هو محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي، ولد سنة 363هـ/973م بإحدى ضواحي خوارزم في فارس (أوزبكستان حالياً). لا يعرف تاريخ وفاته على وجه التحديد، لكن الراجح أنه توفي عام 439هـ/1048م.
كان البيروني عالماً في الرياضيات، والطبيعيات، والفلك، والطب، والفلسفة، والتصوف، والأديان ؛ ومؤرخاً ولغوياً وأديباً. وعلى الرغم من اطلاعه الواسع على مختلف مجالات المعرفة في عصره، فإن اهتمامه كان مركزاً أكثر على الرياضيات والفلك. ويعدّه أعلام المستشرقين من العباقرة المسلمين العالميين الواسعي الاطلاع. ويعترف المؤرخ جورج سارطون بمكانته العلمية فيقول : >كان البيروني رحالة وفيلسوفاً، ورياضياً، وفلكياً، وجغرافياً، وعالماً موسوعياً، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم في كل زمن<. وإذا كانت المصادر لا تذكر شيئاً عن أسرة البيروني أو عن صباه وما تعلمه في أول حياته، فهي تذكر أنه درس على ثلاثة أساتذة وهم : أبو نصر بن عراق، وأبو سهل بن يحيى المسيحي، وأبو الحسن بن علي الجبلي، وأنه عاصر الطبيب المشهور ابن سينا، وكانت بينهما مراسلات في مواضيع مختلفة، وأنه كان يتقن عدة لغات منها اليونانية، والسنسكريتية والفارسية، والعبرية، إضافةً إلى العربية. ولما بلغ البيروني الخامسة والعشرين من عمره، رحل إلى جرجان حيث التحق ببلاط السلطان أبي الحسن قابوس بن وشمكير، ثم عاد إلى وطنه خوارزم بعد عدة سنوات، ودخل في خدمة أبي العباس المأمون بن المأمون آخر أمراء دولة المأمونيين، وبعد أن استولى السلطان محمود الغزنوي على خوارزم، ضمَّ البيروني إلى حاشيته ثم اصطحبه معه في رحلاته المتعددة إلى الهند. ويقال إن البيروني بقي في الهند مدة طويلة درس فيها ثقافتها وعلومها، ومعارفها، وأصبح بذلك أكثر العلماء المسلمين اطلاعاً على تاريخ الهند ومعارفها. كما نقل إلى الهنود العلوم اليونانية والعربية. إسهاماته العلمية يعترف للبيروني بإسهام في مختلف العلوم، فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وبحث في الوزن النوعي، وقدر بدقة كثافة 18 نوعاً من الأحجار الكريمة والمعادن، وتوصل إلى أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت، كما شرح كيفية عمل الينابيع الطبيعية والآبار الارتوازية بناء على مبدأ هيدروستاتيكي. كما قدم وصفاً للمخلوقات الغريبة، منها ما يعرف باسم التوائم "السيامية". وكان البيروني ألمع علماء زمانه في الرياضيات كما يعترف بذلك"سمث" في الجزء الأول من كتابه "تاريخ الرياضيات". وبجانب ذلك اشتغل بالفلك، وبحث في هيئة العالم وأحكام النجوم، ووضع طريقة لاستخراج مقدار محيط الأرض تعرف عند العلماء الغربيين باسم " قاعدة البيروني" ؛ ووصف ظواهر الشفق وكسوف الشمس وغير ذلك من الظواهر الطبيعية بجانب إشارته لدوران الأرض حول محورها.كما كان ملمًا بعلم المثلثات، وهو من الذين بحثوا في التقسيم الثلاثي للزاوية. كان البيروني متصفاً بالروح العلمية، والإخلاص للحقيقة، إضافةً إلى دقة البحث والملاحظة. مؤلفاته ترك البيروني مؤلفات عديدة، تزيد عن مائة وخمسين كتاباً، وقد ذكر أغلبها في رسالته المعروفة بالفهرس، وتتناول مواضيع متنوعة منها الجغرافيا، والرياضيات، والفلك. ومن أشهر مؤلفاته : ــ "كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية"، ناقش فيه البيروني دوران الأرض حول نفسها، وتسطيح الكرة ؛ وهو بذلك واضع أصول الرسم على سطح الكرة. ترجم "إدوارد ساخاو Sachau" هذا الكتاب إلى الإنجليزية، وطبع في لندن عام 1789. كما ترجم إلى الألمانية والإنجليزية في القرن التاسع عشر. ــ "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم"، ألفه البيروني (421هـ/1030م) بطلب من "مسعود بن محمد الغزنوي". وهو كتاب ضخم يشتمل على 143 باباً تناول فيه مختلف موضوعات الفلك والرياضيات. و طبع الكتاب في حيدرآباد بالهند. ــ "تاريخ الهند"، ضمنه البيروني خلاصة دراساته في الهند. ترجمه "ساخاو" أيضاً إلى الإنجليزية، وطبع في لندن سنة 1887م. وتناول فيه البيروني لغة أهل الهند وعاداتهم وعلومهم. ــ "كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم"، يبحث هذا الكتاب الحساب، والهندسة، والجبر، والعدد، والفلك. وقد كتبه البيروني على شكل سؤال وجواب، ووضحه بالأشكال والرسوم. إضافةً إلى هذه الكتب الكبيرة، ترك البيروني عدة رسائل في الهندسة، والحساب، والفلك، والآلات العلمية، والطب، والصيدلة. كما كانت له مراسلات مع ابن سينا. وإضافةً إلى ذلك، فقد ترجم عدداً من الكتب من اللغة السنسكريتية إلى العربية. وقد ترجمت معظم كتبه إلى اللغات الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، ونشرت في القرنين التاسع عشر والعشرين.