بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين والتحية الطيبة الصادقة لكم ولمن بلغه كلامي هذا ، كما و أُبارك لكم روح هذه الإيام ومعناها وروح هذه الليالي ومعناها التي أختصكم بها الله ، لتكونوا قريبين منه في ساحة عدله وتوحيده مع العباد العاملين المخلصين .
أيها الحجاج الكرام : أخاطبكم في هذه اللحظة التاريخية المباركة من حياتكم ، وأُخاطب فيكم روح التوحيد والإخلاص داعياً الله أن يمن على الجميع بالخير والسلام والأمن .
أيها الأعزاء : أعلموا : - إن هذه أمتكم أمة واحدة – وعليكم مسؤولية شرعية وأخلاقية كي تعيدوا لهذه الأمة وحدتها وقوتها وعزتها وكرامتها ، فالوحدة الإسلامية هدف كل الأنبياء والرسل الكرام وهي هدفنا وهدف الدعاة المخلصين ، ولكي نجعل منها حقيقة وقيمة راسخة علينا واجب شرعي بأن نبتعد عن اللغو والجدل الفاسد ، والتمسك بخير الأعمال ومجاهدة النفس من أجل عزتنا وكرامتنا وسمو أهدافنا ، إن تحقيق القيم السامية وبلوغ الشرف الرفيع غاية كل المريدين وأصحاب الأهداف العالية ، إن غاية الأمر وهدفه التام هو بناء دولة الإنسان في العدل والحرية والسلام دولة القانون والنظام ، وإن الحج لمناسبة عظيمة تُتيح لكم النظر والتأمل والعمل ونكران الذات ، كما وإنه لفرصة كبيرة في نيل الإستقامة في العمل الصالح وحب الخير للجميع والشعور بالوحدة الإنسانية والدين الواحد .
أيها الحجاج الكرام : إن شعوبكم وأوطانكم تعاني الفقر والحرمان والكبت والأستبداد والظلم ، وهي تمر اليوم بمرحلة تاريخية غاية في التعقيد والقلق والخوف على مصيرها ومستقبلها ومستقبل أجيالها ، ، وإن الحراك العربي الإسلامي لم يحقق بعد أهدافه ولم يصل إلى شاطئ الأمان ، ولم تحقق الشعوب العربية والإسلامية بعد ماكانت تصبو إليه وتتمناه ، بل لا زالت بعض شعوبنا العزيزة تعاني سطوة حكامها وجلاديها قتلاً وتدميراً وإغتصاباً ، ولهذا فالواجب يقتضي أن ترفعوا صوتكم في موسم الحج لتعرية هذا الظلم والقائمين عليه ، والإبلاغ عن كل المخالفات والتجاوزات التي يسببها أولئك المجرمون مصاصي الدماء من الحكام الفاسدين وأعوانهم .
إن العالم كل العالم ينظر إليكم ويراقب ما أنتم فاعلون ، وهو يعلم مدى الضرر الذي لحق بشعوبكم وأوطانكم حين حكم فيكم وساد أهل السوابق والجريمة ، إن واجباً عليكم نصر أخوانكم في البلدان التي تتعرض للإبادة والقتل والتدمير وتذكير العالم بما يجري لكي يكونوا معكم شاهدين وشهود ، وأعلموا إن الله قد جعل الله البيت الحرام قياماً للناس ، وبراءة من الظلم والفساد والجريمة ، فالمتربصين بحقوقكم كُثر الذين يحاولون بعثرت النوايا والأهداف و إثارة الفتن و التقاتل الطائفي بين مكونات الشعب الواحد .
يا حجاج بيت الله الحرام : إن شعبنا في العراق قد ناله من هذا الخُبث الشيء الكثير من خلال تسلل عصابات التطرف والإرهاب ، مستغلة طيبة أهله وحسن الظن بمن تسربلوا لباس الدين ومظاهر الإيمان ، ولقد كنا وكنتم شهوداً على ما فعلته تلك العصابات من القتل العمد وإغتصاب الحرائر وتدنيس الشرف العربي والإسلامي وبيع الوطن للأغيار .
إن شعبنا الحر الأبي رفض كل تلكم الفتن متمسكاً بخياره الأبدي وفي الوحدة الوطنية والدينية ، من أجل هذا قدم الكثير والكثير جداً من التضحيات الجسام ، ولايزال شعبنا مصراً في طريق العدل والحرية حتى تتحقق أهدافه وبلوغ غايته في بناء دولته الحرة المستقلة .
إن واجباً عليكم أيها الحجاج الكرام تعريف أخوانكم في الحج أهمية وحدتنا الوطنية ودورها في ترسيخ القيم ، كما إنه واجب عليكم تعرية أعداء الوطن والإنسان والتعريف بما فعلته فرق الإرهاب وجماعات الشر من الذين لا يؤمنون بالعيش المشترك وبحقوق الإنسان من السراق والقتله وذوي النوايا السود .
أيها الحجاج الكرام : - إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم – وإن نصر الله الموعود لن يتحقق طالما أرتضينا أو قبلنا أو سكتنا عن حقوق المظلومين أو بقينا متفرجين بما يفعله الظالمون ، إن على الجميع مسؤولية شرعية في جعل الحج مدرسة لرفض كل ما هو ظالم وفاسد ، كما إنه الساحة التي تتجلى فيها روح الوحدة والتجرد عن كل المظاهر والسرابيل والآنا الزائف ، وإن على الجميع رص الصفوف ومحاربة الفتن ومثيريها من الطائفيين والعصبويين ، إن تحقيق أهداف الحج ليس في مناسكه وحسب بل في هذا التبدل التاريخي والقيمي والتسابق الخيّر في البناء والعمل وتحرير الإنسان من الجهل والتخلف وتعزيز قيم الحياة الحرة الكريمة في العدل والحرية والسلام .
تقبل الله أعمالكم في أيام الحج الأكبر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آية الله الشيخ الركابي
الثامن من ذي الحجة لسنة 1432
هجرية