يبرر البعض ظاهرة التكفير الشائعة في مجتمعنا المصري، بأن الأديان كلها تكفر بعضها البعض وتعتبر كل من لا يتبع دينها، وفي بعض الأحيان من لا يتبع طائفتها داخل نفس الدين، بأنه كافر ولا يتبع الدين أو الطائفة أو المذهب القويم. وبالتالي يستغرب هؤلاء المبررتية ثورتنا على التكفير ومطالبتنا بمحاسبة ومحاكمة المكفرتية، ويتمادى بعضهم ليفسر ثورتنا ومطالبنا، بأنها مؤامرة على الإسلام والمسلمين، والدليل أننا لا نتحدث عن الأديان الأخرى وطوائفها. ولهذا نحب أن نوضح ما هى مشكلتنا مع التكفير الإسلامي ولماذا نرفضة؟
التكفير يؤدي إلى القتل
حتى وإن كانت باقي الديانات تمارس التكفير ضد الأديان الأخرى أو فيما بين طوائفها المختلفة، فإن هذا التكفير لا ينبني عليه عمل في الدنيا، فهو يعني أن الشخص لن يدخل الجنة أو الملكوت أو لن ينال الرحمة بعد الموت أو يوم الحساب. أما في الدنيا فلا جزاء ولا عقاب لهذا الكفر. وقد تطورت بعض الأديان لتتجاوز مرحلة التصنيف الديني هذه لما بعد الموت فجعلت الأساس هو خيرية الإنسان بغض النظر عن عقيدته كما في تصريحات البابا فرنسيس بابا الفاتيكان “من الأفضل أن تكون ملحدا بدلا من أن تكون واحدا من كثيرين من الكاثوليك، الذين يعيشون حياة المنافقين المزدوجة” فهنا البابا فرنسيس يتخلص من معيار تقييم الإنسان على أساس العقيدة إلى معيار الإنسانية وطريقة التعامل مع الأخرين.
على عكس ذلك، نجد الفكر الإسلامي لا يكتفي بالتكفير والإخراج من الملة كحكم ديني يفيد المنع من دخول الجنة أو الطرد من رحمة الله بعد الموت، بل يصبح التكفير قاعدة يُبنى عليها أفعال في الدنيا، وهذه الأفعال تتراوح ما بين دفع الجزية والقتل وإستحلال سرقة الأموال وإغتصاب النساء لمن يصنف “كافر”.
وقد ينبري هنا بعض المبررتية ليقول أن الكفر ليس هو سبب القتل ولهؤلاء نقول:-
اليهود والمسيحيين مخيرين بين الإسلام أو الجزية أو السيف، أما باقي الديانات فهم مخيرين بين الإسلام والسيف، أليس الكفر هنا سبب القتل؟ أم أن هناك شيء أخر لا نعرفة؟
قتل تارك الصلاة لأنه كافر، يقول الشيخ سيد سابق في كتابة فقه السُنة، فصل تارك الصلاة، “ترك الصلاة جحودا بها وإنكارا لها كفر وخروج عن ملة الإسلام. أما من تركها مع إيمانه بها واعتقاده فرضيتها، ولكن تركها تكاسلا أو تشاغلا عنها، بما لا يعد في الشرع عذرا فقد صرحت الأحاديث بكفرة ووجوب قتلة” وينقل عن مالك والشافعي أن تارك الصلاة فاسق يستتاب فإن لم يتب يقتل، وعن أحمد بن حنبل أنه كافر يستتاب فإن لم يتب يُقتل، وينقل عن الشوكاني صاحب كتاب نيل الأوطار “والحق أنه كافر يقتل” انتهى. أليس الحكم بكفر تارك الصلاة هنا هو سبب القتل؟ أم تارك الصلاة يقاتل المسلمين فيجب قتلة؟
ويأتي على رأس عمليات القتل بسبب التكفير “حد الردة” الذي يتمسك به رجال الدين الإسلامي، ويصرون على تطبيقه على كل من يُحكم عليه بالكفر، ولعل في نموذج قتل فرج فودة وشهادة الشيخ الأزهري “المستنير” محمد الغزالي في محاكمة القتلة خير دليل على أن الكفر هو المبرر للقتل. فالشيخ لم يعترض على قتل فرج فودة لأنه من وجهة نظرة مرتد كافر يستحق القتل ولم يرى في القتلة مجرمين إرهابيين ولكن شباب مفتئت على الحاكم، فقال في شهادته التى استمرت نصف ساعة “إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد“ هذا هو أحد شيوخ الإستنارة كما يسمونهم، يرى أن فرج فودة يستحق القتل لأنه مرتد. فهل هنا أيضا الكفر ليس سبب القتل؟ أم أن فرج فودة حمل السلاح وراح يقاتل المسلمين؟ لقد كان الشهيد لا يملك إلا قلمه وعقله.
ولذلك، أرى أن محاكمة المكفراتية يجب أن تكون بتهمة التحريض على القتل وليس بقانون العار الذي يعاقب على ما يسمى إزدراء الأديان، فتكفير إنسان أو مجموعة من البشر هو دعوة صريحة لقتلهم وإستباحة أموالهم ونسائهم.
التكفير قيد على حرية الرأى والتعبير
يؤدي التكفير وما ينبني علية من قتل إلى تقييد حرية العقيدة وحرية الرأى والتعبير والإبداع في المجتمع. فعندما يترك إنسان الإسلام يصبح مرتدا وبالتالي يصبح هدف للقتل، وما لا يدركة الكهنوت الإسلامي، أن حد الردة لا يمنع الإنسان من ترك الإسلام وإنما فقط يمنعة من الإعلان عن معتقدة الجديد، ما يؤدي إلى خلق مجتمع من المنافقين الذين يظهرون ما لا يبطنون ويصبحوا مصدر خطر داخلي على الدين، إن كان يهمهم أمر الدين.
وإذا كان تقييد حرية العقيدة يضر بالدين، فإن استخدام التكفير كسلاح ضد المفكرين والمبدعين، يقيد حريتهم في البحث العلمي وحريتهم في التعبير عن أرائهم وأفكارهم ونشر أبحاثهم، يضر بالوطن والمواطنين معا. فالوطن الذي يغيب فيه البحث العلمي الحر وتغييب فيه حرية الرأى والتعبير لا يمكن أن ينهض أو يتطور، فكيف يتطور وهو لا يستطيع أن يناقش أمراضة وينقد ذاتة ليصف لها العلاج الذي يخرجها من ضيق الفقر والجهل والمرض إلى سعة الرفاة والحرية والعلم؟
لهذا نرفض التكفير لأنه تحريض على القتل، وتقييد لحريات الإنسان الشخصية.