تابعت باهتمام شديد الكثير من الأبحاث والدراسات المكرسة لدراسة التيار الإسلامي في سورية، وقد استرعى انتباهي وقوع أغلبها في خطأ منهجي كبير ألا وهو تركيزها على حركة بعينها هي حركة الأخوان المسلمين،
حتى يبدو وكأن هذه الدراسات تختزل التيار الإسلامي في سورية بكافة أطيافه وتوجهاته ومدارسه الفكرية والمذهبية في هذه الحركة متجاهلة التنوع الفكري الكبير في خريطة الإسلاميين السوريين والتحولات الفكرية الهامة التي طرأت على التيار الإسلامي داخل وخارج سورية .
لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الريادي البارز الذي لعبته جماعة الأخوان المسلمين في صعود التيار الإسلامي في سورية خصوصا ( والعالم العربي عموما ) ، ولعل الأثر الأبرز للإخوان المسلمين إنما يكمن في تحوّل التيار الإسلامي من إطار التوجه الفكري المحض إلى القولبة في قالب الحزب السياسي العقائدي الذي يعمل وفق قواعد اللعبة السياسية التقليدية ( حسابات الربح والخسارة والتحالفات البراجماتية ) .
في اعتقادي .. تنحصر الأهمية الحقيقية لحركة الأخوان المسلمين في سورية في نقطتين اثنتين، فهي من جهة الحركة الأم التي استوعبت - في الستينات - جميع أطياف الفكر الإسلامي السائدة في سورية ولعبت الدور الأبرز في قيادة التيار الإسلامي ( الذي كان في طور الصعود آنذاك ) وصياغة أفكاره وأيديولوجياته ( وهو ذات الدور التاريخي والفكري الذي لعبته هذه الجماعة جميع الدول العربية في الخمسينات والستينات )، ومن جهة أخرى كان الصدام العسكري الشهير بين حركة الأخوان المسلمين والنظام البعثي وما تلاه من مجازر دموية في حماة وحلب العامل الأبرز الذي أكسب جماعة الأخوان المسلمين في سورية أهمية كبيرة يصعب تجاوزها، وفي ما عدا ذلك تبقى جماعة الأخوان المسلمين مجرد فصيل من فصائل التيار الإسلامي الغني بالتعدد والتنوع.
واليوم .. لا يمكننا الحديث عن التيار الإسلامي في سورية بمعزل عن التعددية الفكرية السائدة في التيار الإسلامي السوري والتي تؤكد على أن الإخوان المسلمين مجرد طيف من أطياف التيار الإسلامي في سورية، كما لا يمكننا بالطبع تجاهل التحولات الفكرية الكبيرة التي طرأت على خريطة الفكر الإسلامي عموماً ( منذ بداية التسعينات) والتي شهدت ميلاد العديد من الحركات والاتجاهات والجماعات الفكرية فضلاً عن تنامي تيارات التجديد الإسلامي المنادية بإعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يتوافق مع المسلمات الفكرية والسياسية للمرحلة الحالية ( المشاركة الشعبية الفاعلة وحرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة وقبول الآخر واحترام حقوق الإنسان ..) وحتى حركة الأخوان المسلمين لم تستطع أن تتجاهل هذه التحولات الفكرية والتي أجبرتها على إعادة صياغة أفكارها ورؤاها بل وتجاوز الكثير من أدبياتها القديمة التي لم تعد منسجمة مع السمات الفكرية للعصر الحالي، لكنها في ذات الوقت فشلت في المحافظة على دورها التاريخي القديم في قيادة التيار الإسلامي، وهذا ما أجبرها على الانسحاب لصالح التوجهات والحركات الإسلامية الجديدة ..
فما هو أثر هذه التحولات على التيار الإسلامي في سورية ؟؟
لا بدّ من التذكير أولاً بأنه ليس للإسلاميين في سورية تنظيم سياسي حزبي كما هو الحال في باقي الدول العربية ( مثل الاردن والمغرب والكويت والجزائر ) فالأحزاب المرخص بها والتي تحظى بالاعتراف القانوني والحماية السياسية هي الأحزاب المنضوية في إطار ما يُعرف
بـ ( الجبهة الوطنية التقدمية ) وهي تحالف حزبي يضم مجموعة من الأحزاب القومية واليسارية حصراً، أما جماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وباقي الأحزاب الإسلامية فهي أحزاب محظورة قانوناً ويشكل الانتماء إليها جريمة سياسية تعرض صاحبها للملاحقة الأمنية والجزائية، ولكن هذا لا يعني غياب التكتلات الفكرية للإسلاميين السوريين ( والتي غالباً ما تأخذ شكل الحزب الفكري ) أو انعدام التأثير السياسي للتيار الإسلامي في سورية .
