ليس سراً أن نبيح كلاماً ورد في لسان صاحب القرار الأول في الكرملين ، وليس سراً أن نقول : إن سوريا مقبلة على أيام جديدة غير التي ألفناها ، فيها يكون لها تاريخ جديد وجغرافيا جديدة وواقع فرضته الدماء والحرب والمُكايدة ، و أبناء سوريا يعون ذلك تماماً يستشعرونه في صيغة معادلة إعلامية وحوارية ومفاوضات ، فيها تُرسم خارطة وعي جديد ليس لحدود وحسب ،
بل لتعيين ملاكات جديدة للدولة السورية المقبلة ، وشعب سوريا كشعب العراق تماماً يعيش التناقض والتناحر والطائفية والسلوك السيء ، وهذه الصفات غدت واقع جعل من الإختلاف الغير محمود حقيقة ضد التعددية - والتي هي طابع كان من المميزات الجيدة للبلاد الشامية - ، لقد أستُغل الإختلاف الثقافي والديني والقومي من قبل الغير لكي يكون أداة هدم وتفتييت ، وقد ساعدهم في ذلك سياسيون نفعيون ومرتزقة وصوليون وطبل لذلك رجال دين مزيفون ، لقد كانت سوريا الآمنة مضرباً للمثل في التعايش السلمي وفي قبول الآخر المختلف ، وكانت التعددية الثقافية عنصر قوة ونماء للبلاد السورية وعنصر قوة للشعب السوري ، ولهذا نعتبر دعوى التقسيم أو الفدرلة تفتييت وتشجيع للإيغال في الفتنة وكل مسبباتها ، ولكننا لا نمانع هذه المرة للقبول حين يكون ذلك سداً للذرائع وحقناً للدماء ، وحين يكون التعايش ضرباً من المستحيل ، وفي هذه لابد لنا من مواجهة الحقيقة من غير تردد والقبول بكل ما يخدم قضية الشعب السوري وفي عودته للحياة ، فالشعب السوري لم يعد يحتمل العيش في ظل الإنقسام والحرب والدعايات المضادة ولم يعد واحدا كما كان ، ولهذا ذهبت مع الحرب كل ثقافة الوحدة ولم يعد يهتم بها ، تلك الثقافة التي كانت في السابق مدعاة للفخر ، لكنها اليوم أصبحت نشازاً في ظل واقع تتحكم فيه البندقية والدم ، ولغة مغايرة لكل شيء وفيها كل شيء غريب ، ونفس الشيء الذي نقوله هنا نقوله عن الواقع العراقي ، والذي في نهاية المطاف سيتقسم إلى دول أو أقاليم وتلك حقيقة ، وفي هذا لا يقرر الشعب لأنه مضطرب التفكير تعوزه الحكمة والحرية والإرادة ، وهي أشياء بعيدة المنال طالما يتحكم بها سياسيون جهلة وقد أثبتت التجربة إنهم من غدى ونمى وشجع هذا التخالف وهذا التناقض ، إن لسان المتحدثين بالسياسة بعيدٌ عن منطق التعايش السلمي وبناء الدولة أو الإهتمام بحاجات المواطن - وفي ذلك الكل سواء - ، وكان لدول الجوار والدول الإقليمية الدور الباز في تشجيع النزعات الإنفصالية والفئوية والتقاطع ، وهذه الدول التابعة للغير تنظر بعين الريبة للدول ذات التاريخ والحضارة ، وتلك تسبب حفراً في ذاكرة الناس لا تمحوها الكلمات والتنظيرات .
إن سوريا هذا البلد الجميل قد تفكك ولم يعد صالحاً للحياة تلك هي الحقيقة ، وحتى إعادة الإعمار يحتاج لأموال كبيرة وكبيرة جداً ، ولا نرى من متبرع يفي أو يعد بذلك ، ولذلك يهجرها ربعها وخلانها واحبابها مولين شطرهم نحو الغرب ، وفي هذه الهجرة التي ستطول وتطول و لن تُعيد من هاجر إلى الوراء ، ومادمنا نتكلم عن الهجرة فعلينا الإمتثال للقول الدارج : إن الناس يبحثون عن فضاءات حرة تؤمن لهم الحرية الإجتماعية والحرية الإقتصادية والحرية الفكرية ، ولكن هذا البحث العفوي يصطدم دائماً بمنظمات السوء التي تتكاثر بعشوائية هناك في بلاد الغرب ، فتولد نزعات متطرفة وكانتونات فئوية وعنصرية تتنازع فيما ما بينها عن الأحقيات التي هجروها في بلدانهم الأم ، والقضية جدلية شائكة بين الحرية وبين العدالة والقانون ، هذا التشابك تسلل من خلفه رجال دين متطرفين وحاقدين يوزعون الكراهية والعنف ويباعدون بين الناس وقدرتهم على التعايش ، وهناك ثمة شيء في هذه الكتل المهاجرة التي ينقصها العمق الثقافي والوعي المباشر في معاني الحرية ، ولذا يكون التسرب عبر بوابات خلفية ضيقة تغلق عليهم منافذ الحياة والقدرة على الإبداع والتنمية ، وهذا الأمر ليس إفتراضياً بل عشناه هنا ورأيناه هنا وهو يتكاثر بنسبة خطيرة ، تُنذر حسب بعض المنظرين الغربيين إلى إمكانية خلق مجتمعات بديلة ، ولهذا بدأت خطوات في الإتجاه الأخر ولنقل هي تجربة جس النبض ، في سويسرا هذا البلد الهادئ ليقول إن هذه الفوضى لا تخلق إسقراراً وتعايشاً ، بل ستؤدي على المستوى البعيد إلى خلق تخالف في بنية المجتمع ، وبالتالي تتحول الدولة المحايدة إلى صيد ثمين عند المتطرفين والإرهابيين ، وبالقدر الذي نلتزم فيه الحياد تجاه قرارات الدول ، بالقدر الذي نطالب فيه التدقيق في الأوراق والسجلات لكل وافد ، حتى لا يحدث ما لا يمكن توقعه ، ولندع حُسن النوايا جانباً خاصةً في النواحي الإستراتيجية ، و طالما هناك ماقد يثير أو يشعر مجتمعاتنا بعدم الإسقرار .
، والأمن ، ولهذا تبدو معادلة الفدرالية في ظل الوحدة الممكن الذي يجب ان يذهب إليه من يريد التفاوض بجد ومن دون شعارات فوضوية براقة ...