أسوأ ما في هذا الخطاب المتطرف أنه يستغل الدين؛ للوصول إلى أهداف سلطوية/ سياسية . ولأنه خطاب جهل، جهل بالواقع وبالذات وبالآخر، فهو يصطدم دائما بالعلم الحديث، وبالرؤى التنويرية، وبالصيرورة المدنية المعاصرة
بداية؛ يقول الباحث القدير: رمسيس عوض: "يحلو للعقل الديني المتطرف أن يخلق أعداء من صنع الخيال" . أي أن العداوة التي يصنعها المتطرفون ليست - في أصلها - من إفرازات العلائق الاجتماعية الأولية، وإنما هي صناعة خيالية؛ بغية البحث عن مبرر وجود، في حال عدم وجود هذا المبرر في الواقع . فهي نوع من البحث عن مكانة في وقت لم يعد المجتمع محتاجا إلى التطرف؛ كما هو الحال في البيئات العصبية المتناحرة، تلك التي لا يقوم وجودها إلا على العصبية والتطرف .
إذن، لولا هذا العدو المُتَخَيّل، أو (الحقيقي !) الذي جرت صناعته؛ لم يكن هناك من مبرر مقنع، لوجود كل هذا الزخم الكهنوتي، هذا الزخم الذي يقدم نفسه - اجتماعيا - كصاحب مهمة مقدسة، وكصاحب دور مركزي في الحياة، لا وجود للحياة بدونه . بدون هذا العدو المتخيل الذي يصنعه خيال المتطرفين؛ لغاية براجماتية، يسقط الخطاب المتطرف من الأساس، أي من حيث مبدأ الوجود ذاته؛ لأنه خطاب (عدائي) يتطلب وجود أعداء في عالم الحقيقة أو في عالم الخيال .
خطاب التطرف هو خطاب الجهل والتجهيل . وهذا الوصف ليس من الهجائية في شيء، وإنما هو من توصيف الشيء بما هو عليه واقعيا . وبما أن مقاربة خطاب الجهل لا يمكن أن تنتهي؛ لأن الجهل - كخطاب متعد - لا يمكن أن ينتهي، فإن هذه المقاربة، لا تغني عنها المقاربات السابقة، التي قاربت الخطاب الجهلي/ التجهيلي من زوايا أكثر عمومية . جهالة هذا الخطاب هي جزء من جوهر وجوده، فهو خطاب قائم على الجهل، وبانتفاء الجهل، واتساع دائرة المعرفة - كَمّاً وكيفاً - يضمحل الخطاب تلقائيا، وتستقر مكوناته البشرية في صلب خطابات أخرى .
خطاب الجهل، هو خطاب التطرف المتمحور حول الأنا، والمضاد - بفعل الجهل والتعنصر - للآخر؛ جراء جهل بالذات وبالآخر . وليس شرطا أن يكون خطاب التطرف/ الجهل دينيا، فقد يكون عشائريا وعرقيا ومناطقيا وإقليميا، وذلك عندما يعمد عرق من الأعراق البشرية، أو قبيلة، أو منطقة، أو إقليم، إلى بناء تصور جاهل عن الذات وعن الآخر؛ فتظن أنها الأفضل، وأن الآخر هو الأسوأ . ولولا الجهل؛ لتعذّر بناء هذا التصور الذي يقف على الضد من حقائق العلم التجريبي، وآفاق الفكر الإنساني المتسع باتساع الإنسان .
ومع أن التطرف قد يكون غير ديني، إلا أن المجتمعات المتدينة، يتم استغلالها من جهة الدين . لهذا، غالبا ما يكون التطرف فيها دينيا . والتطرف الديني في المجتمعات الإسلامية، هو التطرف الذي يضاد المدنية من جهة، ويتبنى العنف والانفلات الأمني، من جهة أخرى . ومع أن التطرف الديني ليس من الأشياء التي تتفرد بها المجتمعات الإسلامية، فقد عانت أوروبا في العصور الوسطى، وبدايات عصر النهضة، من أبشع ألوان التطرف والتعصب، إلا أن التطرف الديني اليوم، يكاد يكون - للأسف - من سمات المجتمعات الإسلامية؛ بسبب جملة التأزمات الفكرية والاجتماعية التي تواجهها .