الخريطة الفكرية للتيار الإسلامي في سورية :
يُعتبر المجتمع السوري من المجتمعات الغنية بالتنوع المذهبي والطائفي ( فضلاً عن التنوع الإثني والعرقي ) فعلى الصعيد الإسلامي يتوزع المسلمون في سورية على عدد من المذاهب هي : السنة والشيعة والدروز ، وينقسم الشيعة السوريون بدورهم الى عدد من المذاهب الفرعية هي : الإمامية الإثنى عشرية والعلوية ( التي تُعرف في الأدبيات الإسلامية القديمة بالنصيرية ) والإسماعيلية( التي تنقسم بدورها الى فرعين : إسماعيلية نزارية آغاخانية وإسماعيلية المستعلية ) هذا فضلاً عن وجود محدود جدا لبعض الجماعات والطوائف الإسلامية الصغيرة مثل القاديانية والمرشدية .
وإذا انطلقنا في تعاملنا مع مفهوم ( التيار الإسلامي ) من أنه التيار الذي يتبنى مرجعية الدين في الحياة والسلوك الفردي والجماعي ويدعو إلى تفعيلها سياسياً وتشريعياً فإن هذا التعريف لا ينطبق إلا على أتباع المذهب السني والمذهب الشيعي الاثنى عشري، أما باقي الطوائف والمذاهب الإسلامية السورية فهي طوائف ( علمانية ) ان صحّ التعبير، بمعنى أنها لا تنطلق في سلوكها اليومي من منطلقات ومرجعيات دينية .
أولاً – خريطة التيار الإسلامي السني في سورية :
يتوزع التيار الإسلامي السني في سورية على أربعة اتجاهات هي :
1- التيار الصوفي : وهو تيار عميق الجذور في المجتمع السوري، ويكتسب شعبية كبيرة مستمدة من التبجيل والاحترام اللذين تتمتع بهما رموزه القديمة والمعاصرة، ويُعتبر التيار الصوفي من أقدم التيارات الإسلامية في سورية، حيث لعب دوراً تاريخياً هاماً في ممارسة الأنشطة الإسلامية والتعليم الديني، وبالطبع بدأ هذا الدور يتراجع بشكل كبير لصالح باقي التيارات الإسلامية في سورية، واليوم يتركز نفوذ التيار الصوفي في سورية في مجمع أبي النور الإسلامي، وهو عبارة عن مسجد ضخم ومعهد شرعي يتولى سنوياً تخريج أعداد كبيرة من طلاب العلوم الشرعية ( سوريين وعرباً وأجانب ) ومن أهم رموز التيار الصوفي في سورية الشيخ الراحل أحمد كفتارو مفتي سورية سابقا، وهو يُعتبر المرشد الروحي للتيار الصوفي في سورية ممثلا بالطريقة النقشبندية، ويتمتع الشيخ أحمد كفتارو باحترام كبير وتبجيل مبالغ به وسط أتباعه وذلك وفق التقاليد الصوفية التي تتمحور حول شيخ الطريقة، ويلي الشيخ كفتارو في الأهمية الشيخ رجب ديب الذي يُعتبر خليفته الروحي في زعامة التيار الصوفي السوري ( يتمتع الشيخ رجب ديب بنفوذ واسع النطاق في لبنان في أوساط المسلمين السنة ) كما أن لهذا التيار فرعا نسائيا يتولى إدارة دروس فقهية وإرشادية مخصصة للنساء وتشرف عليه منيرة القبيسي، ويُعتبر التيار الصوفي في سورية من أكثر التيارات الإسلامية تنظيماً ونفوذاً وذلك لأسباب متعددة :
• فهو يحظى بالدعم والتأييد من المؤسسة الحكومية التي ترى فيه حليفاً لها سيما وأن التيار الصوفي السوري خصوصاً ( والعربي عموماً ) يتجنب الخوض في السياسة ويُحرّم مناقشة الشؤون السياسية في المساجد والخطب والدروس الفقهية، ويكتفي في هذا الجانب بتكرار الخطاب السياسي الحكومي من منظور إسلامي.
