الإصلاح الديني هذا المصطلح الذي يثير الإهتمام فينا ، يدغدغ عواطفنا نشعر به نريده ونتمناه ونحن أحوج مانكون إليه اليوم في ظل هذا التدافع السلبي والتناحر الطائفي ، هذا الإصلاح الذي نريده في الدين إنما نريد منه ليكون إصلاحاً في الداخل وفي محتوى التفكير ، في داخل النظام الفكري والمعرفي والقيمي للدين ، والإصلاح الذي نقصده لابد ان يكون في السلوك وفي العقيدة وفي النظام الفكري لمجتمعنا وكيف يجب ان يكون ؟ ،
ولرب قائل ان يقول : وما حاجتنا نحن للإصلاح الديني طالما إننا نسمع من أفوآه الخطباء إن ديننا قد حصن عقيدتنا وسلوكنا ، فلماذا الإصلاح إذن ؟ ، وهذا القول : كما ترى فيه وهم وفيه تجن وفيه تجاوز على الواقع كثير ، ذلك لأننا لاننطلق في تعاملنا مع الغير ومع أنفسنا من خلال كتاب الله ومما صح من سنة رسول الله حتى يصح ذلك القول ، إنما نحن ننطلق في ذلك من إجتهاداتنا وأرائنا وإجتهادات زعماء فرقنا ومذاهبنا التي هي عادة ماتكون مجرد إفتراضات وظنون ونظريات ، و لاحاجة لكي نقول إننا قد ركنا كتاب الله جانبا ونحيناه عن أهتماماتنا الضرورية ، لهذا لم يعد في صلب ما نتحرك به في حياتنا ، وفي الغالب العام إنما نتخذه شعاراً وتغطيةً وكلاماً نتغنى به بين الناس ، أعني إنه لايؤسس لقناعاتنا ولا لمفاهيمنا ، ولو كان هو من يؤسس لنا ذلك لما وجدنا هذا التضاد وهذا التنازع وهذا التكفير الذي نشاهده ونسمعه بين أطياف وطوائف المجتمع .
وإذا كانت المسيحية قد احتاجت يوماً ما إلى الإصلاح الديني بسبب ماكان سائداً من تخلف ومن نظريات إجتماعية بالية ومن كهنوت كنسي أسس لهيمنة رجال الدين وسطوتهم ، كذلك نحن بحاجة إلى هذا الإصلاح لأننا نعيش المرض نفسه سواء في الأفكار أو المفاهيم وحتى في الدور المتعاظم لرجال الدين ، وهنا تكمن المشكلة وهي ذاتها التي تدعونا للإصلاح وللمنادات به ، تكمن المشكلة بزيادة هذا الكم من الأحزاب الدينية والتي أخذت على عاتقها التحليل والتحريم كيف شاءت وكيف شاء لها الهوى ، المشكلة عندنا بهذه المنظمات التي أحتكرت الدين وبدت تفسره على هوآها محكترةً مفهومه ومعناه ، فصارت تكفّر كلّ من خالفها وخالف توجهاتها ، في واقعنا هناك كم هائل من سلطات دينية تفرض على الناس مفاهيمها بل وتدعي دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان فإلى جانب إحتكارها للتفسير الديني كذلك أحتكرت لنا الطبيعة الإجتماعية فنسجتها أو حاولت كما تريد وترغب وهكذا جرى الحال في الثقافي و السياسي والفكري بل وفي كل شيء ، ناهيك عن إلمعنى الأخلاقي والروحي .
مشكلتنا إذن في كيفية مواجهة ذلك من خلال مواجهة الخطاب المتخلف الذي يقوده رجال دين يضربون على وتر الطائفية والخصوصية ، مشكلتنا في كيفية تجاوز ذلك وإنعاش روح الحياة من خلال التلاقي وكسر الحواجز والإعتراف بالآخر كيفما كان وكيفما أراد ، فنحن جزء من كل وليس نحن الكل الذي لا يتجزء فما يصلح للغير يصلح لنا بالضرورة ، هذا مادلت عليه السيرة العقلائية والواقع فتنبيه المخدوعين لكذبة الخصوصية هي الشرط اللازم لتحدي هذه المشكلة وخلق واقع جديد ، فالطائفية مهما علا كعبها وتظافرت جهود من يريد لها أن تكون سنة وحياة إنما هي وهم وسراب والمتعلق بها متعلق بخيوط العنكبوت ، فهي في فكرها فقيرة جدّا ومغلقة جداً
ولا يمكنها أن تختصر طبيعة و هوية الإنسان في بعد واحد أو في إتجاه واحد .