نحن الآن، وكما يعرف الجميع، نواجه خطر التطرف الديني لدينا على وجه التحديد، وليس أي تطرف آخر. وهو خطر على وجودنا، صنعه المتطرفون، وتسامح معه المجتمع في فترة من فترات (الغفوة) التي ظنوها انبعاثا إسلاميا مجيدا، بينما كانت في الحقيقة صناعة إيديولوجية متطرفة، أشد ما يكون التزمت والتطرف . ولسذاجتنا الفكرية، وحسن ظننا، ظننا أن كل كلام باسم الدين، هو كلام الدين ذاته، ومنحنا كل خطاب متأسلم ثمرة عقولنا وقلوبنا !.
لقد أصبح المتطرفون لدينا هم القلق الدائم، وهم السرطان الذي يهدد الجسد الاجتماعي كله، وتكاد مسألة التطرف، وما يطرحه المتطرفون علينا، أن تشغلنا عن المسائل الأساسية في النهضة المدنية المأمولة . ننام ونصحو على بياناتهم المتطرفة المتشنجة في أحسن الأحوال، وعلى اكتشاف خلايا الجناح العسكري لهم، والمدجج بأنواع الأسلحة في أسوأ الأحوال .
أسوأ ما في هذا الخطاب المتطرف أنه يستغل الدين؛ للوصول إلى أهداف سلطوية/ سياسية . ولأنه خطاب جهل، جهل بالواقع وبالذات وبالآخر، فهو يصطدم دائما بالعلم الحديث، وبالرؤى التنويرية، وبالصيرورة المدنية المعاصرة، ويجهل - جراء تركيبة الجهل فيه - أن نتيجة هذا الصدام ليست في صالحه، بل هي كفيلة بتقويضه في المستقبل المنظور .
لقد حاول أبو العقلانية الحديثة: رينيه ديكارت، إقناع الكنيسة المتطرفة - التي كانت تضطهد العلماء، وأرباب الفكر الحر، وتقيم محاكم التفتيش لهم - وقساوستها المتزمتون، أن مصلحتهم تقتضي ألا يناصبوا العلم الحديث العداء . ولكنهم لم يسمعوا له؛ لأنهم تصوروا أن شحن المجتمع بالعداء للرؤى التنويرية التقدمية، وللعلم الحديث، سيجعل المجتمع يلقي إليهم بمقاليده، وينقاد لهم؛ لمجرد أنهم كانوا يتحدثون بلسان الدين، ويدعون أنهم يعبرون عن إرادة الله .
دائما ما يزداد عنف الخطاب المتطرف، وضراوته في مهاجمة أعدائه، في الوقت الذي يجد نفسه محاصرا من قبل تنامي الوعي الاجتماعي بحقيقته . شراسة الخطاب المتطرف تزداد؛ كلما وجد أن أرضيته الاجتماعية التي يشتغل عليها، ومن خلالها، قد أصبحت غير مستقرة، وأن المتعاطفين معه، أو المخدوعين بخطابه، بدأوا يتحسسون حجم الخديعة . وهذا ما نراه الآن من قبل تيار المتطرفين لدينا .
لقد أهدى كوبرنيكوس كتابه (دوران الأجرام السماوية) الذي عرض فيه نظريته في دوران الأرض إلى البابا . ولم تتنبه الكنيسة إلى ما فيه . لكن، وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، أدانت الكنيسة جاليليو، بسبب الفكرة نفسها . هذا التسامح مع كوبرنيكوس، والسكوت عنه، في مقابل اضطهاد جاليليو، لا يفسره إلا أن الكنيسة لم تكن قد تعرضت للحصار النقدي زمن كوبرنيكوس، ولم تكن القناعة بها قد بدأت تتزعزع .
لكن، مع جاليليو، كان الكثير من المفكرين والعلماء، قد كتبوا عن زيف التطرف الديني لدى الكنيسة، بل وعن حقيقتها، أو عن حقائقها ! . لهذا كانت في غاية الشراسة مع الأخير؛ لأنها كانت تحس إحساسا حادا بخطر نمو الوعي على وجودها، وأن تحولات الزمن ليست في صالحها . لهذا جاء عنفها مع جاليليو بحجم الخطر الذي يتهددها .