• يقوم التيار الصوفي السوري ( ممثلاً في جماعة كفتارو – أبو النور ) على نظام التدرج في الإشراف على الحلقات الدينية التي تبدأ بحلقات تحفيظ القرآن للأطفال وتنتهي بالمجلس الفقهي لمجمع أبي النور، وهذا ما يكسب التيار الصوفي قدرة فائقة على المتابعة والإشراف والتنظيم .
• يمارس التيار الصوفي ( كفتارو – أبو النور ) شبكة واسعة من الأنشطة الدعوية والتعليمية والإرشادية فضلا عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية لأتباعه الملتزمين بحلقاته ( مثل الرحلات والنزهات ..الخ ) .
• يتمتع التيار الصوفي ( كفتارو – أبو النور ) بعلاقات جيدة مع كبار رجال الأعمال في دمشق مما يوفر له تمويلاً ضخما لتغطية نشاطاته المتعددة .
وتتركز شعبية التيار الصوفي في أوساط الفئات محدودة الثقافة والتعليم والتي تجد في تعاليمه البسيطة زاداً روحياً هاماً، في حين تتضاءل شعبيته بشكل ملحوظ في أوساط الفئات الأكثر ثقافةً وتعليماً .
2- التيار السلفي : بدأ هذا التيار يتصاعد بقوة في سورية مع تصاعد التيارات السلفية في الدول العربية المجاورة والإسلامية عامة، ومن أهم المرجعيات الفكرية للسلفيين السوريين الشيخ عبد القادر أرنؤوط والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ عيد العباسي فضلاً عن المرجعيات التاريخية المعروفة مثل ابن تيمية وابن القيم ، وقد شكّل قدوم عدد كبير من الطلاب الجزائريين للدراسة في المعاهد الشرعية السورية رافداً كبيراً للتيار السلفي، إذ إن معظم هؤلاء الطلاب من المنتمين للتيار السلفي، وقد أصبح معهد الزهراء الشرعي ( غالبية طلابه من الجزائريين السلفيين ) والمسجد التابع له ( مسجد دك الباب ) المعقل الرئيس للتيار السلفي في سورية، كما لعبت الملحقية الثقافية السعودية دوراً في نشر الفكر السلفي وذلك من خلال توفير الكتب والمراجع والأدبيات السلفية الفكرية.
يُعتبر التيار السلفي من التيارات المحظورة والمراقبة أمنياً في سورية، إذ لا يُسمح مثلاً بتداول الكتب السلفية، وعلى وجه الخصوص مؤلفات ابن تيمية وناصر الدين الألباني ومحمد بن عبد الوهاب ومعظم علماء السعودية، كما توقفت الملحقية الثقافية السعودية في الآونة الأخيرة عن نشاطها في توزيع المطبوعات المجانية السلفية( بتحريض من الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الخصم الفكري العنيد للسلفية في سورية )، وبنتيجة ضغوط أمنية انتقلت دار المكتب الإسلامي ( التي كانت تتولى نشر وتوزيع مصادر الفكر السلفي ) الى لبنان، وبات أتباع التيار السلفي يترقبون معرض الكتاب السنوي الذي يُقام في مكتبة الأسد للحصول على بعض الكتب السلفية التي يتمّ إدخالها تهريباً خلال فترة المعرض عبر بعض دور النشر اللبنانية والمصرية، كما تمّ تضييق الخناق على أهم منظري التيار السلفي في سورية ، فمُنع عبد القادر أرنؤوط من الخطابة وتمّ إبعاد ناصر الدين الألباني الى الأردن، وقد شهدت سورية في الآونة الأخيرة بعض الانفراج في التعامل مع التيار السلفي، فقد لوحظ في معرض الكتاب السنوي مؤخراً وجود ملحوظ لعدد من كتب ابن تيمية والالباني وابن باز وابن عثيمين ( ومن المعروف أن معرض الكتاب السنوي هو المعُبّر عن التوجهات الرقابية الرسمية حيال الكتب والمطبوعات في سورية إضافة إلى وزارة الإعلام ) .
