ما من شك بان اهداف - الليبرالية الديمقراطية - في - العدل والحرية والسلام – إنما تقوم على أساس منظومة القيم الإنسانية ، وعلينا النظر إليها كوحدة واحدة في مواجهة الإستبداد والدكتاتورية والفساد ، والشعب المصري حين يرفع واحدة من هذه الأهداف في مطالبه المشروعه ، إنما يرفع جميع هذه الأهداف في الواقع بإعتبار الملازمة والمماهات بين كل واحد من هذه الأهداف .
ذلك لأن الشعب المصري إنما يسعى ويتحرك وفق موضوعية وطبيعة هذه القيم والأهداف مجتمعة ، وهو حين يناضل من أجل الحرية لا يفصل بينها وبين العدل كما لا يفصل بينها وبين السلام ، والمحرك والباعث الرئيسي على الثورة هو العدالة الإجتماعية التي تعني للمواطن المصري حق الحياة بكرامة وحق العيش وحق السكن وحق الضمان الصحي والمالي ، هي إذن تعني له الحياة وهو لذلك لا يريد التفريط بها ، ومن هنا نجزم بإن الثورة في مصر إنما تتحرك وفق أو من خلال الفكر الليبرالي الديمقراطي ولا غير ، حتى وإن قيل أو أدعى أحد غير هذا ، ذلك لأن الذي يسعى له المواطن المصري هو العدل الإجتماعي ، وهذا هو صفة خاصة تعني الليبرالية الديمقراطية ، ومن هنا يكون نضال شعب مصر هو من أجل بلوغ أهداف الليبرالية الديمقراطية .
نعم فلا شيء في الكون يمكنه تحقيق المنظومة القيمية للإنسان من غير الليبرالية الديمقراطية ، وفي ذلك نحن لاندعي أمراً جديداً ولا نبتدع قضية غير معروفة ، إنما نحن نُذكر فقط بطبيعة حركة الشعب المصري وبثورته ، هذا الشيء هو نفسه مايتوق وما تعمل عليه كل الشعوب العربية والإسلامية ، فصورة المجتمع الكامل أو القريب من الكمال هو في الليبرالية الديمقراطية ومن خلالها ، أعني قدرة الليبرالية الديمقراطية في ردم التفاوت الطبقي والمجتمعي بين فئات الشعب ، وقدرتها على تحرير قوى الشعب للمطالبة بحقوقها ، كما إنها برهنت وأثبتت قدرتها في معالجة الإختلالات التي يصنعها الإستبداد وقوى الجشع والرأسمالية ، من خلال التأكيد على الحقوق الطبيعية للإنسان ومن خلال تفكيك القوى التي تتعمد خلق وصناعة الفقر وإشاعته في الوسط العام .
نعم لم يكن الإمام علي مجافياً للحقيقة حينما قال - كاد الفقر ان يكون كفرا - فهو إنما يتحدث عن الكيفية التي يمكن للناس من خلالها ترك المعتقد والدين ، إذن هو يتحدث عن الموضوع الذي يبيح للناس الثورة على كل ما من شأنه إخراج الناس عن الطريق الصحيح وعن القانون ، وفعل كاد لا يفيد الجواز فقط بل يفيد الوجوب في حال تفشي ظاهرة الفقر ومن يعمل عليها ، وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية دائماً يكون أهل السياسة هم من يصنع الفقر ويصنع التفاوت ، لغياب الرادع وفقدان الضمير لهذا تكون الثورة على المفسدين من سياسين وإقتصاديين أمراً مشروعاً وواجباً ، حتى وإن كلفت التضحيات الجسام ، لأن الأصل هو إعادة الإستقرار للحياة من خلال إعادة التوازن بين فئات الشعب ، ولن يكون ذلك ممكناً من خلال قوى السلطة نفسها بل يجب ان يكون ذلك من خلال القوى الشعبية الشريفة .
إن الثورة المصرية في شكلها الذي نرى ونشاهد قد طرحت مفهوماً يلزم شعوب المنطقة في الأخذ به ، خاصة وهي ثورة سلمية لا تحمل سلاحاً ولا هي إنقلاب عسكري بل هي تعبير عن غضب شعبي حدد طبيعة الواقع ومايجب ان يكون عليه الحاضر والمستقبل ، فالنظام المصري هذا هو وريث الماضي أي وريث العسكرتاريا ومن يكون حاله كذلك ، لا يكون بديلاً عن إرادة الشعب وخياراته ، ولهذا يكون تحرك وتحريك القوات المساحة في الشوارع والساحات العامة ، هو فعل مضاف للسجل الأسود لطبيعة الحكام العرب والمسلمين كما إنه إرهاب متعمد للشعب المسالم المطالب بحقوقه ، والحكام العرب والمسلمين في العادة لايفكرون إلاّ بأنفسهم ولا يهمهم معنى الوطن وكرامته فالوطن عندهم يعني المغنم والمواطن هو الخادم المطيع .
نعم نحن خائفون من سرقة تضحيات هذا الشعب ، ونحن خائفون من تجيير هذه الحركة بإتجاه شخصاني أو حزبي أو مؤسساتي ذي طابع معين ، وخوفنا هذا مشروع ولهذا نطلب من قوى الشعب الثائر ان تدير العميلة الثورية بحرفية وإتقان ، وان تسهر على سلامة المسيرة من التدخلات المرفوضة ، ودعوني أقول لكم بصراحة : إني أخوف ما أخافه على ثورتكم هذا الدس الذي يأتي من فئات مضللة وغير نزيهه ، من أولئك الذين يخلطون بين الأوراق وبين النوايا كي لا تتضح الصورة أمام العالم بشكل يُهدء النفوس ، ودعوني أقول وأطلب منكم جميعاً : الوقوف صفاً واحداً وليكن شعاركم هو في تغيير قواعد الدولة القديمة ، وفي بناء الدولة الجديدة ذات النظام البرلماني الجديد ، كما أدعوكم لكتابة دستور جديد مختلف لا يفرق بين الفئات والأديان ، وإنني أثق بكفاءت شعب مصر وبمثقفيه وبكتابه وبفنانيه وبكل فئاته الثائرة ، أثق بهم جميعاً أثق بحرصهم على وطنهم وعلى مؤوسساته وعلى كيانه الذي أختل كثيراً نتيجة لهذا الفساد في منظومة الحكم وأعوان السلطان .
إنني أثق بكفاءة ومهنية القوات المسلحة ، وأنا على يقين إنها لن تعمل في مواجهة إرادة الشعب ، ولن تكون هذه المرة بعد اليوم في خدمة الحاكم الظالم ، بل ستكون في خدمة الدولة المصرية وفي حماية أمنها وحماية المواطنيين من بطش قوى الفساد التي ستفر في هذه الأيام ..
حمى الله الثوار من الكيد ومن النفاق ومن الغفلة ...