من الفروق الرئيسية بين النظم الديمقراطية والنظم القمعية هي طريقة تعامل نظام الحكم من المعارضين له. ينظر النظام الديمقراطي للمعارضين باعتبارهم مواطنين وطنيين لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات.
ولذلك يتعامل الحزب الحاكم مع المعارضين باعتبارهم منافسين سياسيين يتصارع معهم سياسيا وغالبا ما يقوم بتقسيم المعارضة إلى 3 دوائر رئيسية، الدائرة الأولي هم من يمكن استمالتهم لدعم سياسات وقرارات الحزب أو الرئيس، الدائرة الثانية وهى ابعد قيلا وهما من يمكن تحييدهم في الصراع فلا يعارضون السياسات والقرارات ولا يدعمونها، والدائرة الأخيرة هم من سيقفون لأي قرار أو سياسات تقررها الحكومة بالمرصاد وسيعارضونها بقوة.
لذلك دائما ما يكون الحزب الحاكم أو الرئيس في النظام الديمقراطي طرف في حوارات متصلة مع كافة القوى السياسية والاجتماعية بهدف الوصول إلى تسويات سياسية يستطيع بها زيادة شعبيته وتوسيع دائرة المؤيدين لقراراته أو زيادة دائرة المحايدين وبالتالي تضييق دائرة المعارضين الراديكاليين.
ويعتمد نجاح الحزب في أي نظام ديمقراطي على قدرته على زيادة عدد المؤيدين والداعمين عن طريق التسويات السياسية.
وهو ما يجعل النظم الديمقراطية أكثر استقرارا بمرور الزمن وزيادة الخبرات السياسية الناتجة عن هذا التفاعل السياسي بين المختلفين سياسيا.
على الجانب الأخر، ينظر الديكتاتور إلى المعارضين له باعتبارهم خونة وعملاء يريدون تدمير الوطن. ففي النظم القمعية يتوحد الوطن في الديكتاتور، فيصبح نقد قرارات الطاغية هو نقد للوطن. لذلك لا يسعى الديكتاتور إلى أي نوع من أنواع التسويات مع المعارضين بل يظل دائما في صدام دائم معهم، وتتراوح أدوات هذا الصدام بين التشويه الإعلامي للمعارضين باعتبارهم عملاء أو كفار في حالة الاستبداد الديني، وينتهي بالقتل مرورا بالاعتقال والتعذيب.
فالديكتاتور يرى أنه الحق المطلق والوطنية الخالصة ومبعوث العناية الإلهية، فكيف يعترض من يعترض على سياسته وقراراته؟ لابد أن يكون خائن أو عميل، وهؤلاء لا حوار ولا تسويات سياسية معهم، هؤلاء ليس لهم إلا السجن أو النفي أو القتل.
وعلى عكس الديمقراطيات أيضا، بدلا من توسيع دائرة الأصدقاء، يبدأ الديكتاتور في توسيع دائرة الأعداء بفعل سياساته الحمقاء، فتتقلص دائرة المؤيدين يوما بعد يوم ويزيد الغضب يوما بعد يوم، وتحدث عملية انتقال سريعة للمواطنين من دائرة الأصدقاء أو المحايدين إلى دائرة الأعداء، ويتحول التنافس السياسي إلى صدام سياسي غالبا ما يؤدي إلى العنف والثورة.
فصناعة الأصدقاء والحلفاء وتوسيع دائرة المؤيدين تحتاج إلى مرونة سياسية ويقين أن الوطنية لا يحتكرها أحد وإيمان بنسبية الحقيقة، وتأكد أن هناك كفاءات في الأمة تستطيع خدمة الوطن بنفس مستوى وربما أفضل من الحكام الحاليين، وهى أشياء لا يملكها الديكتاتور هو فقط يمتلك القدرة على صناعة الأعداء وفقدان الأصدقاء.
وهذه القدرة على صناعة الأعداء لا تقتصر على الداخل فقط بل غالبا ما تمتد إلى الخارج. فيبدأ في التصادم مع القوى الخارجية خاصة أن هذا التصادم يساعده في تكميم الأفواه في الداخل فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما يمنح المصداقية لاتهامات العمالة والخيانة التي توزع على المعارضين، وفي النهاية قد يشعل المستبد حرباً مع أي دولة أخرى في محاولة لمعالجة أزمة الشرعية التي يعاني منها وليس دفاعا عن الوطن أو حفاظا على الأمن القومي.
في النهاية، طال الزمان أو قصر لابد أن يسقط الديكتاتور، فهو لن يستطيع أن يقف وحيداً أمام أعدائه المتزايدين في الداخل والخارج.