إننا على يقين من أن صيرورة الزمن آخذة في اتجاه التقدم، وأن المكتسبات التي تطال الوعي - وعي الأمر، وليس وعي الأفراد - لا يمكن التنازل عنها، وأن مصير خطاب الجهل/ التطرف يتجه نحو الضمور والاضمحلال النسبي . لا بقاء للتطرف مع تنامي الوعي، وانحسار مساحات الجهل . لكن، ما نسعى إليه - جاهدين - أن يتم تجاوز الخطاب المتطرف، بأقل قدر من الخسائر . كون الخطاب المتطرف في مصيره إلى الضمور، لا يعني أن هذا سيكون بلا ثمن . ونحن نحاول ألا يكون الثمن باهضا؛ كما يريده المتطرفون .
كل ما يعارضه الخطاب المتطرف: خطاب الجهل لدينا، من مفردات حضارية تقدمية، سوف تأتي بها الضرورة التقدمية الحتمية؛ مهما حاول الوقوف في وجهها، أو التشنيع - باسم الدين - عليها . لكن، قد يتسبب في تأجيلها إلى حين . وهذا ضرر بالغ، وخسارة حضارية لا تقدر بثمن . كما قد يستلزم الأمر بعض التضحيات التي قد تكون غير ضرورية؛ لولا ممانعة خطاب الجهل/ التطرف .
ما يلاحظ اليوم على الخطاب المتطرف، أنه، وبفعل الإحساس الحاد لديه بأن الجميع قد فضح حقيقته، بدأ بالهجوم على التيارات العصرانية، وأبرزها: التيار الليبرالي . كون الهجوم من قبل تيار التطرف مركزا على الليبرالية، يعني أن الليبرالية هي النقيض الجذري لرؤى التطرف، وأن التيار المتطرف يحس بهذه الضدية والنقضية والجذرية، ويدرك أن زواله (النسبي )، وانعدام أثره في المجتمع المحلي، سيكون على يدي مبادئها الكلية، وليس على يدي الخطاب يعارضه في واحد، ويوافقه في تسعة وتسعين ! .
كما كان الشأن مع الحداثة في ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم، تواجه - اليوم - الليبرالية - كرؤية - هجوما في غاية الشراسة والإقصائية من قبل تيار الجهل/ التطرف . هجوم يتضح فيه أنه ينبع من تيار تنظيمي أو شبه تنظيمي، يريد أن يمارس على المجتمع الدور الوصائي الذي مارسه في أزم الحداثة . إنه يريد أن يضع نفسه وسيطاً معرفياً، وليس دينيا فحسب !، بين المجتمع، وفهم الليبرالية . إنه لا يريد من المجتمع أن يفهم الليبرالية؛ عبر تاريخها و مقولاتها وتجاربها الواقعية، وإنما يريد أن من المجتمع أن يفهم الليبرالية كما يتصورها خطاب الجهل/ التطرف .
خطاب الجهل/ تيار التطرف، لا يقارب الليبرالية من وجهة نظر خاصة، أي أنه لا يقدم رأيه بوصفه مجرد وجهة نظر خاصة، أو مجرد رؤية لطرف آخر محافظ، وإنما يقدمها بوصفها رؤية الدين لليبرالية . وليس هذا فحسب، بل يقدمها بوصفها: الكفر البواح، وأنها مشروع إلحاد وانحلال، لا يتحمس له، بل ولا يتعاطف معه، كافر مرتد ! . وكل هذا يقدم بواسطة جهل مُروّع بالليبرالية، فضلا عن سياقاتها التاريخية .
