هذا ملف مهم وصلنا من أحد الأخوة المهتمين بهذا الشأن ، وكما بيّن في المقدمة أن مادة هذا الملف قد جمعت من الشبكة الدولية ، وبسبب ذلك فإن إدارة الموقع ارتأت تدوين ملاحظاتها وتعليقاتها على ما ينشر في هذا الملف الذي سيكون على عدة حلقات ، ومع كل ما يمكن استدراكه على مادة هذا الملف فإنّ موضوعات هذا الملف مفيدة وجديرة بالقراءة.
إدارة الموقع
التشيع في سوريا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنه لا يخفى على المراقب أن ظاهرة التشييع اكتسحت مناطق كثيرة في العالم ، وأن من الدول من ساهم في انتشار هذه الظاهرة وفتح لها الأبواب ، ومنها من سكت عنها ولم يعارض وجودها ، ومنها من وقف سداً منيعا يحارب هذه الظاهرة ويقف دون انتشارها .
وكان من الصنف الأول الذي ساهم وشجّع هذه الظاهرة النظام السوري ، وهذه أوراق مجموعة بالكامل من الشبكة الدولية ( الإنترنت ) ترصد ظاهرة التشيع في سوريا .
فيها جانب تاريخي ،وجانب إحصائي ،وجانب تفصيلي ، وأسماء ذكرت في الشبكة الدولية ، قد ورد ذكرها على مسؤولية من نشرها ، وإنما نحن ننقل أمراً ، قد يستفيد منه الدارس لهذه الظاهرة ، قابل للتحليل والدراسة ، قد يكون فيه اختصار في بعض الجوانب ، وإطالة في جانب آخر ، ومبالغة في بعض الأمور ، وتهميش للبعض الآخر ، وإنما هو جهد للعرض الناس فيه بين الموافق والمخالف ، محذرين ومبينين أداء لما نستطيع ، والله من وراء القصد .
نشأة التشيع في سوريا
نبذة تاريخية
ترجع جذور التّشيع في سورية إلىالقرن الأول الهجري، إلا أنه أخذ في الانتشار في القرن الرابع الهجري، مع سيطرةالدولة الحمدانية (الشيعية) على حلب، واستمر خلال عهد الدولة الفاطمية، التي حكمتمصر، ومدت سيطرتها إلى بلاد الشام خلال القرن الخامس الهجري.
بيد أن التّشيع أخذينحسر منذ تلك الحقبة، بسبب محاربته من قبل الدولة الأيوبية، والدولة العثمانيةلاحقاً، إلى أن أصبحت الشيعة الإمامية في سورية اليوم يمثلون أقلية[1]صغيرة.
طائفة النصيرية والشيعة
رغمأن العلويين يعدون فرقة متفرعة من الشيعة، والذين يعرفون أيضاً بالنصيريين، نسبةإلى المجدد في فكر الطائفة أبو شعيب محمد بن نصير، الذي عاش في القرن الثالثالهجري، فإنهم يتمايزون عن الشيعة الإمامية، ولا ينطبق عليهم وصف "الشيعة".
والنصوص الفقهية الإثني عشريةكانت تنظر إلى الطائفة العلوية أو النصيرية على أنهم "كفار" رغم أن العلويين هم فرعمنشق عن الشيعة الإمامية، ومع تغلغل العلويين في الجيش السوري واحتلالهم لمواقعنافذة فيه بدأت تتغير مع الوقت الرؤية الإمامية للطائفة العلوية [2] وساعد على ذلكالأحداث السياسية كما سنرى .
الشيعة في الوسط السني
ويبدو أن قلة عدد الطائفة الشيعية في سورية، أسهم في ألا يمثلوا عصبيةمتميزة في سوريا، مثل دول أخرى في المنطقة. كما أن انتماء النظام الحاكم في سورية، منذ مايزيد على ثلاثين عاماً، إلى الفرقة العلوية، القريبة إلى الطائفة الشيعية، جعلالشيعة الإمامية تعيش في ظل العلوية وفي كنفها.
