قبل أن تطالب الحكومة العراقية بخروج الجنود الإيرانيين من بئر الفكة كان عليها أن تطالبهم بالخروج من محافظات العراق ومدنه وقراه ومياهه وثرواته وبرلمانه ومجلس وزرائه.
يعذرني زملائي الكتاب الذين اعتبروا احتلال إيران لبئر الفكة العراقي عدوانا إيرانيا على أرض عراقية لأنني لست غاضبا مثلهم على إيران وحكومتها المعممة. فالغضب العادل في هذه المسرحية الخائبة ينبغي أن يوجه إلى رفاقنا حكام العراق الحاليين من تجار الشعارات الذين لا يستطيعون الاستمرار في تسلطهم علينا لولا حراب الإيرانيين وحماية مخابراتهم وأموالهم وأسلحتهم ومفخخاتهم.
إنها لعبة انتخابية مكشوفة بين معممي إيران ومعممي المنطقة الخضراء هدفها منح المالكي والحكيم وباقي الشلة الغارقة في العشق الإيراني وثيقة تبرئة من العمالة لإيران لتبييض وجوههم السود وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكاسب انتخابية في خضم النقمة العارمة التي تجتاح الشارع العراقي، الشيعي قبل السني، والكردي قبل العربي، والمسلم قبل المسيحي، على عبثهم وسرقاتهم واستهتارهم بالعراق والعراقيين لحساب الولي الفقيه.
وكأني بالمالكي يريد أن يرد بهذه التمثيلية الخائبة على من طالبوه بفتح عينين اثنتين على إرهاب الدول المجاورة، وليس عينا واحدة ترى سوريا ولا ترى إيران. لقد أراد أن يقول لمن اتهموه بالتطنيش عن الهيمنة الإيرانية المطبقة على العراق: ها نحن وقفنا وقفة غاضبة أمام احتلال إيران لبئر الفكة، وسنجبر المحتل على الرحيل. وهو يعلم، ونحن نعلم معه ايضا، بأن إيران ليست جادة في احتلال هذه البئر الصغيرة التافهة، وستخرج منها بعد أيام أو أسابيع، بعد انتهاء الغرض الدعائي المرسوم لها، وليس خوفا من جيوش المالكي المرعبة المتأهبة للقتال، ولا حماية لمصالحها العليا في العراق من غضب الدباغ المخيف؟
إذ كيف يريدنا قادة الأحزاب الطائفية الحاكمة اليوم، كلهم دون استثناء، أن نصدق بأنهم قد أفاقوا اليوم، فجأة، من غفوتهم، فاستعادوا وطنيتهم العراقية النائمة، وانتفضوا ليثأروا لكرامتهم وكرامة شعبهم مما ألحقه بها أولياء أمورهم الإيرانيون؟
فزعيم المجلس الأعلى الإسلامي، مبكرا وفي عام 2003 وفور تسلمه رئاسة مجلس الحكم المنحل، كان أول من جاهر بعشقه الرباني لإيران، وطالب وطنه الثاني العراق بدفع غرامة وتعويضات بعشرات المليارات من الدولارات لوطنه الأم إيران، عقابا للشعب العراقي على الحرب التي خاضها معها صدام حسين، والتي قاتل فيها، ولمدة ثماني سنوات، جيش أغلب جنوده وضباط صفه وقادته من الشيعة العراقيين.
والمالكي زعيم حزب الدعوة الذي تربى في أحضان الولي الفقيه وبأمواله وجنوده وسلاحه ومفخخاته، ظل يشتم سوريا وحدها، ويطالب الأمم المتحدة وأمريكا بمنع تورطها في أعمال التفخيخ الإرهابية في العراق، لكنه ظل يعمى ويطرش عن إيران وعن نشاطاتها الإرهابية المخيفة في العراق، من أول يوم احتل فيه حلفاؤها الطائفيون قصور المنطقة الخضراء، وإلى اليوم.
إن هذه التمثيلية الخائبة التي يمثلها الدباغ ورؤساؤه والتي زعم فيها أنهم ساعون إلى حل مشكلة احتلال بئر الفكة بالطرق الدبلوماسية مع إيران، لا تنطلي على أحد. فبدل أن يطلب الدباغ خروج الجنود الإيرانيين من بئر الفكة كان عليه أن يطالبهم بالخروج من محافظات العراق ومدنه وقراه ومياهه وثرواته وبرلمانه ومجلس وزرائه، قبل ذلك بكثير.
فكيف يريدنا أن نصدق مزاعمه، ونحن نعلم بأنه والمالكي معه وكلَّ أعوانه ومستشاريه الآخرين، مقيمون في منزل السفير الإيراني ببغداد، ويغرفون الهريسة والفسنجون على مائدته العامرة، خصوصا في هذه الأيام؟ ألم يكن في إمكانهم أن يوسطوه لإقناع بابهم العالي بأن يترك هذه البئر الصغيرة، بعد افتضاح احتلالها، ويكتفي باحتلال عشرات الآبار الأخرى التي يديرها له عملاء مخابراته وأفراد مليشياته وأحزابه في العراق الجديد؟
فالجنود الإيرانيون القلة (بالملابس العسكرية) الذين رفعوا علم إيران على بئر الفكة لا يشكلون سوى إبرة ضائعة في كومِ قشٍ كبير من مئات آلاف الجنود الإيرانيين (بملابس مدنية عراقية) يحتلون كل شيء في العراق.
إنها محاولة غبية فاشلة من حكامنا الصغار لإظهار أنفسهم بمظهر الغيورين على العراق وأرضه وكرامته وسيادته، وهم، في واقعهم، أكثر غيرة واحتراما والتزاما ووفاء لإيران ووليها الفقيه.
أنها فقاعة وستختفي بعد أيام، وسوف نفاجأ بالعاملين على نفخها والترويج لها وقد لحسوا تصريحاتهم حولها، وبلعوا غضبهم الكاذب، عما قريب. إنها لعبة دعائية انتخابية فاشلة، وفي الوقت الضائع، لن تنقذ زوارق الحكام الطائفيين من الغرق الأكيد.