هناك في العالم العربي والإسلامي، تيارات ثقافية، لا تتفق مع الليبرالية، بدافع المحافظة التقليدية، أو بدافع تباين الرؤية، وتنوع الخيارات الحضارية . ما يميز هذه التيارات التي تعارض - وقد تعادي - الليبرالية عن التيار المتطرف لدينا، أن أولئك حاولوا فهم الليبرالية، كقيم نسبية، وعرفوا ماذا تعني في مؤداها العام، وتعاملوا معها على أن الخلاف عليها خلاف مدني، وليس دينيا . بينما المتطرفون لدينا، هم أولا لا يعرفون عن الليبرالية إلا ما كتب على بعض الصفحات الانترنتية، وما كتبه بعض المؤدلجين العروبويين أو الإسلامويين عنها، وفي أحسن الأحوال، بالرجوع إلى القواميس العربية أو الأجنبية ! .
الرجوع إلى القواميس عمل مفيد . ولكن، ليس دائما، فقد يعطي القاموس المعاني مجردة، أو عابرة للثقافي، ويبتسر الجانب الحيوي والمتغير من التيار، كما أن طبيعة الاختصار التي هي من خصائص القواميس، تجعل التثبيت، والتأطير، لا بد منهما في سبيل نجاح القاموس كمشروع . لكن كل ذلك يقود إلى نوع من الجهل بموضوع البحث . إن هذا الاستخدام الآلي للقواميس لا يفعله الذين يمتلكون وعيا بالعصر؛ عبر الانخراط الفاعل والموسوعي في ثقافة العصر .
الرؤية الكهنوتية الوصائية، التي ينظر من خلالها الخطاب المتطرف: خطاب الجهل، إلى مخالفيه، هي ما تجعله يقسم العالم والأفكار والتجارب الإنسانية إلى ثنائية: الإيمان أو الكفر . وهذا ما حدا ببعض دعاة خطاب الجهل إلى دعوة الليبراليين إلى التوبة (يذكرنا بمحاكم التفتيش التي تطلب من العلماء التوبة من الهرطقة، أو أن يتم إحراقهم) والعودة إلى الإيمان ! .
النفس التكفيري واضح - بجلاء - في مثل هذه الدعوات الكهنوتية، التي ترى في نفسها الممثل الشرعي والوحيد للدين . ومن ثم فهي تريد أن يركع المفكرون والعلماء بين يديها طالبين المغفرة؛ حتى يتم تعميدهم من جديد، كمؤمنين ! . وهذه الرؤية التي تطبع سلوك التيار المتطرف ناتجة عن أمرين:
الأول: العنف، كسلوك مادي و معنوي . والعنف مكوّن جوهري من مكونات خطاب التطرف، فبدون العنف، ينتفي وجود الخطاب من الأساس، أي لو تخلى الخطاب المتطرف عن العنف؛ لم يصبح متطرفا، ولأصبح خطابا آخر . إذن، لا بد للتطرف من أن ينتج العنف: العنف الفكري أولا، والسلوكي ثانيا . وهذا واضح جدا لمن يتابع الخطاب المتطرف/ خطاب الجهل .
الثاني: الجهل . وهو من مكونات الخطاب المتطرف لدينا، فهو خطاب جاهل بالخطاب الآخر، ودعواه العلم بمقولات التيار الذي يعارضه - خاصة إذا كان تيارا حديثا - دعوى لا تتجاوز إدعاء المعلوماتية المجزّأة التي لا تحدد عوالم الآخر، بل قد تقود - رغم صحتها في بعدها الجزئي المجرد - على تصورات مغلوطة، تزيّف الموضع؛ بدل أن تمنحك وعيا واقعيا به .
ولا شك أن هذا الجهل الذي هو لازمة من لوازم التيار المتطرف، نابع من عدة عوامل، منها ما هو مرتبط بالكسل المعرفي؛ لأن المعرفة ليست غاية في ذاتها لديهم، وإنما هي للتوظيف الإيديولوجي، ومنها ما هو مرتبط بالقدرات العقلية المتواضعة لرموز هذا التيار، فضلا عن مريديه الكبار؛ لأنه لولا التواضع في هذه القدرات ابتداء؛ لم ينخرط الرمز أو المريد - أساسا - في تيار التطرف الذي يقوم وجوده على الجهل بكليات الواقع وكليات التاريخ .