هذا فضلاً عن عامل آخر لا يقلأهمية، وهو أن النظام لا يتسامح إزاء إدماج الدين في السياسة (وتجربة الإخوانالمسلمين في سورية أوضح دليل على ذلك)، ولذا فإن الشيعة كطائفة نأت بنفسها عنالسياسة [3]، وظلت في إطار التدين المحافظ، الذي يرضى عنه النظام.
الفترة ما قبل 1953م
التشيع في بلاد سوريا كان أشبه بالجيوب القليلة الضعيفة المتفرقة التي ليس لهاتأثير في المجال العام، وكانت نسبة الشيعة حتى عام 1953م لا تزيد عن 0.4% من سكانسوريا.
بداية ظهور التشيع
كانت أول مدرسة للتعليم الشيعي في سوريا عرفتفيما بعد بـ"المدرسة المحسنية" [4]، فبدأت تدب الحياة في الطائفة الشيعية، وشارك أحدالشيعة في وزارة في الستينيات.
الفترة مابعد 1970 م
إن الفترة الذهبية للتشيع في سوريا هي الفترة الممتدة بين عامي 1970 ـ 2007، فما قبلها لا يعتبر التشيع ظاهرة، ولم يتعد عدد الذين تشيعوا بضع مئات. فإذا قدر عددهم بما دون الألف، فإن عدد السُّنة الذين تشيعوا في عهد حافظ الأسد (أي في الفترة 1970 ـ 1999) يقدر بـ 6960 كحد أقصى، بما نسبته 43%، وعدد السنَّة الذين تشيعوا في الفترة 1999 ـ 2007 يقدر بـ 8040 كحد أقصى بما نسبته 50%.
وعلى هذا الأساس فإن المعدل السنوي للتشيع في الوسط السني حتى ما قبل عام 1970 كان 20 شخصاً في السنة، وفي عهد حافظ الأسد 1970 ـ 1999 كان المعدل 232 سنياً في السنة، أي أنه تضاعف قرابة 12 مرة عن الفترة التي سبقته، وفي عهد بشار الأسد ضمن الفترة 1999 ـ 2007 فإن معدل الانتشار كان 1005 سنيين سنوياً، أي أن المعدل السنوي تضاعف عن عهد الأسد الأب بما يعادل 4.3 مرة، وتضاعف بـ51 مرة عن معدل ما قبل 1970. [5]
تغير الرؤية الإمامية للطائفة العلوية
ودور حسن الشيرازي [6]
في مطلع السبعينيات لجأت أعداد كبيرة من العراقيين إلى سورياهربا من نظام صدام حسين، وكان من بينهم "حسن مهدي الشيرازي" أحد علماء الشيعة الذيأسس عام 1976 أول حوزة علمية في سوريا عرفت باسم "الحوزة الزينبية" ، وقام الشيرازي بـ"التبشير الشيعي" في أوساط الطائفة العلوية في محاولة لاستعادةهذا الفرع إلى أصله الإمامي الإثني عشري.
حسن الشيرازي كان له دور تاريخي في التشيُّع العلوي
وحسن الشيرازي (1935 ـ 1981) هو عالم شيعي عراقي من أصل إيراني، وتتحدر عائلته من أسرة دينية إيرانية عريقة من منطقة شيراز، وهو الأخ الأصغر للمرجع الشيعي محمد الشيرازي، وقد اعتقل مرات عدة في العراق وانتقل إلى سوريا، وحمل فكرة أخيه في استعادة الفرع الشيعي (العلويين النصيريين) إلى المذهب الأم (الجعفرية الاثني عشرية)، ولعب دوراً رئيسياً في تأسيس تيار للتشيع في أوساط الطائفة العلوية (النصيرية) في سوريا بتوجيه من أخيه. وقد اغتيل في لبنان عام 1981.
ففي عام 1972 زار الشيرازي على رأس وفد من العلماء الشيعة سوريا وذلك لإجلاء الهوية الدينية للعلويين، مساهمة منه في إزاحة الضباب التاريخي الذي يلفُّهم.
