السومرية نيوز/ بغداد
يبدو أن أحداث تونس ومصر، وما تلتها من احتجاجات شعبية في عدد من المحافظات والعاصمة بغداد، ألقت بظلالها على المشهد السياسي العراقي،
فالقرارات المفاجئة التي بدأت الجهات الحكومية من اجل تحسين اوضاع العراقيين التي بدأت بتصريحات رئيس الوزراء نوري المالكي بتخفيض راتبه مرورا باقتراحه منح 15 الفدينار شهريا لكل فرد كتعويض عن نقص البطاقة التموينة وانتهاء بقراره عدم الترشح لولاية ثالثة،
اعتبرها مثقفون متعلقة بالتحولات الحاصلة في الساحة العربية، وبينما رأى بعضهم أن المالكي لم يكن موفقا في مواقفه هذه، رحب آخرون بهذه القرارات على أن توثق دستوريا خاصة وأن مسألة تخفيض الراتب لاقت استجابة من رئيس الجمهورية ايضا.
وكرد على التظاهرات التي شدها عدد من المدن العراقية على مدى الاسبوع الماضي اعلن رئيس الحكومة نوري المالكي في تصريحات صحافية قيل إنها اتت لامتصاص الغضب الشعبي عدم نيته بالترشيح لولاية ثالثة، وخفض راتبه إلى 50 %، ثم أعلن خلال مؤتمر صحافي عقده مع المحافظين بمقر محافظة بغداد أن مجلس الوزراء قرر منح كل فرد عراقي مبلغ 15 ألف دينار شهريا لتعويضهم عن النقص الحاصل في البطاقة التموينية.
الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية مؤشر على أن هيبتها سقطت
ويرى الكاتب والمحلل السياسي هادي جلو مرعي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "رئيس الوزراء نوري المالكي لم يكن موفقا، في جملة من الإجراءات التي اتخذها خلال اليومين الماضيين ومن ضمنها تخفيض راتبه إلى 50 %، وتأكيده على عدم ترشيحه لولاية ثالثة".
ويعتبر مرعي وهو أمين عام مرصد الحريات الصحفية أن "هذه الإجراءات ترتبط بتحولات معينة في الساحة العربية، كما حصل في تونس ومصر"، مبينا أن "المالكي بذلك أعطى إشارة إلى أنه تأثر بالفعل بهذه التطورات، وأن الحكومة العراقية تعيش في حالة صعبة ومهزوزة".
ويضيف مرعي "كان على المالكي أن يتجاهل الأمر ولا يصر على هذه التصريحات أو يتخذ هذه الإجراءات في هذه المرحلة على الأقل"، معتبرا أن "جملة الإجراءات التي اتخذت في بلدان مثل سوريا والأردن واليمن وموريتانيا والكويت بعثت برسائل تفيد أن هيبة الدولة قد سقطت في مواجهة الشعوب المكبوتة، التي غيبت عن التمثيل السياسي، والمشاركة في صنع القرار".
ويعرب أمين المرصد عن أمله بأن "يتبع رئيس الوزراء العراقي أسلوب الصمت في هذه المرحلة، مثل ما صمت بشكل مباشر عن أحداث مصر ولم يدل برأي مساند للثورة الشعبية في مصر أو للنظام، كما فعلت بعض الأنظمة العربية"، مشيرا إلى أن "المالكي توجه إلى موضوعات أخرى توحي كأنه متأثر بما جرى في مصر وتونس".
ويعتبر مرعي أن إجراءات المالكي "ستضعف من حضوره ولا تنفعه بهذه المرحلة"، مؤكدا أن "تأثر الشعب العراقي، خلال الأيام الماضية، كان واضحا لما جرى في تونس والانتفاضة الشعبية في مصر، وما تلتها من احتجاجات في الجزائر والأردن".
ويوضح أن "من الملائم أن تكون هناك إجراءات عملية وواقعية وتوفير خدمات حقيقية بعيدا عن التصريحات والإجراءات الشكلية التي تستهدف الإعلام والتأثير العاطفي لدى المواطن، مثل الاستعداد لموسم الصيف من خلال تامين وضع الكهرباء واستيراد أجهزة طبية حديثة تفتقدها المستشفيات في العراق"، مؤكدا أن"هذه الإجراءات سترضي المواطنين أكثر من خفض راتبه الذي لن يذهب إلى مواطن لا يجد نهاية شهره ما يكفيه".
