وضعت السلطات السعودية العشرات من المعارضين السوريين، السياسيين والعسكريين، في ما يشبه الحجر في فندق «انتركونتيننتال» في الرياض، حيث قطعت عنهم الاتصالات مع الخارج، ونشرت قوات أمنية في كل طابق في الفندق، في ما يبدو محاولة لمنع أي احتكاك لهم مع الإعلام، وفي ما بينهم في ظل التباين والنفور بين شخصيات حاضرة، فيما انتقدت «حركة أحرار الشام» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، مشاركة معارضين «مقربين من النظام السوري» في مؤتمر الرياض.
ووسط كل ذلك، حددت الرياض للمجتمعين بنود البيان الختامي قبل انطلاق المؤتمر، مع تأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف لممثلي الفصائل المسلحة أن «السعودية تقف إلى جانب السوريين في رفض وجود (الرئيس) بشار الأسد في أي صيغة حلّ مؤقتة أو دائمة»، وهو ما يتناقض مع بيان فيينا الذي ترك هذا الأمر إلى السوريين أنفسهم، ومع مواقف عواصم غربية أظهرت انعطافاً في نظرتها الى التسوية السورية التي باتت تتطلب برأيهم استمرار دور الأسد في المرحلة الانتقالية.
في هذا الوقت، يعقد ممثلون عن روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة اجتماعاً في جنيف غداً، يشارك فيه المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، فيما يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري موسكو الأسبوع المقبل حيث سيلتقي الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كرر أمس رفضه أي حديث عن رحيل الأسد.
وانطلق في الرياض اجتماع المعارضة السورية بهدف الخروج بموقف موحد من مفاوضات محتملة مع النظام السوري. ويترافق اللقاء مع إجراءات أمنية مشددة، حيث انتشر عناصر الأمن في كل طابق من طبقات فندق «انتركونتيننتال». وذكر أحد المشاركين في الاجتماع إن الاتصالات مقطوعة في قاعة الاجتماعات، كما أن هناك شحاً في المعلومات جراء طرد الصحافيين من الفندق قبيل بدء توافد المعارضين أمس الأول.
ولم يخرج عن الاجتماع سوى صورة وحيدة وزعتها وكالة الأنباء السعودية - «واس» لعدد كبير من المدعويين يتوسطهم وزير الخارجية عادل الجبير. ويفترض أن تستمر المفاوضات حتى اليوم، لكن مصادر تحدثت عن إمكانية تمديد الاجتماع حتى الغد.
وذكر صحافي في وكالة «فرانس برس» في المكان أن هناك تعتيماً إعلامياً على الاجتماعات، وأن المشاركين يمتنعون عن التصريح أو الكلام مع الصحافيين. إلا أن مصدراً في المعارضة قال إن «الأجواء جيدة والآراء متقاربة». وقال مصدر معارض آخر إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف التقى ممثلي الفصائل المسلحة أمس الأول، وأكد لهم أن الرياض «لن تتخلى عن الشعب السوري تحت أي ظرف»، وأن «السعودية تقف إلى جانب السوريين في رفض وجود بشار الأسد في أي صيغة حلّ مؤقتة أو دائمة».
وذكرت «واس» أن الاجتماع بدأ بمشاركة الجبير الذي أعرب للمشاركين عن الأمل أن يكون اللقاء مثمراً. كما أعرب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في بيان، عن أمله «بالنجاح الكامل» لمؤتمر الرياض، مشدداً على أهمية قيام المعارضة «بتوحيد جهودها لتكون المحاور السياسي المرجعي الذي تحتاج إليه سوريا». وكتب الممثل البريطاني الخاص لسوريا غاريث بايلي، على موقع «تويتر»، «يوم أول جيد في الرياض للمباحثات حول سوريا. تركيز واضح على منصة قوية للمعارضة وفريق تفاوضي قادر على توفير ذلك».
وعبر رئيس «الائتلاف الوطني السوري» خالد خوجة، في بيان، عن «تفاؤله في إمكانية خروج المعارضة السورية من اجتماعات الرياض باتفاقات تتخطى مسألة توحيد الموقف من الحل السياسي، إلى مرحلة تشكيل الوفد المفاوض وتحديد أسس التفاوض ومرتكزاته».
وتحدث خوجة عن «وجود جهوزية لدى المعارضة للحل السياسي». وقال إن «الحل السياسي لا يقتصر فقط على إنهاء دور الأسد، بل يتعداه إلى خروج القوات المحتلة من الأراضي السورية»، مشيرا إلى أن «الاحتلال الروسي والإيراني المزدوج هو عامل مهم». وشدد على أن «اتفاق جنيف 1 هو الأساس لأي تسوية، وان كل أطراف المعارضة متفقة على ذلك».
وللمرة الأولى، يشارك ممثلون عن فصائل مسلحة في اجتماع موسع للمعارضة، وأبرزها «جيش الإسلام» و «حركة أحرار الشام الإسلامية». وأكدت «أحرار الشام»، التي أسسها متشددون على صلة بتنظيم «القاعدة»، في بيان، أنها تشارك في المؤتمر «لنناضل سياسياً كما نناضل عسكرياً، وقطع الطريق على أي محاولة للالتفاف» على ثوابت عدة، أبرزها «تطهير كامل الأراضي السورية من الاحتلال الروسي - الإيراني»، و «إسقاط نظام الأسد بأركانه ورموزه كافة وتقديمهم لمحاكمة عادلة».