والتقى الشيرازي بعدد كبير من شيوخ العلويين , منهم 74 سوريا، و6 لبنانيين , وقرروا إصدار بيان ينسب العلويين للشيعة الجعفرية الاثني عشرية، ويؤكد أن التسمية بالشيعي والعلوي تشير إلى مدلول واحد، وإلى فئة واحدة هي الفئة الجعفرية الإمامية الاثنى عشرية . وقد طبع البيان في طرابلس لبنان بعد ثلاثة أشهر من هذا الاجتماع، في كانون الأول ( ديسمبر) من عام 1972 وقدم له الشيرازي بفتوى تتضمن أيضاً التصريح بأن العلويين شيعة.
و نشط حسن الشيرازي ـ منذ ذلك الحين وحتى تاريخ مقتله سنة 1981 ـ في الجبل العلوي بشكل لم يسبق له مثيل من نشاط رجال الدين الشيعة ، الإيرانيين أو العراقيين، على الأراضي السورية، فإضافة إلى الدروس والمحاضرات التي كان يحرص على إلقائها ولا يدع مناسبة دينية واجتماعية للطائفة إلا ويشارك فيها، فقد قام ـ وبمساعدة بعض شيوخ الطائفة ـ ببناء بعض المساجد والحسينيات في اللاذقية ومنطقة الساحل السوري آنذاك .
تأثير الحرب الأهلية في لبنان
عندما تدخلت سوريافي لبنان مع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 أخذ عشرات الآلاف من العمالالسوريين يعملون في لبنان وتأثر بعضهم بالمذهب الشيعي.
كما أن شيعة لبنان لعبوادورا في مد جسور التواصل بين الرئيس حافظ الأسد [7] وبين الإمام الخمينيقبل الثورة الإسلامية في إيران، حتى إن الأسد عرض استضافة الخميني بعد خروجه منالعراق قبيل الثورة، لكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979 كانت قناعات الرئيس حافظالأسد هو أن تبقى العلاقات مع طهران في إطارها السياسي بعيدا عن أي تأثيراتمذهبية.
الخلاف بين الشيعة في هذه المرحلة
نشرت صحيفة الراي الكويتية - الأحد 22 آذار/ مارس 2009 بعنوان (محنة الشيعة العروبيين مع إيران)زين الشامي (كاتب سوري)
يعتبر الشيعة في سورية أحد مكونات النسيج السوري المتعدد والمعروف بغناه الثقافي والحضاري والديني، ومثلهم مثل بقية الطيف الاجتماعي لم يعرف عن الشيعة التعصب أو التطرف، بل غالباً ما اختاروا الوسطية والاعتدال في التعامل مع شؤون دينهم ودنياهم، لكن ذلك كان مقدراً له أن يتغيّر بعد عام 1979، أي بعد الثورة الإسلامية في إيران.
ورغم أنهم ليسوا بالعدد الكبير، إذ يقدرهم مرجع شيعي سوري بنحو نصف مليون نسمة، فقد عرف عنهم نشاطهم في الشأن الوطني العام وبرز منهم الكثير من الساسة وضباط الجيش ورجال الأعمال والفن والإعلام.
وكما أسلفنا، لم يكن للشيعة السوريين أي علاقة تذكر مع إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية، كانت هناك فقط اتصالات محدودة وضيقة على مستوى علماء ورجال دين، وكانت مرجعية الشيعة في سورية تدير أمورها من دون تدخل من أحد، وكان هناك توحد واتفاق في ما بينهم على التفاصيل كلها، فكانت اعيادهم واحدة، في الفطر والأضحى وغيرها من المناسبات الدينية، رغم أن ذلك تغير اليوم على خلفية علاقة بعضهم بإيران.
منذ عام 1925 وحتى عام 1952 كان السيد محسن الأمين[8] هو المرجع الروحي لجميع الشيعة السوريين، وكان الأمين رجلاً وطنياً بامتياز، فعنده كان يجتمع رجال الثورة السورية و«الكتلة الوطنية»، ومن خلال منزله كانت تتخذ القرارات المصيرية، مثل «الإضراب الكبير» أو «إضراب الـ45 يوماً» الذي جرى في فترة الاحتلال الفرنسي، وكدلالة على وطنية السيد الأمين، مازال أرشيف مجلس الشعب السوري يحتفظ بوثيقة للسيد الأمين يرفض فيها توزيع مقاعد المجلس على أسس طائفية بحيث يخصص للشيعة بعض منها، إذ اعتبر الأمين أن الشيعة لا يختلفون في شيء عن بقية السوريين.
