منذ القديم وهذه الحكاية أعني حكاية الإسراء تثير الكثير من القلق والإبهام والكثير من الغموض ، والكثير من الوهم والخيال ، وهذا كله ناشئ بفعل عدم الدقة الوثائقية التي يمكن الرجوع إليها أو الإهتداء إليها في إثبات أصل الحكاية أو عدمها ، سيما وإن الحكاية وردت هكذا من غير تحديد وتميز في الكتاب المجيد ،
وهذا ما زاد في مساحة الوهم والخيال والقيل والقال لدى الكثيرين ، والأخبار والروايات التي تحدثت عنها ينقصها الكثير من التحقيق والصحة ، وقد شارك في نسجها أناس لايعتدُ برأيهم من أمثال معاوية وعائشة التي كانت صغيرة وقتها ولم تكن في عصمة النبي بعد ولم تدر ماحدث في حينه .
وللتوكيد هنا نقول : إننا لاننكر أصل الحكاية كما وردت في الكتاب المجيد وفي شكلها العام ، ولكننا ننكر جملة الروايات والأخبار التي تحدثت عنها ، لأن مجمل تلك الروايات قد زادت في غموضهاً غموضاً وتعقيداً ، ومايسميه اليوم المسلمين ذكرى - الإسراء والمعراج - فقول لا دليل عليه وهو ليس سوى إجماع فقهاء ووعاظ السلاطين ولا علاقة له بمفهوم الإجماع المنصوص عليه في كتب الأصول ، ومن هنا فلايمكننا الإعتماد عليه أو التصديق به من غير دليل ، وحين نقول : إننا لاننكر أصل الحكاية فهذا القول منا نابع من إيماننا بصحة نصوص وقصص الكتاب المجيد ، ولكننا ننكر أن يكون يوم أو ليلة 27 من شهر رجب هي تلك الليلة التي يزعمون إنها بها وفيها حدث الإسراء وحدث المعراج ، والحق إن الإسراء شيء والمعراج شيء أخر مختلف في الشكل وفي المضمون ، وإذا كنا لاننكر الإسراء كقصة ورد ذكرها في الكتاب المجيد لكننا بكل تأكيد ننكر المعراج في الجملة وفي التفصيل ، فإنتقال النبي وركوبه دابة البراق كما يزعمون هو مجرد كلام فاسد لايمكن الركون إليه ، ولأنه يخالف أصل الإعتقاد فالله وأنبياءه وملائكته وسماواته ليست محلاً يمكن للنبي التنقل بها وكأن كل واحد قد أحتل سماء من السماوات السبع ، كما لايعقل في مجال الإستدلال على صحة نبوة محمد – ص - الركون إلى هذا الخلط وهذه الميثيولوجيا والخرافة الزائفة ، ومن يقرء قصة المعراج يُخيل إليه وكأنه يقرء فيلماً كارتونياً للأطفال ، فالنبي ونبوته قد تخلصت مع القرآن من ثقل الماضي ودخلت عالم المعرفة والتجريد ، وتخلصت من سطوة التجربة ووسائل الإيضاح في الثبوت والإثبات .
ولهذا نرفض حكاية المعراج إنطلاقاً من إيماننا بان القرآن إنما يخاطب العقل الإنساني بعيداً عن التسويف وعن الخرافة وعن حكايات الإعجاز التي يميل إليها في الغالب قليلي الحيلة ومن ذوي المدارك والعقول البسيطة ، أضف إلى هذا وذاك فإن الربط بين قصة الإسراء وقصة المعراج تم بفعل العامل السياسي والجبر التاريخي والعقيدي ، إذ إن قصة الإسراء هي حكاية تحدث عنها النبي محمد هي حكاية نبوية خالصة عن الماضي ، وهي لا تتحدث عن النبي محمد - ص - وليس لفظ - عبده - الوارد في سورة الإسراء يعنيه أو يدل عليه ، لأن النص إنما يتحدث بشكل مطلق عن العبد الذي جرت حوله الحكاية ، كالعبد الصالح في قصة موسى وكأهل الكهف وكقصة أصحاب الأخدود وغيرها ، هي قصة نبوية لاغير ، والذي يؤكد ذلك الرأي ما قاله الزمخشري : فيما رواه عن أنس وعن الحسن في إن الإسراء قد وقع قبل المبعث النبوي - أي قبل إن يكون النبي نبياً - فهي حكاية قديمة تحدث عنها النبي محمد - ص - عندما صار نبياً كما تحدث عن غيرها من القصص الموجودة في الكتاب المجيد .
كما إن المسجد الحرام عندنا : لايعني خصوص الكعبة المشرفة بل هي واحدة من المصاديق الدالة عليه ، بدليل إن أهل التراث أنفسهم قد أختلفوا في معنى المسجد الحرام ، فمنهم من قال : إن المسجد الحرام هو كل مسجد يُعبد فيه الله ، لأن الحرمة فيه تعود على العبادة وذكر الله فهو محرم من هذه الجهة ، ومنهم من قال : إن المسجد هنا يعني بيت النبي ، ومنهم من قال : إنه يعني شعب إبي طالب إلى ماهنالك من أقوال كثيرة ، وقد أختلف الرواة في زمن حدوث الإسراء كما أختلفوا في زمن حدوث المعراج ، فمنهم من قال : إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة ، ومنهم من قال : إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة ونصف ، ومنهم من قال : إنه حدث في رجب ، ومنهم من قال : إنه حدث في ربيع الأول ، ومنهم من قال : إنه حدث في ربيع الأخر ، والأقوال فيه متعددة وكثيرة ومضطربة ، ومن أجل هذا الإضطراب والتفاوت أختلفوا وقالوا : بان ليلة الإسراء هي غير ليلة المعراج .
ويجب التنويه بان المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الكتاب المجيد لا يعني - بيت المقدس - ذلك لأن لفظ الأقصى في اللسان العربي لفظ دال على الأبعد ، فيكون معنى المسجد الأقصى أي المسجد الأبعد ، ولكن هذا بلحاظ المسجد الحرام ومن جهته ، وليس كما يدعي أو يقول أهل الإعلام والسياسة المحدثين ، وكلامنا هذا ينطلق من كون هذا اللفظ قد ورد في سياق بيان كثرة البيوت التي كان يعبد فيها الله ، وليس في سياق المفاضلة أو التحديد لمسجد بعينه كما يذهب إليه أهل السياسة اليوم ، والتحديد كما نعلم مذهب يعتمد التشويه والخلط والتعميه ، وهذا كما ترون تشويه لمقاصد الكتاب المجيد ومايدعوا له وما يريد بيانه ، ومن هنا نقول إن الإسراء حدث نبوي لايعني فيه خصوص النبي محمد - ص - بل هو حكاية من الحكايا وقصة من القصص التي يجب ان نؤمن بها ، لكن المعراج خرافة وخيال والإيمان به خلاف العقيدة الصحيحة ومذهب النبي محمد – ص - ، أقول هذا وأنا أرى زيف المدجلين من وعاظ ومرشدين ومحرفين للكلم ومعناه ...