أخذ العلم على هذا النحو الذي يراهن على المعلومة المجردة، المجتزئة من عدة سياقات، لا يمكن فهمها إلا من خلالها، هو ما يراهن عليه رموز خطاب الجهل/ التطرف؛ لأنهم لا يحسنون أكثر من هذا . هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالجماهير التي يستهويها العامي والشفهي والجزئي، لا تتقاطع إلا مع هذا النوع من الجهل المظنون علما ! . وهذا ما يفسر جماهيرية الخطاب المتطرف، التي تنظر إلى خطاب الجهل، كمصدر علمي وحيد !.
إن الجهل الذي يشكل مكونا أساسيا من مكونات خطاب التطرف، ليس مجرد تهمة، بل جهل يدركه من يمتلك الحدود الدنيا من القرائية؛ شرط عدم التماهي مع الخطاب المتطرف ذاته . ولعل الفضائح المعرفية التي ظهرت في هجومهم الأخير على الليبرالية، تكشف - حتى للمريدين - مستوى الجهل فيمن يرون أنفسهم رموز هذا التيار . إنه جهل يطال حتى المعلومة الجزئية التي يراهنون عليها .
وكمثال، فإن أحدهم أقام حلقة خاصة عن الليبرالية، في برنامج تلفزيوني خاص به، على إحدى الفضائيات المتطرفة، فجاء بالمضحكات المبكيات، على لغة أبي الطيب المتنبي . لقد جاء بكل ما يدل على جهله الفاضح؛ من تطرف في الأحكام، وجهل بالموضوع الذي هو بصدد عرضه، واحتقار - غير أخلاقي وغير علمي لمقدم البرنامج، الذي ساهم - بدوره - في تعزيز هذا الاحتقار، إلى استغفال المشاهدين، بوضع الانحلال والكفر والإلحاد، كناتج حتمي من نتائج الليبرالية التي يهاجمها .
سأفصّل في الكثير من دلائل الجهل الفاضح، عنده وعند غيره، ممن ناقش الليبرالية مؤخرا، في الجزء الثاني من هذا المقال، الذي سيكون ردا تفصيليا على التهم (الجهلية) الموجهة إلى الليبرالية . لكن، لا استطيع إنهاء هذا الجزء؛ دون أن ذكر المعلومة الفريدة التي تضحك وتبكي، والتي أتحف بها مشاهديه الكرام، وهي في قوله إن (إسبانيا) تعتبر قمة التقدم الحضاري !. لقد أدلى بهذه المعلومة الفريدة، لأنه يريد أن يدلل على هول المعاناة في أسبانيا؛ رغم - فيما يزعم - ليبراليتها وتقدمها، بل رغم أنها (قمة التقدم) ! .
إن المطلع - أدنى اطلاع - على العالم الغربي اليوم، يدرك أن (أسبانيا) ليست في قمة التقدم الحضاري - كما ادعى هذا، وهو أحد رموز خطاب الجهل - وإنما هي تكاد أن تكون في قاع المنظومة الغربية الرأسمالية، التي تنحى المنحى الليبرالي في سياستها واقتصادها. بل إن إدراج (اسبانيا) في الاتحاد الأوروبي، أريد به انتشالها من تأخرها عن منظومة الدول القيادية في الاتحاد الأوروبي، ولولا أنها من أوروبا - جغرافيا وثقافيا - لتم تجاهلها؛ لأنها لا ترقى إلى مستوى دول الاتحاد الأولى .
إذن، فكيف تكون هذه الدولة التي يصفها كثير من المحللين الأوروبيين بالمتخلفة، في قمة التقدم الحضاري ؟! . إنه ثناء غير بريء، قاده إليه الجهل من جهة، ومن جهة أخرى، رغبة متطرفة في استخدام تلك المعلومات عن أسبانيا للتشنيع على الليبرالية، مع أن أسبانيا ليست من الدول ذات العراقة الليبرالية، فعهدها بالاستبداد والسلطة الكهنوتية قريب. ما كان لهذا العبث، ولا هذا التطرف أن يمر، حتى في أوساط المريدين؛ لولا الجهل الفاضح التي تميز به خطاب التطرف/ الجهل عن غيره من الخطابات الرائجة؛ على اختلافها وتباينها .