وانتقدت الحركة دعوة «أشخاص هم أقرب لتمثيل النظام من تمثيل الشعب وثورته»، وإنها دهشت «لعدم تمثيل الفصائل المجاهدة بما يتناسب مع واقعها ودورها في الثورة وعلى الأرض». وطالبت بضرورة «تفكيك أجهزة القمع العسكرية والأمنية» في موقف يضعها على طرف نقيض مع القوى العالمية التي اتفقت في فيينا على عدم المساس بمؤسسات الدولة في إطار أي انتقال للسلطة في البلاد.
وأكدت الحركة «الحفاظ على الهوية الإسلامية لشعبنا وثوابت ديننا الحنيف». وقالت «إننا لا نقبل أي مخرجات لهذا المؤتمر أو غيره تخالف هذه الثوابت ونعاهد الله تعالى أولا ثم نعاهدكم عهداً وثيقاً بأننا لن نساوم على ديننا ومبادئ ثورتنا».
ورفض ناشط يعيش في المنفى الحضور إلى جوار «من يدعمون إقامة إمارة إسلامية» في سوريا.
اجتماع روسي - أميركي - أممي
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أن موسكو ستشارك غداً في المحادثات المرتقبة مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة حول سوريا في جنيف، مشيراً إلى أن دي ميستورا سيشارك في المحادثات. وشدد على أهمية الاتفاق على وضع «قائمة للتنظيمات الإرهابية، وقائمة لأعضاء المعارضة الذين يمكنهم المشاركة في عملية التفاوض».
وقال دي ميستورا، لوكالة «رويترز»، إن محادثات جنيف تتعلق بكيفية تنظيم الاجتماعات المقبلة في فيينا على نحو أفضل، مشيراً إلى أن اجتماع جنيف لا يهدف إلى بحث نتائج جهود توحيد المعارضة السورية.
ولن يشارك في محادثات جنيف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أو نظيره الروسي سيرغي لافروف اللذان سيجتمعان في موسكو الأسبوع المقبل.
وقال كيري إنه سيتوجه إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا وأوكرانيا. وأضاف «إذا تمكنّا من ضم المصالح بالقدر الكافي لندرك أن هناك نتيجة إيجابية لنا كلنا إذا أنقذنا سوريا، وتوصلنا إلى تسوية سياسية، فهذا سيكون شيئاً رائعاً تماماً. ولهذا السبب سأذهب».
وتساءل كيري، الذي ناقش هاتفياً مع لافروف إمكانية عقد اجتماع جديد للمجموعة الدولية لدعم سوريا، «هل لديهم (الروس) مصالح هناك مختلفة عن مصالحنا؟ نعم الأمر ينطبق على ذلك. هل يحمون هذه المصالح؟ بالتأكيد الأمر كذلك»، مؤكداً أن روسيا لم تخف دعمها السياسي والعسكري للرئيس السوري بشار الأسد، لكنه رأى أن هناك نقاطاً مشتركة كافية للسير قدماً باتجاه عملية سلام.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن «لافروف أشار لكيري إلى ضرورة تنفيذ القرارات الخاصة بوفد المعارضة السورية ووضع قائمة للمنظمات الإرهابية».
وأعلن لافروف، في مقابلات مع وسائل إعلام ايطالية، أن موسكو ترفض مطلب رحيل الأسد. وقال «إذا استمروا في تصوير مشكلة الأسد وكأنها عقبة تحول دون تشكيل التحالف الشامل لمحاربة الإرهاب، فإن الذين يزعمون هذا سيعملون بطريقة غير مباشرة على الإبقاء على الظروف المناسبة لاستمرار داعش في التوسع».
وأكد لافروف أن «موقف الغرب من مسألة مصير الرئيس السوري تعرّض لبعض التعديلات، إذ لم يعد شركاء روسيا يطالبون باختفاء الأسد فوراً، من دون أن يستبعدوا مشاركته في العملية السياسية الانتقالية، لكنهم ما زالوا يصرون على تحديد موعد ما لرحيل الأسد. لقد رد الرئيس الروسي أكثر من مرة على هذه الفكرة، ونحن نعتبر مثل هذه المقاربة مصطنعة ومتعارضة مع القانون الدولي والمبادئ الديموقراطية».
وصعّد رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو، أمس، من انتقاده لروسيا، واتهمها «بتقوية» تنظيم «داعش» من خلال استهداف اعزاز قرب الحدود التركية «لإضعاف المعارضة التي تحارب داعش». كما اتهمها «بالسعي إلى عملية تطهير إتني في شمال اللاذقية لإجبار كل السكان التركمان والسنّة، ممن ليست لهم علاقات جيدة مع النظام على الرحيل لحماية قواعد النظام والقواعد الروسية في اللاذقية وطرطوس».
(«سبوتنيك»، «روسيا اليوم»، ا ف ب، رويترز، ا ب) السفير