ثمة ما يدفعني للكلام في هذا الباب ، أو قل إن هناك ثمة حاجة تدعونا لنمارس النقد بصورة موضوعية وإيجابية وشفافه في كل مجالات الحياة والعمل والسلوك والإعتقاد ، وربما تكون مهلة - المئة يوم - لتقييم عمل الحكومة والوزراء هو الدافع لعملية النقد هذه التي أخترناها عنواناً لمقالنا ، خاصةً وإن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الحين
بل إن الشركاء في العمل السياسي يعملون كما أرى وأسمع بالسر والعلن لكي تذهب هذه المدة دون تحقيق أهدافها أو ماهو مطلوب منها ، وكأن المطلوب في أذهانهم هو صراخ في الإعلام و أمام الشعب وقولهم - بان الحكومة قد خسرت الرهان - ولم تستطع تنفيذ ما وعدت به أو أدعت في مجال تحسين الوضع الأمني والخدمي والوظيفي .
نعم نحن كمراقبين كنا نسمع ونشاهد حملات التضليل و التشويه والتسقيط حتى من قبل ان تنقضي هذه المدة ، بل وسمعنا من يراهن ويتحدى ومن يدس السم في العسل خوفاً على أحلام المواطنيين وأمانيهم من الهدر للوقت والجهد ، مع إن حاجات المواطن العراقي هي حق على الجميع أعني على الشركاء في العمل السياسي ، فلا أحد مسؤول وغيره سائل ولا احد كبش فداء وغيره القاضي فالكل في المسوؤلية سواء ، والكل في التقصير سواء كما إن الحكومة هي ليست رئيس الوزراء وحده ، بل هي هذه المجموعة التي تلم كل هذا الطيف من قوميات العراق وطوائفه ، وهؤلاء جميعاً يجب ان يكونوا شركاء في النجاح وفي الخسارة ، إذن هي ليست مسؤولية فرد واحد أو فئة واحدة حتى يُقال إنها السبب أو إنها المسؤول ، فالجميع رضوا بان يكونوا شركاء في الحكم لا معارضين ، ومن يُرد ذلك يتحمل ولا يُحمل غيره هذا إن كان هناك شعور بالمسؤولية الوطنية ، فالمسؤولية هنا لأنها لا تتجزء بكما إن التقصير لا يتجزء طالما أرتضى الجميع الشراكة والعمل معاً .
ثم إن من يريد ان يعمل لصالح شعبه وجماعته فلينتخب للحكومة أعضاء منه ومن جماعته أناس مخلصين شرفاء يعملون بصدق وحُسن نيه وليس تبعاً لمزاج المجموعة التي ينتمون إليها حتى إذا غضبت غضب و إن أرادت أراد !!! ، نعم هناك فشل في الجانب الأمني والخدمي ويزداد هذا الفشل في المناطق التي فقدت سلطان الحكم أيام حاكمية الفرد الواحد والحزب الواحد ، يظهر هذا في أطراف بغداد والرمادي وتكريت ، التي يكثر فيها الإرهاب والتطرف والكراهية لكل ماهو جديد ومفيد ، لهذا أقول : أين هم شركاء العمل السياسي في هذه المناطق ؟ وكيف لهم بان يسمحوا بكل هذا التجاوز والتعدي ؟ في مناطقهم ، أليس في العراق اليوم حكومات محلية هي المسؤولة ؟ أليس هذا من أول واجباتها ؟ وأنا على يقين بإن الحكومة الإتحادية لم تقصر حينما يطلب منها .
هذا التخريب في جسد الوطن العراقي من المستفيد منه ولماذا ؟ طبعاً الكل سيتنصل ويرمي صاحبه مع إن الجميع خطاءون ، والحكومة هي الأخرى ليست معصومة من الخطأ ، ولكن من لم - يرتكب خطأً فليرمها بحجر - ، قلت نعم قلت الحرص على العراق وشعبه لا يأتي بالتدليس وبالشعارات إنما بالعمل وفق الدستور ومع الحكومة وبهدوء ومن غير صراخ وعويل ، ومشكلات العراق في أغلبها خدمية وليست سياسية ، وكلنا يدري مدى عمق معانات الشعب في حاجاته اليومية من المأكل والمشرب والكهرباء والماء وكل شيء ، والعراق الذي كان يُقال عنه بلد السواد كناية في كثرة المزارع والبساتين ، صار اليوم يباباً مقفراً فالزراعة فيه قد تعطلت ، و بدأنا نعتمد على مايدره علينا الجيران من مواد غذائية وخضروات ، وأما الصناعة لا شيء نذكره مفيد ، لكننا جميعاً أو هكذا تعودنا الإنغمار والهوس في السياسة وبالكلام فيها ، نجد هذا في الشارع وفي القهوة وفي المضيف وفي غرف النوم ، هذه العادة السيئة عطلت عقولنا وأجسادنا على الشعور بالحياة .
مشكلات العراق ليست سياسية مشكلات العراق خدمية وإجتماعية ووظيفية ، مشكلاته لا تحل بالهوس السياسي كما يفعل الشركاء تضييعاً للوقت ومغالبة مع الحكومة ، بل هي مشكلات تمس كيان العراق في بناه وفي شخصيته الوطنية والإنسانية ، ومن هنا نقول : لماذا لم يتهافت الساسة على دفع أعوانهم للعمل بدل الصراخ والعويل ؟ لماذا يشعرون الناس بخيبة الأمل مع إنه ولا زال أن يكون في الإمكان أفضل مما كان ؟
النقد الذاتي : هو واجب علينا جميعاً بأن نقف وقفة شجاعة نحدد مالنا وما علينا ، ونعترف بإخفاقاتنا ونجاحاتنا من وحي ما قدمناه بالفعل وليس ما نتصور أو نعتقد أو ننظر ، وهذه مسؤوليتنا جميعاً فلا نحمل الحكومة ورئيسها كل أخطاءنا ، نعم هي تتحمل مثلنا ولكن يجب ان نخرج من هذه الدوامة التي أستحلاها البعض ، نعم إن فاقد الشيء لا يعطي غير هذا التسويف والتخريب وزيادة المعانات ، نعم هناك حفنة منتفعة وباقي الشعب يطحن بالموت والخوف والجوع والألم ، وهؤلاء يتفرجون وينظرون ويزاودون على الزلات ، النقد الذاتي : الذي نقصده هو بالعمل الصالح البعيد عن المرآءآت والبعيد عن البحث عن المكاسب الشخصية ، نعم هو الكشف الصريح والصادق والتعلم بان النزاهة والشرف تبدء من الفرد نفسه فلا نرمي أحد ولا نقولن لأحد لست على شيء ، ولا نكونن مثل تلك التي رمت بدائها وأنسلت ، في الوطن الكل شركاء والكل مسؤولون وحين يكون الحساب فعلى الجميع ان يثبت براءة ذمته قبل ان يتصيد العثرات لغيره ...