استبق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاجتماع مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في موسكو اليوم، بتكرار الربط ما بين إطلاق العملية السياسية في سوريا بجهود مكافحة الإرهاب. وأعلن أن رؤية موسكو وواشنطن والرياض لا تتطابق مئة في المئة، لكن
هناك حركة إلى الأمام، حيث يتنامى إدراكهما لأبعاد خطر الإرهاب، فيما أشار مصدر سعودي إلى انه تم إبلاغ القيادة الروسية بأن تدخلها في سوريا سيؤدي إلى تصعيد الحرب، وأن الرياض ستواصل دعم «المعارضة المعتدلة».
وفي لوكسمبورغ، كانت الخيبة واضحة على وجوه بعض المسؤولين الأوروبيين، وهم يقرّون الآن بحصار الإحباطات السورية. وبدا ان الرهانات والحسابات الأوروبية على إسقاط رأس السلطة في سوريا أخطأت، وأن روسيا استطاعت فرض نفوذها وموقعها في مستقبل سوريا. وبات بعض الاوروبيين يكشف عن أن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان وزراء أوروبيون لا يكفّون عن إعلان حتمية رحيله المسبق، بات شريكاً «مفروضاً» على الأقل لإطلاق التسوية السورية، بحيث يشاركهم طاولات مؤتمرات الحل السياسي، ويتعاملون معه لصياغة المرحلة الانتقالية، ويشاهدونه يخطب على مشارف أولى الحملات الانتخابية لصياغة «سوريا المستقبل».
أما في الميدان، فقد تمكنت القوات السورية، بغطاء جوي من مقاتلات «السوخوي» الروسية، من مواصلة التقدم على عدة جبهات. وأعلنت القيادة العامة للجيش السوري، في بيان، أن القوات المسلحة أحرزت «نجاحات مهمة في عملياتها العسكرية المتواصلة ضد التنظيمات الإرهابية» في محافظات حماه وحلب واللاذقية. وأكدت السيطرة «على بلدات وقرى كفرنبودة وعطشان وقبيبات ومعركبة وأم حارتين وتل سكيك وتل الصخر والبحصة في ريف حماه الشمالي». كما سيطرت على المدينة الحرة الواقعة على أطراف مدينة حلب. (تفاصيل صفحة 10ـ11)
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أن سلاح الجو قصف 53 «هدفاً» لتنظيم «داعش» في محافظات حمص وحماه واللاذقية وإدلب. وأغارت الطائرات على منطقة سلمى في محافظة اللاذقية، وهي نقطة عبور يستخدمها التنظيم ومستودع للذخيرة.
وأعلن الجيش التركي، في بيان، أن أنظمة صواريخ في سوريا تعرضت لأربع مقاتلات تركية قرب الحدود بين البلدين أمس الأول، وأن وحداته ردت «الرد اللازم». ولم يحدد الجيش ماهية الرد، لكن هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها إلى «الرد» بعد تعرض مقاتلاته لمثل هذه الأحداث على مدى أسبوع تقريباً.
وبعد ساعات من إعلان «وحدات حماية الشعب» الكردية وعدد من المجموعات العربية توحيد جهودها العسكرية، في إطار «قوات سوريا الديموقراطية»، أعلن المتحدث باسم قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) باتريك رايدر، في بيان، أن الولايات المتحدة ألقت جواً، أمس الأول، ذخائر في شمال سوريا لمقاتلين يتصدون لتنظيم «داعش». وأوضح مسؤول في «البنتاغون» أن الطائرات ألقت ما مجموعه «خمسون طناً من الذخائر».
وكان قد تم الاعلان عن تشكيل «جيش الشام»، وهو الولادة الأولى بعد فترة مخاض طويلة نسبياً مرّت بها الفصائل الإسلامية المتشددة، وكان المميّز فيها تصارع التيارات والأجنحة داخل الفصيل الواحد. وإذا أخذنا بالاعتبار طبيعة الأسماء الكبيرة في العالم «الجهادي» التي تقف وراء «جيش الشام»، يغدو من السهل أن نخمّن أن المشهد «الجهادي» في سوريا قد دخل مرحلة جديدة ستتوالى فيها الولادات التي لن تبقى محصورة في منطقة الشمال، بل الأرجح أنها ستشمل مختلف المناطق السورية.
وأما في المواقف السياسية، التي تزاحمت مع تطورات الوضع في الميدان، فقد قال المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، في مؤتمر صحافي في جنيف قبيل سفره إلى موسكو، ثم بعد ذلك إلى واشنطن، أن تصاعد العنف جعل إجراء حوار بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة أكثر إلحاحاً. وأضاف «من الواضح أن التدخل العسكري الروسي (في سوريا) أحدث دينامية جديدة».
وأشار إلى أن التصدي للمجموعات الإرهابية الواردة في قرارات مجلس الأمن الدولي يشكل «أولوية»، لكنه «صحيح أيضاً أن التغلب على الإرهاب غير ممكن إلا عبر عملية سياسية موازية في إطار بيان جنيف».
