حين سقط الصنم في بغداد وتفتت العراق ، عمل جمع من المخلصين والحريصين على لم الشمل وإعادة البنية له وتشيكل النوات الأولى لنظام سياسي يشترك فيه الجميع قوميات وأحزاب وأديان ، كانت تلك خطوة أولى لترويض النفس العراقية وتدريبها على التعايش في ظل الإختلاف وقبول الآخر ، والخروج بها من دائرة القلق والخوف والشك ، نعم هي خطوة أولى لكنها لم تكن تامة ولا مكتملة ولاناضجة ولا متسقة في بعض تفاصيلها وأجزائها لأنها ضمت كما يقولون - من كل بيت أغنية - .
وكنا نحن معشر العراقيين تواقين للعدل وللحرية وللسلام نحلم أن يٌقام فينا نظام سياسي وإجتماعي يراعي هذا التعدد وهذا الإختلاف ، كنا نريد نظاما غير ذلك العتيق الذي ورثناه من حقبة الإستعمار والعسكر ، نظام كان قد أدخلنا في كل ماهو قبيح من الحروب والصراعات الداخلية والخارجية دمرت فينا وفيه معنى الوطن القوي الوطن الواحد الموحد هذه هي الحقيقة ، ولم نكن نرغب والله يعلم : أن يتم التحرير والإنعتاق وفق رغبة الأغيار وبواسطة المحتلين لكن هذا ماحدث - وقدر الله وماشاء فعل - .
ففقد العراقي في ظل هذا توازنه وإستقراره وأنتعشت الفوضى ساعد في ذلك جيش من المغفلين وأنصاف الوطنيين الذين اهلكوا فيه قدرته وأحساسه وماتبقى لديه من قيم ومفاهيم ، وكان لدول الجوار دورا بارزا وأكيدا في صٌنع هذه الفوضى وهذا التنازع بيننا وعدم الإستقرار ، لأنها كانت تخشى على نفسها فأرادتها ساحة تصفي فيها خلافاتها ونزاعها مع الغير ، ولم يكن لنا أيامها حول ولاقوة ، فكانت حاضرة في تفتييت ماتبقى من نسيج وهوية ورسوم للوطن الذي حلمنا به ونحلم ، واليوم وبعد كل هذه المعانات وهذا الدمار وبعدما خرج المحتل رغبة وطواعية وعادت السيادة للعراق ، تحركت من غير سابق عهد جماعات كنا نظنهم مع العراق وله ، ولكنهم قاموا بعمل غير محمود هدفه تدمير مالم يستطع كل هذا العنف تدميره أعني - هذه التظاهرات - ، فاليوم يتظاهر البعض وهو لايدري بل يعمل بالمثل القائل - حشر مع الرفاكه عيد - ويطرح البعض مطالب متناقضة وفي بعضها خلاف للدستور ، يستغل هذا بعض أخر متربصين ياملون في تفكيك للدولة الوطنية التي تٌبنى مع المعانات ، في عملية مقصودة لإعادة إنتاج ذلك النظام السياسي الذي حكم التاريخ والناس والعالم أجمع ببطلانه وزيفه وعدم صلاحيته .
إن أوّل هذا الفعل القلق نرآه من خلال التعمد بضرب مؤوسسات الدولة والتجاوز عليها ، حدث هذا في الفلوجة اليوم ضد الجيش والقوات الأمنية ، إن مجرد التجاوز على طبيعة التظاهر يدل على طبيعة النوايا المزمع فعلها من خلال التصادم وتحريك الناس حيال ذلك ، نعم لم أكن أتصور يوماً إنه مازال البعض يحمل صورا لمن دمر العراق من دون أن يلقى ذلك العمل اعتراضاً ممن يدعون سلمية التظاهر ومطالبها المشروعة ، ولم أكن أتصور إن التنافس غدى قضية طائفية بدل أن يكون تنافساً من أجل بناء الوطن وتقدمه ، وكما قلت فإن للبعض روح هدامه هدفها جعل العراق يعيش القلق والخوف وعدم الإنتظام ، ودائماً يستعجل القوم قدرهم ويكائن الشيعة هم من يحكم من غير منافس أو مشارك أو سهيم ، وكما قال رئيس الوزراء هناك من العهد البائد من يحلمون وهناك من القاعدة من يريدون إشعال نار الفتنة كي يجدوا لهم موطئ قدم بعدما طردتهم الأنبار بجهود الراحل أبوريشة ، حين صحى شعبه ومن معه وهو يطرد هؤلاء المتخلفين جناة التاريخ .
إن شعب الأنبار كغيره من فئات الشعب الأخرى يريد الأمن والبناء والتقدم ، يريد ان تكون موارد العراق للعراقيين ، يريد لها أن توزع عليهم وعلى غيرهم بالعدل ، ولايتم هذا من غير تلاحم وعمل وهدوء وإستقرار وأمن ، التظاهر من أجل التظاهر هو خلق للمشكلات وهو توجه غير سليم وعادة غير محمودة ولا مرغوبة ومن يذهب إليها ظاناً بها خير فلايحصد إلاّ الندامة ، نريد للعراق ان يستقر ليعرف الشعب - ساسه من رأسه - ، نريد للعراق ان يتجاوز أيامه السود التي مضت نريد لأبناءه أن ينخرطوا في العمل والبناء ، وكما يقولون - فاليد الواحدة لاتصنع المعجزة هو بلد يريدنا ان نتشارك في بناءه وإعماره ، لذلك يكون جر الناس إلى الساحات هو تعطيل متعمد وهو فعل يستبطن نوايا غير سليمة ، التظاهر في العراق لايصنع معجزة ولايحقق شيء طالما إن العراق هو هكذا بتكوينه الطبيعي والمجتمعي ، والتجاوز على هذا ممنوع بل مرفوض ، إننا مع كل مطلب حق ولكن من خلال الإرادة السياسية الغير مخربة ، إننا مع كل من ينادي بتطوير العراق وبناءه على نحو حضاري مشرق ، نحن نريد لكل محافظة وبلدة في العراق أن تكون كدول الخليج إن لم تكن أفضل ، طاقاتنا كبيرة وإمكاناتنا كثيرة وهمتنا واسعة فلم التخالف والتعرقل وإلهاء الناس في أمور ليست من مصلحتهم .
فوضى التظاهر ستخلق إن طالت جيلاً معدماً لايشعر بالوطن ولابقيمة الحرية ولا بأهمية النضال من أجل الوحدة والسلام والعدل الإجتماعي ، إن رفض التظاهر منا هو رفض للطريقية في طلب الحق والمطالبة به إذ لنا طرق وأقنية يمكن الرجوع إليها ولكم أن ترفضوا فالإنتخابات على الأبواب ..