بعد عام 1952 تسلم السيد حسين مكي المرجعية، وبقي حتى وفاته عام 1978 ليخلفه من بعده ابنه السيد علي مكي، ولا يزال إلى اليوم مرجعاً للشيعة السوريين، لكن ثمة متغيراً حصل عام 1985 حين حوصر السيد علي مكي وأُهمل في ركن قصي حيث بدأت السفارة الإيرانية بالتعاون مع جهات داخلية عليا في السلطة السورية تعمل على تلميع رجل آخر ودعمه. لا بل يسجل مرجع شيعي سوري أنه ومنذ ذلك العام بدأ تهميش الشيعة السوريين العروبيين كلهم، والذين لهم مواقف وطنية في مواجهة المد الإيراني، إذ يقول هذا المرجع: «بدؤوا بتلميع عبد الله نظام كزعيم جديد للطائفة، وهو رجل لا تاريخ له، كما دعموا نبيل حلفاوي ومحمد حسين تقي في شمال سورية». وقدر هذا المرجع ثروات هؤلاء وغيرهم بملايين الليرات السورية، واعتبر أن الانقسام في صفوف الشيعة بدأ على أيديهم، وهم يدينون بولائهم كاملاً لإيران.
لكن رغم ذلك بقي قسم كبير في الضفة الأخرى وعلى مسافة من المد الإيراني، هؤلاء يعرفون بالشيعة السوريين العروبيين، وهناك قسم ليس مع هذا ولا ذاك، لكنه بقي بعيداً من إيران، وعرفوا «بالشيعة اليساريين». أما القسم الرابع فهو قسم معتدل ومتأثر بدعوة رجل الدين اللبناني السيد محمد حسين فضل الله.
يعود المرجع الشيعي السوري للحديث عن حقبة تشتيت الشيعة فيقول: «لعب السفير السابق حسن أختري دوراً على هذا الصعيد، وهناك دور للقنصل السابق عبد الصاحب الموسوي، وهو دور مازال مستمراً، إذ بقي هذا الرجل في سورية رغم انتهاء مهامه، وافتتح مركزا ثقافياً في حريتان في حلب شمال سورية، وهناك تجري عملية تشييع ملحوظة، وهذا الرجل الإيراني يمتلك ميزانية صرف ضخمة تقدر من ستة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة سورية شهرياً، وعنده الكثير من الموظفين والأتباع وله معارف وعلاقات نفوذ مع مسؤولين سوريين، وهو يشرف على عمليات التشييع في سورية، لكن غالبية ممن تشيعوا أخيراً هم من الباحثين عن المال والعاطلين عن العمل والذين ليست لهم مبادئ».
أما آخر ما وصلته محاولات التضييق على التيار العروبي من الشيعة فتتمثل في حصول عبد الله نظام على رخصة من الجهات الرسمية تسمح له بهدم أربعة من أجمل بيوت دمشق القديمة ليقيم عليها مسجداً لا يبعد سوى مئة متر عن مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي مدحت باشا العريق، وهو المسجد الأكبر للشيعة في سورية وفيه يقيم المرجع السيد علي مكي.
لم تنته الأمور هنا، فالتيار الإيراني يسعى إلى تشويه السيد محسن الأمين وأتباعه العروبيين كلهم، من خلال الربط بين السيد علي الأمين في لبنان والنائب سعد الحريري، وهما من خصوم سورية وإيران سياسياً في لبنان.