وتلت انتفاضة الياسمين في تونس والتي أطاحت برئيسها زين العابدين بن علي، انتفاضة جماهيرية واسعة في جميع المدن المصرية ما زالت مستمرة منذ 12 يوما مطالبين برحيل الرئيس المصري حسني مبارك وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية واسعة، فضلا عن مظاهرات في اليمن والأردن تحمل ذات المطالب، فيما عكست هذه الأحداث رغبة لدى الشارع العراقي بمعالجة سوء الخدمات من خلال العديد من التظاهرات شهدتها مدنا عراقية الأيام القليلة الماضية.
لا توجد في العراق نصوص دستورية تحدد مهلة نهائية لرئيس الجمهورية والوزراء
من جانبه، يقول الكاتب والإعلامي عماد الخفاجي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن " تجربة تونس ومصر نبهت الحكام المتسلطين إلى وجوب الحذر من ثورات مفاجئة لشعوبهم"، مشيرا إلى أن "وجود هكذا احتجاجات قد تفاجئ الحكام المتسلطين، خصوصا إذا كانت دولهم لا يتوفر بها إعلام محايد، ووسائل للتعبير عن الرأي".
ويشير الخفاجي إلى "وجود نوع آخر من الحكام في المنطقة، يرون ايجابيات ما جرى في تونس ومصر، وتنبهوا إلى أان الشعوب لم تعد تقبل بقراءة سريرة الحاكم، أو أن تسمع قولا مشابها لما قاله مبارك بأنه لا ينوي الترشح مجددا"، ويشدد بالقول إن "هذا الكلام لا يكفي إذ يجب أن تكون هناك نصوص دستورية تضمن لي كمواطن عراقي، أن أي رئيس وزراء أو رئيس جمهورية، لا يمكنه الترشح ولا ينوي ذلك لان ذلك ليس من حقه، وفق ضمانات دستورية".
ولاقت مواقف المالكي مواقف متباينة بين المراقبين والسياسيين فهناك من اعتبرها انها رضوخ للسخط الجماهيري وخوف من انتقال الأجواء المتوترة التي يشهدها الشارع العربي الى العراق، فيما لاقت ترحبيا من سياسين آخرين مثل الرئيس جلال الطالباني الذي أعلن اليوم هو الآخر استعداده لتخفيض راتبه الشهري إلا انه أقرن ذلك بمطالبته بنائب رابع له يمثل القومية التركمانية وهو ما اعتبره مراقبون بانه سيضيف رواتب ومخصصات جديدة لميزانية رئاسة الجمهورية لاسيما وان القانون العراقي يسمح لمن هم بمنصب نائب رئيس الجمهورية الحصول على رواتب وامتيازات ومخصصات بملايين الدولارات إضافة إلى تعيين ما لا يقل عن 80 حارسا.
ويلفت الخفاجي إلى أن "المشكلة في العراق تكمن بعدم وجود مادة دستورية تضمن له زوال هذا الشخص أو ذاك عن الحكم خلال فترة معينة، وهو أحساس سيولد ردات فعل سيئة في الشارع وستؤدي إلى انفجار مفاجئ ربما يحرق البلد بأكمله"، لافتا إلى أن "تصريحات المالكي تمثل خطوة جيدة مهما تكن أهدافها، وجاءت في الوقت المناسب، ولكني أتمنى أن أرى خطوات تؤكد لي أن السياسي لن يرشح نفسه أو ولده للرئاسة، أو أن يمتلئ مكتبه الرسمي بأفراد عائلته وأقاربه".
ويطالب الإعلامي بـ"إجراء تعديلات دستورية ومواد واضحة تشير إلى حق الحصول على المعلومة وحرية التعبير، أما إطلاق كلمات ووعود فحسب فلا ينفعنا، وهي مجرد عبارات إنشائية يمكن التحايل عليها في أي وقت، وحسب الظرف".
