ابدأ كلامي هنا هذه المرة بالشكر الجزيل للمفكر العربي الدكتور الطيب التيزيني الذي أشار إلى الأبعاد السيكيولوجية للوهم الإيدولوجي في المدارس الدينية وبالذات الوهم الديني الأسلامي , ولايذهبن بنا الخيال للتصور بأن المصطلح موجه للايديولوجيا الدينية وحدها !! بل الكلام فيما هو كلام عام وخصوصيته بالديني من المصاديق تنطلق لما لهذا المصداق من بروز وحضور في ساحة الخطاب الرائج هذه الإيام . والإيهام معرفياً هو الزيادة في الوهم لسبب ما يتعلق بترويج الخطاب الإيديولوجي في عملية يقصد منها التغرير بالمخاطب وتشويه الرؤية لديه وتعمد الخلط في الأحكام .
وعندما نقول هذا ذلك لأن الديني يمارس هذا اللون من السلوك في الواقع ومن خلال خطابه المقرؤ والمسموع لذلك فأننا نعني ما نقول في هذا الشأن , و الديني هنا هو ليس النص الإلهي بل هو ذلك التفسير التاريخي للنص هو الفتاوى وهو الاخبار النبوية ,و كما قلنا ذات مرة ان التفسير التاريخي للنص الديني يخضع بالضرورة للأرضية المعرفية السائدة آنئذاك , وهذا يعني جعل هذه المعرفة بمثابة الدين أو هي الدين نفسه . أعني بذلك صيرورة منتجات أهل التأريخ الدينية بمثابة النص الإلهي ذاته . وهذه إشكالية تخلق هذا الوهم في ذهن المتلقي فأذا زيد عليها الكلام والخطاب السياسي تصبح في الحالة عند تلك هي الأحكام السلطانية التأريخية وهي عين الدين لذا سوّق البعض ذلك المفهوم في سياق ممارسته للعمل السياسي بقوله : ديننا عين سياسيتنا - وهذا يعني تبرير الفعل السياسي وكل ماينتج عنه ككونه هو الدين . ومخالفة الدين كفر كما يقولون , أي أن مخالفة الحاكم السياسي خليفة كان أم إمام هي مخالفة لله . داعمين هذا الرأي بتفسير غير صحيح لمعنى , أطيعوا الرسول - متناسين وحدة السياق وطبيعة الموضوع ونوع الخطاب , وهذا هو الإيهام الإيدولوجي الذي يعمد على توظيفه في كل شؤونات الحياة بحيث تستفرغ الحياة من وضعها الطبيعي ويكون معنى العمل الصالح هو طاعة السلطان مهما تعدى على حقوق الأدميين ومهما جار أو تكبر ,ولكي يكون ذلك مبرراً تصنع الأخبار والروايات التي تلزم الناس بالطاعة . فالحاكم هو ظل الله أو هو خليفة المعصوم والنائب عنه , وحكمه في الرعية مطلق كحكم الله وحكم الرسول (ص) ,وهذا الشئ هو الذي أفرغ الأمة من دواعي تقدمها وأفسد على الناس منهج التفكير الصحيح بداعي مخالفة الله . وهذا ما جعل البعض من قليلي المعرفة الأنقياد لرجال الدين أو من يمثلهم دون التعرف على طبيعة وفكر رجال الدين . وهل هم بالفعل بمستوى النص في أمره ؟ وهل جرى بين العامة وهؤلاء حوار ونقاش مفتوح ليطلع الناس على طبيعة فكرهم ؟ ولكي نقرب المعنى لذهن المتلقي نقول أن الإيهام الإيدولوجي هو التقديس من غير وجه حق . وحين ننفي الحق فأننا ننطلق من كون المرء مطالب بالتدبر والتمعن وعدم الإنجرار وراء العواطف لأن الله طلب من الناس كافة أن يفهموا أولاً ثم يحكموا ثانياًعلى أية موضوع , منكراً على من سبقونا التمسك بمذهب الأباء معلناًموت الحقب التأريخية وعدم تكرارها أو إعادة إنتاجها ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) وهذه الطفرة المعرفيةأرادها الله للعقل لكي يكون أهلاً للتكريم الذي خص به الإنسان . والإيهام هو التضليل وهو التحريف ومجانبة الحقيقة أن لم تكن موافقة لهواه, وهذا السلوك هو مذهب الأسلاميين السياسيين في علافتهم مع الغير ومع المخالف . وما حمام الدم في العراق إلا شاهداً على هذا التوهيم والتضليل المعتمد لدى دعاة الفكر الديني , وسم ما شئت فهذا هو الواقع !!!