مرحلة ما بعد 1980م ودور جميل الأسد
جميل الأسد كان قد بدأ حركة التشيع في الساحل السوري وخصوصا بين أبناء الطائفة العلوية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
قام حافظ الأسد بإنشاء جمعية المرتضى من خلال أخيه جميل والتي انتشرت فروعها في جميع أنحاء سوريا وقام بإنشاء جمعية المرتضى التي انتشرت فروعها في جميع أنحاء سوريا ، وكان يقوم بإرسال مجموعات من أبناء الطائفة لتعلم المذهب الإمامي والعودة إلى سورية لنشر التشيع بين أبناء الطائفة العلوية في جبال الساحل السوري ففي عام 1980م تم إرسال ما يقربمن (500) شاب علوي للدراسة في حوزة "قم"، كما قام ببناء حسينيات في هذه الجبال التي لم يكن يوجد فيها إلا المزارات الخاصة بهم، ولم يجد التشيع ترحيباً بينهم لذلك قام بتعيين شيخ شيعي على جامع الزهراء التابع للطائفة العلوية في مدينة بانياس الساحلية
دور محمد حسين فضل الله
طلب حافظ الأسد من آية الله محمد حسين فضل الله بالعمل على الساحة السورية. وبالفعل دبت حركة من النشاط الملحوظ على الساحة بعد أن افتتح مكتباُ له في منطقة السيدة زينب بدمشق العاصمة وقد كانت له في مكتبه العديد من اللقاءات وحتى مع القوى السياسية السورية ومن ضمنها بعض الأحزاب الكردية ، لكن بعد تسلم بشار الأسد تراجع دور فضل الله قليلا وبدأت السفارة الإيرانية بالعمل النشط ومن خلال ملحقها الثقافي بحلب
دور الشيعة القادمين من العراق
توافد بعض كبار علماء الشيعة على سوريالإلقاء بعض الدروس والمحاضرات، وتم بث حلقات تلفزيونية أسبوعية لأحد علماء الشيعةالعراقيين وهو "عبد الحميد المهاجر" في التلفزيون الرسمي السوري عام 1992، كما تمافتتاح العديد من الحسينيات والمكتبات الشيعية في دمشق.
مرحلة ما بعد 1999م
تحول التشيع الديني في عهد الأسد الأب إلى تشيع سياسي في عهد الأسد الابن، ودعم التشيع السياسي أمنياً وسياسياً، ما أدى إلى انتشار غير مسبوق للحوزات التعليمية والمؤسسات الدينية، فخلال ست سنوات فقط تم إنشاء ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن من الحوزات العلمية في سوريا
فبعد وفاة الأسد الأب و استلام الأسد الابن الحكم في سوريا بدأت الأمور تشهد تغيرات كبيرة باتجاه طهران، لاسيّما بعد سقوط بغداد، فانتهت مرحلة إدارة شؤون طهران في اللاذقية من الوكلاء في حركة المرتضى إلى الإيرانيين أنفسهم. و لقد ابتدأت هذه المرحلة ببناء الحوزة العلمية (الرسول الأعظم) في حي الأزهري بمدينة اللاذقية على أرض ملك للوقف السني بمساحة تزيد على /4000م2/ و أرسلوا مندوباً للخامنئي عراقي الجنسية هو السيد أيمن زيتون ليديرها، و بنوا مركزاً ثقافياً في حي الزراعة على الطريق الموصلة إلى جامعة تشرين، ليصطادوا الشباب، تزيد مساحته على /2000م2/ على أرض ملك لمجلس مدينة اللاذقية يتجاوز عدد موظفيه 300 موظف من شيعة العراق و لبنان، مهمتهم الاتصال المباشر بالناس و تقديم الإغراءات لهم من أجل تبديل دينهم. و يضاف إلى هذا و ذاك الزيارات المنظمة للمسئولين الإيرانيين الدورية لمحافظة اللاذقية ابتداءً من وزير الإسكان الإيراني، و الذي أشرف بنفسه على توزيع 300 شقة سكنية على المتشيعين الجدد في اللاذقية، من قبل جمعية محمد الباقر و التي أسسوها في السنوات الخمس الأخيرة و ليس انتهاءً بالسيد رفسنجاني رئيس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، و الذي زار المرفأ الذي يعدّ عصب الحياة في اللاذقية، و كذلك زار مزارع الدولة و التي تمد أسواق اللاذقية بأكثر من 50% من خضرواتها و فواكهها، و عقد الاتفاقات مع بعض أبناء المدينة بنفسه
أثر حزب الله اللبناني
قدمت سورية خلال هيمنتها على لبنان، الرعاية للحزب، ووفرت له الدعمالسياسي والعسكري والأمني. وفي المقابل، فإن الحزب شكَّل حليفاً رئيسياً لها،وبالتالي كان لابد من أن ينعكس هذا على وضع الشيعة فيسورية نفسها. كما أنالصورة الشعبية للحزب، الناتجة عن دوره في "مقاومة" إسرائيل، أوجدت في الشارعالسوري تعاطفاً مع الشيعة بشكل عام. وقد أشارت تقارير صحفية خلال الحرب اللبنانية - الإسرائيلية في الصيف الماضي (حرب الثلاثة والثلاثين يوماً)، إلى تحول عدد من طائفةالسنة إلى المذهب الشيعي في سورية، نتيجة للتأثر، بما يسمى "إنجازات" حزب الله،و"انتصاره" في الحرب، والإعجاب بشخصية حسن نصر الله، زعيم حزب الله.إلا أن مثلهذا التشيع لحظي، وهو أقرب إلى الانفعال العاطفي، أكثر منه تحولاً مذهبياً مستنداًإلى اقتناع حقيقي وراسخ .
