينهما قبل أن يتمكّن من قتله! فمن الواضح أن الحُسين سلّم نفسه له، و باعتقادي أن النهاية التي تم إخفائها هي أن كي-خسرو / الحُسين / دانيال قد ضحّى بنفسه لإنقاذ شعبه من الموت و الحرب و الدّمار و هذا هو ما كان سبب تقديسهم له و حِفظهم لذكراه طيلة هذه السنين و ليُصبح تقديس الحُسين في إيران و العراق شيء قديم جداً قبل ظهور و تبلور الإسلام نفسه في بلاد الشام و العراق و إيران بوقتٍ طويل (بحوالي ألف و مئتي سنة خلت قبل ظهور الإسلام)، و مع تمسّكهم بهذا التقديس بعد الإسلام تم وضع القصة في إطار قصصي إسلامي صرف و خلق قصة جديدة خاصة به على يد الرواة الإسلاميين كما فعل كتبة العهد القديم من قبلهم!!
أحب أن أوضّح أن كل ما نسعى إليه هو الوصول إلى الحقيقة و الحقيقة فقط التي نحاول جاهدين الوصول إليها و كل شيء يحتمل الصواب و الخطأ، و أنا أدعو كل الباحثين العرب أن يترجموا كل شيء من جديد فهو تاريخ منطقتنا و لغتنا و لن يكشف الحقيقة إلا نحن و خير مثال ما وجدناه حديثاً في الكتابات الأكادية فيما سُمِّيَ ب”أسطوانة سايروس” المكتوبة باللهجة العامية العراقية الجنوبية المُستعملة حتى الآن في جنوب العراق و ليست اللغة التي وضعها المُستشرقين بجهلهم أو تعمُّدِهم إخفاء الحقيقة و اعتمادهم في ترجماتهم على قصص العهد القديم و جعل ما يسمى بالعهد القديم كتاريخ للبشرية في حين أن التاريخ الحقيقي لو ظهر سيجعل فعلاً من هذا العالم قرية صغيرة مُتعاونة بعيداً عن أي نزعة طائفية أو دينية أو عرقية
في النهاية أحب أن أوجّه شكري الخاص للباحث د. سامي فريد و الباحثة مي بركات و الباحث د. سام مايكلز على مساعدتهم و جهودهم التنويرية الهامة
المراجع:
ديورانت، قصة الحضارة، 2/402
تاريخ سيبوس، النسخة الأرمينية
الفردوسي، الشاهنامة
OLD PERSIAN TEXTS
Print Friendly, PDF & Email