يبدو العنوان غريب أو كما نقول “أيه اللى لم الشامي على المغربي” إنها العبقرية المصرية القادرة على جمع الأضداد وخلط ما لا يخلط وانتقاء أسوأ ما في كل شيء للخروج بالأسوأ ممأ هو أسوأ. كيف هذا؟
الدولة في الشيوعية هي دولة مستبدة مهيمنة على كل شيء على السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون والآداب بل وعلى حياة المواطنين الاجتماعية، قد تصل إلى تحديد أزياء معينة لكل مواطني الدولة كما فعل ماوتسي تونج في الصين في فترة من الفترات. فهي دولة مستبدة سياسيا تقمع معارضيها وتحتكر السلطة لصالح الحاكم الفرد أو الحزب الواحد تحت شعار ديكتاتورية الطبقات الكادحة، كما أنها تحتكر في نفس الوقت النشاط الاقتصادي فكل الشركات والمصانع والخدمات مملوكة للدولة فقط وحصريا. ولكن في مقابل ذلك، تتكفل الدولة بالمواطنين من الألف إلى الياء، فهي توفر للمواطنين العمل والتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية وتدعم السلع والخدمات وتحدد أسعار المساكن والمنتجات، فالدولة هنا هي كل شيء في حياة المواطن، الذي يعتمد عليها اعتمادا كليا.
أما النيوليبرالية، فهي ترى في الليبرالية الاجتماعية خيانة لليبرالية الكلاسيكية وانبطاح أمام الغزو الشيوعي وتراجع واستسلام للاشتراكية. لذلك فهم يطالبون بالعودة إلى الليبرالية الكلاسيكية (لذا أسميهم السلفية الليبرالية) حيث الدولة تقوم بدور حارس العقار أو كما اشتهرت بأنها الدولة الحارسة التي ترفع شعار دعه يعمل دعه يمر. فالدولة لا تتدخل في الاقتصاد تماما ولا علاقة لها بحياة المواطنين الاجتماعية ولا تتدخل في ثقافة أو فن أو إعلام، وبالتالي فتدخلها السياسي في أضيق الحدود. هي دولة تدير المجتمع بأقل تدخل ممكن، وبالتالي فالحريات العامة والشخصية مقدسة لا تستطيع الدولة التدخل فيها. إذا فهي النقيض للدولة الشيوعية، لا تتدخل في حياة المواطنين تماما، وكذلك لا تقدم لهم اى خدمات، تاركة العمل لليد الخفية في السوق، وللدارونية الاجتماعية في المجتمع، فهي دولة الحد الأدنى في مقابل الدولة المتوحشة.
إلا أن النيوليبراليين المصريين قد خرجوا علينا بتوليفة غريبة تريد أن تجمع بين أسوأ ما في الدولتين، الاستبداد السياسي الشيوعي والدولة السلبية اقتصاديا. فهم يريدون سلطة تقمع الحريات وتكمم الأفواه وتلغي الأحزاب والانتخابات والبرلمان وتدفن الديمقراطية في أقرب مقبرة. وفي نفس الوقت دولة غير مسؤولة عن أي فرد في الدولة فقيرا كان أو غنيا. فالفرد مسؤول عن تعليم وتأهيل نفسه لسوق العمل، وهو مسؤول عن زيادة دخله وتوفير علاج نفسه وأسرته والإنفاق على تعليم أولاده بعد إلغاء مجانية التعليم، والإدخار للإنفاق على نفسه بعد سن المعاش، فكل هذه الأشياء مسؤولية الأفراد ولا علاقة للدولة بها، وفي نفس الوقت يجب على هذا الحاكم أن يحتكر السلطة لنفسه ولمجموعته المختارة من النيوليبرال أصحاب المصالح في دولة شيوعية سياسيا، نيوليبرالية اقتصاديا.