احصائيات عن نسبة الشيعة في سوريا
- أشار تقرير "الحرية الدينية فيالعالم" لعام 2006، الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن غير السنة من (العلويينوالإسماعيليين والشيعة [9]) يشكلون ما نسبته 13 في المائة من عدد سكان سورية، أي قرابة 2.2 مليون من إجمالي عدد السكان، الذي يبلغ 18 مليون نسمة.
- أما التقرير الصادرعن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام 2005، بعنوان "الملل والنحلوالأعراق"، فيشير إلى أن الشيعة يمثلون (1) في المائة من عدد السكان، في حين يشكلالعلويون من 8 إلى 9 في المائة.
- بينما تشير المصادر الشيعية على شبكة الإنترنت إلىأن شيعة سورية يمثلون نحو 2 في المائة من إجمالي السكان.
- كما أن مصادر المعارضةالسورية في الخارج تؤكد أن العلويين لا تتجاوز نسبتهم ال 6 في المائة
- بالإضافةإلى الشيعة المواطنين العرب، تعيش على الأراضي السورية جالية إيرانية (شيعية) تتركزفي دمشق. كما يوجد عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين أخذوا بالتوافد إلى البلدمنذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، هرباً من بطش النظام العراقي السابق. وقد زاد عدد هؤلاء بعد غزو العراق عام 2003، نتيجة لانعدام الاستقرار والأمنوالتناحر الطائفي في بلدهم.
- وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 1.2 مليون لاجئعراقي (من جميع الطوائف والإثنيات) في الأراضي السورية. بينما تشير تقديرات مفوضيةالأمم المتحدة للاجئين أن عدد العراقيين يبلغ حوالي 800 ألف عراقي.
- ويتركز الشيعةالعراقيون في منطقة السيدة زينب، التي تقع جنوبي العاصمة السورية دمشق.
ويقطنشيعة سورية بعض أحياء العاصمة دمشق، وبعض قرى وبلدات حمص وحلب.
كما سنبين فيما بعد
مراجعهم الرئيسية
والشيعة في سورية لا يتبعون مرجع تقليد واحداً، فهم يتوزعون بين تقليدآية الله العظمى علي السيستاني في النجف، وآية الله العظمى علي خامنئي المرشدالأعلى في إيران، والمرجع السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.
ولذلك تتوزع التوجهات الفكرية للشيعة في سورية على التيارات التالية:
1- تيار ولاية الفقيه وتبني مرجعية علي خامنئي: وهو التيارالذي يحظى بالدعم والتمويل الإيراني.
2- تيار ولاية الفقيه مع تبني مرجعيات شيعية تقيم في العراق مثل الخوئي والسيستاني (الأول أرمني إيراني والثاني فارسي إيراني): وهو الغالب في أوساط الشيعةالسوريين.
3- تيار تحديث وتجديد الفكرالشيعي: ويتمثل في أتباع إياد الركابي ومحمد حسين فضل الله وعلي شريعتي [10] وأحمدالكاتب: ووجوده محدود وقليل.