وبنظري إن المشكلة ليست فقط بمن يدعي إنه يحتكر الدين إنما بمن يجعل من هذا الإدعاء هو الحق ودونه الباطل ، بل ومن هذا ينطلق ليصنف الناس كفاراً ومؤمنين ، يتعدى هذا في تقييم حركة الناس وعلومهم ومنتجاتهم ، وفي ذلك إنتاج للتناقض في داخل المجتمع هذا التناقض لايصلح لا للبناء ولا للإعمار ويكون هو المعوق في طريق التنمية ، وكل بلد يحاول التحدث بلغة متحررة ويلزم نفسه بقوانين خارج منطق الواقع هو كمن يحفر قبره بيده ، فالتناقض في المجتمع هو العامل الطبيعي في تفتييت المجتمع ، المشكلة التي نود توجيه الأنظار إليها هي في وجوب فك الإرتباط بين الخطاب الديني وبين القوانين التي تصنع المجتمع ، سواء مايتعلق فيها بالجوانب الإقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية ، أعني إننا ملزمون بالفصل العلمي بين الدين والنظام السياسي والفصل الذي نقصده ليس بمعنى الإلغاء إنما بتحرير الخطاب السياسي من الخطاب الديني ، وفتح أفاق للحرية والعقلانية وتعدّد المفاهيم والرؤى ، والفصل ليس معناه حصر الدين بالمتدينيين فقط بل في المهام التي يضطلع بها من قوانين وأحكام ، وتلك التي لا يجب ان تكون من مهمات الفاعل السياسي ، والفصل يعني التركيز في الخطاب وفي الممارسة على أن مهمّة الدولة في ضمان الحرية للجميع ، وفي حماية الأقليات من بطش الأكثرية ومن بعض البعض الذين يتحركون بمسميات وعناوين معينة ، والفصل كما أفهمه لازمه ومقتضاه هو الإصلاح في الدين الذي قلنا به في بداية الكلام ، يأتي هذا اللزوم من الواقع الذي نعيشه ومن قلق الصراع السياسي والطائفي لذلك فحاجتنا للإصلاح ضرورية و ماسة وشديدة ، حاجتنا إليه في إتمام مفهوم الثورة الاجتماعية والسياسية التي تؤسس لمفهوم الوطن الواحد وحماية المواطن وحماية حقوقه ، و لايتأتى هذا من دون ثورة فكرية وعلمية وفلسفية وقد حدث الإصلاح هذا في أوربا حينما تحررت وتقدمت في مجال البحوث والدراسات والعلوم ، وحين أدعوا إلى الإصلاح فإنما أدعوا له كاملاً غير مختنق وغير منقوص ، فواقع التطور عندنا والتقدم هو أنصاف مشاعر وأنصاف معلومات وكلّ شيء يولد في مجتمعاتنا ناقصاً ومخروب ، حتى الشعر والأدب والفنون والرياضة نعم عندنا الصورة كاملة لمفهوم القائد الضرورة ولأمير الجماعة ولولي الفقيه ووو .
ولايجب أن يذهب بنا الخيال لكي يكون الفصل في معناه هو فصل للدين عن الفرد وعن المجتمع فهذا القول غير صحيح ولا مناسب ، إنما هو فصل بين الدين والدولة ، فالدين : هو قيم أخلاقية وتاريخية لها علاقة بحياة الناس وذلك الشيء لا يمكن انتزاعه بسهولة ، وأما الدولة : فهي تلك المؤوسسات الإدارية والسياسية والخدمية وغيرها التي تقوم بتنظيم الحياة للناس ، و من هنا فهي جهاز لتنظّيم سير الحياة في المجتمع ، ولهذا لايجب للدولة ان يكون لها دين معين أو تتبنى ديناً معيناً إن مهمتها حماية الناس لا حماية العقايد .
و الدولة في معناها وطبيعتها لايجب ان يكون لها دين ولا يصح ذلك كذلك ، والعبارة الذائعة الصيت والتي تقول : إن - دين الدولة هو الإسلام - هي عبارة مسخ و عبارة ساذجة وغير مفهومة علمياً ومعرفياً فالدولة كما في تعريفها ليست كائناً حياً يصلي ويصوم ويحج حتى يقال إن دينها الإسلام ، الدولة : هي مؤوسسات وأجهزة خدمية ، والمجتمع : هم الأفراد ، والذين يكون لهم في العادة دين وقد لايكون دين ، وهذا غير ذاك كما يظهر ، ثم إن تلبيس الدولة ديناً معيناً وألباسها ديناً معيناً ، يعني هذا إنها ستحجب الحقوق عن الغير ممن لاينتمون إلى دينها ، وبالتالي يُلغى فيها حق المواطنة ، يستدعي ذلك بطلان كل المفاهيم والمعاني الحاكية عن المساوات والعدالة والحقوق و المواطنة ، ولقد قلنا في مقال سبق إن التعايش السليم لايتم إلاّ من خلال العيش في ظل مفهوم ومعنى إنما - الدين لله والوطن للجميع -