وشكل دي ميستورا أربع مجموعات عمل بين السوريين تمهيداً لإحياء المفاوضات بينهم. وقال، رداً على سؤال عن تأليف مجموعات العمل هذه، «فلنبدأ بتنسيق بين روسيا والولايات المتحدة، اعتقد انه أمر ملح». وحذر من أن أسوأ سيناريو سيكون «تقسيم» البلاد.
بدوره، شدد الوزير الروسي سيرغي لافروف، الذي سيلتقي دي ميستورا اليوم، على ضرورة إطلاق العملية السياسية بسوريا في أقرب وقت، لكنه ربط آفاق الجهود الدولية فيها بمدى الحزم في مكافحة الإرهاب.
وقال، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي لامبرتو زافيير في موسكو، إن موسكو ستجري قريباً مزيداً من الاتصالات مع الجهات الإقليمية والدولية حول الأزمة السورية. وأضاف أن «آفاق تعاوننا مع جميع تلك الدول، بما فيها إيران والعراق وسوريا، مرتبطة بمدى الحزم الذي سنتحلى به في مكافحة الإرهاب».
وذكر بأن الجانب الروسي أجرى سلسلة اتصالات بمختلف الجهات الإقليمية التي لها تأثير على أطراف الأزمة السورية، بما في ذلك الشركاء السعوديون والإماراتيون والإيرانيون والأتراك، مؤكداً استمرار الاتصالات بشأن الأزمة السورية بين موسكو وواشنطن.
وقال لافروف إن «الجانب الروسي يشعر خلال اتصالاته بواشنطن والرياض بتنامي إدراكهما لأبعاد خطر الإرهاب. إن رؤيتنا في ما يخص الوضع في سوريا لا تتطابق بعد مئة في المئة في ما يخص كل خطوة من خطواتنا، لكن هناك حركة إلى الأمام، إذ يقبل شركاؤنا منطقنا ويقدرون استعدادنا لأخذ قلقهم بعين الاعتبار».
وذكر بأنه «سبق لبعض الدول أن انجرَّت وراء مغريات استغلال المتطرفين وتحريضهم، من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية، وبالدرجة الأولى تغيير الأنظمة التي لا تروق لتلك الدول، باعتبار أنه سيكون بإمكانها في وقت لاحق القضاء على هؤلاء المتطرفين».
وأضاف «هذا النهج لا ينجح. لم ينجح في العراق وليبيا، بل انقلب كل شيء رأساً على عقب، وفي نهاية المطاف انتشرت الفوضى في ظل انفلات التطرف العنيف والإرهاب. في الماضي، أدت هذه الأخطاء إلى ولادة القاعدة، أما في وقتنا هذا، فقد أدت الأخطاء نفسها إلى ولادة تنظيم الدولة الإسلامية».
وأكد لافروف «اهتمام الجانب الروسي بإقامة تنسيق بين التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة لمحاربة داعش والعسكريين الروس في سوريا»، موضحاً أن «الحديث يجب أن يدور ليس عن وضع قواعد تحول دون حوادث غير مقصودة في أجواء سوريا فحسب، بل وعن تنسيق العمليات العسكرية المشتركة». وقال «موسكو طلبت من شركائها الذين ادَّعوا بأنهم يعرفون الوضع في سوريا بصورة أفضل تزويدها بمعلومات حول مناطق تمركز الإرهابيين، وعن المناطق التي تعمل فيها المعارضة التي لا صلة لها بالإرهاب، لكن شركاء روسيا غير مستعدين حتى الآن لتقديم مثل هذه المعلومات».
وبعد ساعات من اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سوتشي، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر سعودي قوله إن «التدخل الروسي في سوريا سيدخلهم في حرب طائفية»، مضيفاً أن السعودية «تحذر من العواقب الوخيمة للتدخل الروسي». وأضاف «سيواصل السعوديون تعزيز ودعم المعارضة المعتدلة في سوريا».
وأشار المصدر إلى انه يتحدث استناداً إلى المواقف التي أوضحها الأمير محمد ووزير الخارجية عادل الجبير خلال الاجتماعات مع بوتين ولافروف في سوتشي. وقال «سيسهم التصعيد الأخير في اجتذاب متطرفين وجهاديين للحرب في سوريا»، معتبراً أن «تصرفات الكرملين ستنفر المسلمين السنة العاديين في مختلف أنحاء العالم».
وقال المصدر إن السعوديين حثوا روسيا على المساعدة في محاربة الإرهاب بسوريا من خلال الانضمام إلى التحالف الذي يحارب «داعش». وكرر أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يرحل في إطار عملية تطبيق بيان جنيف.
الى ذلك، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن أنقرة ستجري محادثات مع موسكو وطهران للعمل في سبيل التوصل إلى حل سياسي في سوريا، لكنها لن تتبنى سياسة خارجية «تضفي شرعية على النظام السوري».
(«السفير»، ا ف ب، ا ب، رويترز)