الواقعالاجتماعيللشيعة
بصورةعامة، لا يوجد تمييز مجتمعي ضد الشيعة، فهم مندمجون فيالمجتمع، وبينهم وبين الطوائف المسلمةالأخرى مصاهرة وتزاوج. ومعظم الشيعةفيسورية هم من أصول عربية،ومن العائلات الشيعية المعروفة نظام ومرتضى وبيضونوالروماني.
الواقع السياسي
فيما يتعلق في الواقع السياسي،فالحكم في سورية قائم على نظامالحزب الواحد، لذا يحظر القانون إقامةالأحزاب السياسية التي لا تنتمي إلى اللونالأيديولوجي نفسه لحزبالدولة.
ونظراً إلى أن النظام يشدد على الفصل بين الدينوالسياسة، فإن الشيعة ليس لهم تشكيلاتسياسية خاصة بهم
وهناك أفراد من عائلات شيعيةتقلدوا مناصب عليا في الدولة، مثل وزيرالإعلام السابق مهدي دخل الله [11]. كما أنصائب نحاس، رجل الأعمال السوري البارز، هو منعائلة شيعية.
دور المستشارية الثقافية الإيرانية
- المستشاريةالثقافية الإيرانية في دمشق دورها لا ينحصر فقط في النشاطات الثقافية المتعارفعليها، بل إنها ترعى عملية التشيع في سورية، ولاسيما أن المستشاريات الثقافيةالإيرانية تتبع في الحقيقة سلطة مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في طهران،مع أنها ملحقة اسمياً بالسفارات الإيرانية. فالدكتور وهبة الزحيلي، الفقيه والمفكرالإسلامي المعروف، أشار إلى أن المستشارية تستخدم "الإغراءات المادية، من مال وبيوتوسيارات، من أجل جلب الناس إلى اعتناق التشيع"، وأن "مئات من السوريين في دير الزوروالرقة ودرعا [12] وغوطة دمشق، قد استجابوا فعلاً لإغراءات المستشارية الإيرانيةوتشيعوا"،بحسب تقرير صحفي نشر بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2006 ، على موقع "أخبار الشرق"، التابع لمركز الشرق العربي بلندن.
والاحتفالات واللقاءات التيتنظمها المستشارية في دمشق، بالمناسبات الوطنية (مثل الاحتفال السنوي بانتصارالثورة الإسلامية في إيران)، والدينية (مثل الاحتفال بذكرى استشهاد الحسينبعاشوراء)، يحضرها مسؤولون سوريون و إيرانيون على مستوى عالٍ.
كما أن نائب الرئيس السوري "المنشق"، عبد الحليم خدام، فيتصريحات صحفية، وعبر البيانات الصادرة عن جبهة الخلاص الوطني (المعارضة للنظامالسوري)، انتقد السفير الإيراني في دمشق، واتهمه بممارسة نشاطات تشييع فيسورية. وقال خدام في مقابلة مع"يونايتد برس إنترناشيونال" إن السفير الإيراني "يستغل حالة الفقر الموجودة في البلاد، ويأتي إلى منطقة ويقول إن الصحابي فلان ابنفلان مر بها، ويجب أن نبني فيها مقاماً، فيبني مقاماً وحوزة، ويوزع أموالاً على بعضالفقراء. وهو عمل يريد من ورائه بناء حزب إيراني في سورية، عبر ما يمكن أن تسمىعملية التشييع." بل إن "هاجس التشيع" أثاره مثقفون سوريون مع نائب وزير الخارجيةالإيراني، منوشهر محمدي، خلال جلسات حوارية جرت في دمشق.
ويذكر المراقبون أنالعلاقات الوثيقة التي تربط سورية بإيران، والتحالف الاستراتيجي بين البلدين منذالعام 1980، أتاح لإيران أن تنشط في الساحة السورية.