مشروع الدولة في العراق ينطلق من مبادئ خاطئة
فيما يرى الكاتب والإعلامي حسين العادلي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "مشروع الدولة في العراق بحاجة إلى إعادة هيكلية، مهما تكن الدوافع وراء إجراءات المالكي الأخيرة"، معتبرا أن "القضية في العراق تتعلق بطبيعة النظام السياسي واعتماده على مبادئ خاطئة".
ويضيف العادلي أن "النخب العراقية أمام إعادة نتاج مشروع دولة وفق أسس صحيحة من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتبار الدولة مجموعة مؤسسات، والوظيفة هي وظيفة عامة"، مؤكدا أن ذلك الأمر "سيؤدي إلى إعادة إنتاج دولة متطورة وسنتجاوز بذلك معظم الثورات ونمتص ردة فعل الشارع وهزاته المفاجئة".
ويستدرك القول أنه "بشكل عام يجب أن نؤيد أي إجراء يؤدي إلى إصلاح حقيقي حتى وان كان بسيطا، لان الإجراءات البسيطة لا تحول دون إجراءات عميقة في أنظمة الدولة"، مشيرا إلى أن "موضوع رفع نسبة الراتب أو خفضه مرتبط بمشروع إعادة بناء الدولة وتأهيل إنتاجها اقتصاديا، لان الأمر يتعلق ببنيتها التنموية، لأن بناء الدولة لا يقوم على أساس جهد حكومة بمعزل عن باقي المؤسسات".
وكانت العاصمة العراقية بغداد وعدد من المدن العراقية شهدت، الأيام القليلة الماضية، تظاهرات عدة مطالبة الحكومة العراقية بتوفير الخدمات الضرورية، حيث تظاهر العشرات من المواطنين وسط محافظة الأنبار، اليوم، للمطالبة بتحسين واقع الخدمات وإقالة المسؤولين عن تردي الملف الخدمي، كما دعا المتظاهرون إلى وقف الاعتقالات العشوائية في المحافظة، فيما تظاهر العشرات من أهالي محافظة البصرة، اليوم، للمطالبة بإقالة المحافظ وتوفير الخدمات ومفردات البطاقة التموينية، في حين رفع المتظاهرون بطاقات صفراء ضد حكومة المحافظة، مطالبين باحترام حرية التعبير.
فيما خرج المئات من المثقفين والناشطين والشباب بتظاهرة، أمس الأول، في شارع المتنبي وسط العاصمة، مطالبين الحكومة العراقية بتغيير سياساتها المنهجية مثل القوانين وإيجاد سبل لتحسين الخدمات، كما دعوا أعضاء مجلس النواب إلى الإيفاء بوعودهم التي قطعوها أمام الشعب إبان فترة الإعلان عن برامجهم الانتخابية.
كما شهدت بغداد، في اليوم ذاته أيضا، تظاهرة في ساحة الفردوس شاركت فيها العشرات من الأسر المتجاوزة على أملاك الدولة أعربوا فيها عن رفضهم لما سموه بـ"الإرهاب الحكومي"، كما رفعوا شعارات كتب عليها "لا لانتهاكات الحرمات"، بينما خرج نحو 1500 شخص من أبناء منطقة الحسينية، شمال بغداد، في تظاهرة حاشدة مطالبين بتحسين واقع الخدمات الرديئة التي تعاني منها المنطقة.
وفي محافظة الديوانية تظاهر عشرات المواطنين، الخميس الماضي، مطالبين بتحسين الخدمات والقضاء على البطالة، حيث جوبهت بإطلاق النار عليهم بشكل عشوائي من قبل القوات الأمنية، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين بجروح خطرة.
يذكر أن العديد من المحافظات المصرية، تشهد منذ 14 يوماً تظاهرات حاشدة يشارك فيها مئات الآلاف من المواطنين، وسط هتافات تطالب برحيل الرئيس المصري حسني مبارك، فيما تفرض السلطات المصرية حظراً للتجوال ليلاً في القاهرة والإسكندرية والسويس وقامت بقطع كل وسائل الاتصال داخل مصر ومع العالم الخارجي، كما تنتشر القوات المسلحة المصرية في المناطق الحيوية والرئيسة في القاهرة.