أثر التحالف الإيراني السوريعلى التشيع في سوريا
في منتصف يونيو 2006 تم توقيع معاهدة دفاع مشترك بين طهران ودمشق، إثرزيارة وفد عسكري سوري رفيع وكبير، يتقدمه وزير الدفاع حسن توركماني، بعد زياراتونشاطات ومعاهدات مكثفة على خط دمشق - طهران في شكل لا سابق له منذ قيام التحالفالاستراتيجي بين البلدين في الثمانينات من القرن الماضي عندما اختار الرئيس حافظالأسد الانحياز إلى إيران في حربها مع عراق عدوه اللدود صدام حسين.
وقد تم قراءة هذه المعاهدة من زاويتين مختلفتين: ففي حين ركز البعضعلى دورها في تفعيل وتوثيق التعاون الاستراتيجي والعسكري في محور طهران - دمشقوالجبهة المشتركة التي قرر الحليف إقامتها لمواجهة مخططات العزل والحصار الأمريكيةوالدولية. في حين قرأها البعض الآخر من زاوية ما بات يعتبر هيمنة إيرانية شبه كاملةعلى سورية وتحول الدعم الإيراني المتعدد الأوجه لدمشق إلى نوع من الوصاية والنفوذاللذان يجعلان نظام الرئيس بشار الأسد رهينة في يد نظام الآيات وسورية دولة تابعةلإيران!
ويصل أحد التقارير الغربية في قراءته لحجم الاختراق الإيرانيالأخطبوطي لسورية إلى تشبيهه بالاختراق السوري للبنان خلال مرحلة الهيمنة السوريةعليه. أي أن النظام السوري بات يشرب من نفس الكأس الذي كان يشرب منه النظاماللبناني.
ويشير التقرير إلى أن الوضع الصعب الذي تعيشه سورية منذ خروجها منلبنان لم يَقُد فقط إلى نجاح إيران في ملء الفراغ السوري في لبنان بل نجحت في ملء "الفراغ" الذي واجهه النظام السوري بفعل الضغوط والتهديدات الدولية والانقساماتالداخلية. وقد وصف التقرير العلاقات الوثيقة بين البلدين بأنها أشبه بمعاهدة الأخوةوالتعاون والتنسيق التي أرغم لبنان على توقيعها مع سورية تكريسا لحالة الهيمنةوالوصاية وذلك عبر "اللجنة العليا المشتركة" وأشار إلى مسلسل الزيارات التي لاتنقطع بين البلدين منذ أشهر ولا تشمل فقط كبار المسئولين السياسيين بل الوزراءوالخبراء ورجال الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- أكثر الشيعة في سوريا وفدوا إليها من لبنان بحثا عن عمل يقتاتون منه ، أما الذين هم من أصول سورية فتكاد نسبتهم لا تتجاوز واحد من ألف.
[2] - يكرر المؤلف اسم "العلويون" ، وهذا غير صحيح فاسمهم "النصيريون" ، ونتحدى من يذكر دليلا على اسم العلويين قبل الاستعمار الفرنسي.
[3] - هذا غير صحيح فشعارات إيران وذراعها حزب الله سياسية بامتياز.
[4] - نسبة إلى عالمهم محسن الأمين وهو وفد إلى سوريا من جبل عامل في لبنان.
[5] - لا ندري مصداقة هذه الأرقام.
[6] - الذي كان له دور خطير في صنع التحالف النصيري الشيعي هو موسى الصدر وليس الشيرازي وسيكون لموقع "طوبى للشام" بحث مهم في هذا الشأن.
[7] - هذا التعاون والتنسيق كان بين الأسد الأب وشاه إيران، ومهندس هذا التنسيق هو موسى الصدر ثم قوي وتضاعف أيام نظام خميني
[8] - ما ذكره الباحث عن اعتدال الشيعة في سورية هذا جهل منه ، وتضخيمه لدور محسن الأمين ينقصه المعرفة الأكيدة لهذا الرجل ونقض علمائنا لأكاذيبه.
[9] - لم يذكر الدروز وهم من غير أهل السنة.
[10] - علي شريعتي وأحمد الكاتب ليس لهما شأن في مرجعيات الشيعة.
[11] - ليس شيعيا ، وكان قد درس في الثانوية الشرعية ، ثم انتسب إلى حزب البعث.
[12] - الأمر مبالغ فيه في كل من حوران وغوطة دمشق.