3 - التيار الوسطي : ونعني بمصطلح ( الوسطية ) هنا التيار الذي يقف في الخط الوسط بين السلفية والصوفية، فيرفض ممارسات الصوفية وسلوكياتها، كما يرفض في ذات الوقت تشدد السلفية في إنكار البدع وتضليل الآخر، مع المحافظة على الفهم الأصولي ( نسبة الى علم أصول الفقه ) للإسلام، ويمثل هذا التيار في واقع الأمر طيفاً واسعاً جداً من الاتجاهات الفكرية التي يجمع بينها قاسم مشترك واحد وهو : رفض ممارسات الصوفية وأفكار السلفية والتمسك بالفهم الأصولي للإسلام والتعامل بشك مع الاتجاهات التحديثية في فهم الإسلام، ولعل من أهم ممثلي هذا التيار في سورية الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي بدأ نجمه يلمع بقوة في أواسط الثمانينات لعاملين اثنين :
• التفاهم السياسي الضمني بين البوطي والمؤسسة الحاكمة في سورية، وبموجبه تمّ منح البوطي حرية كبيرة في العمل والدعوة وممارسة الأنشطة الإسلامية مقابل تجنبه التعرض للشأن السياسي الداخلي أو توجيه نقد للحكومة ، وقد عملت المؤسسة الحاكمة في سورية على إظهار البوطي في جميع المناسبات والندوات التي تتطلب وجود ممثل للتيار الإسلامي، كما تمّ تخصيص برنامج اسبوعي له في التلفزيون السوري .
• امتلاك البوطي لقدرات شخصية متميزة في الخطابة والتأثير في المتلقي فضلاً عن تمكنه في اللغة العربية وأسلوبه الأدبي في الكتابة والتأليف .
وللدكتور البوطي دروس علمية أسبوعية في بعض مساجد دمشق ( فضلاً عن خطبة صلاة الجمعة التي يلقيها في مسجد الرفاعي ) وجميع دروسه وخطبه تنتشر بسرعة في أوساط مريديه من خلال أشرطة التسجيل السمعية وأقراص الكومبيوتر، كما أن له عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات التي تعالج مواضيع إسلامية مختلفة برؤية معاصرة، ويتمتع البوطي بشعبية كبيرة ومتزايدة في أوساط المثقفين والجامعيين الذين يشكلون القاعدة الأساسية لمريدي البوطي في سورية، وقد عُرف البوطي بخصومته الفكرية العنيفة مع التيار السلفي، ويبدو أنها بدأت بخلاف شخصي مع أهم منظري السلفية في سورية وهو الشيخ ناصر الدين الألباني حيث دارت بينهما سلسلة من الحوارات والتعقيبات التي لم تخلُ من قسوة العبارة أحياناً ( فالبوطي مثلا يصف الألباني بالشيخ المشبوه !! والألباني يتهم البوطي
بالضلال !! )
ومن رموز هذا التيار أيضاً الدكتور وهبة الزحيلي الباحث الفقهي المعروف، ولكن من الواضح أن سمة ( الفقيه ) تطغى على سمة ( المفكر ) عنده .
4- التيار التجديدي : وهو التيار المنادي بتقديم قراءة معاصرة للإسلام تتجاوز الفهم الحرفي والتقليدي، ولهذا التيار مدرستان : مدرسة التجديد الأصولي الملتزمة بضوابط أصول الفقه في فهم وتفسير النص، ومدرسة التجديد التحديثية أو اليسارية أو الثورية وهي التي تقدم قراءة ذاتية وشخصية للنص الديني لا تنسجم بالضرورة مع أصول وقواعد فهم النص، ولهذا التيار التجديدي بمدرستيه السابقتين حضور قوي في سورية، ومن أهم رموزه : الدكتور محمد شحرور الذي قدم عدداً من الأعمال الفكرية الهامة والتي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية من أهمها ( الكتاب والقرآن ) وقدّم فيه قراءة جديدة ومعاصرة للقرآن والتشريع القرآني تخالف الى حد كبير الفهم التقليدي المألوف .
ويُعتبر جودت السعيد من دعاة التجديد في فهم الإسلام، وله مجموعة من الكتب الفكرية ( أعادت نشرها مؤخراً درا الفكر في سورية التي أظهرت حماساً في نشر أفكاره ) ويركز جودت السعيد على ضرورة حضور البعد الإنساني والحضاري في فهم الإسلام اليوم، وهو من هذا المنطلق يرفض أسلوب العنف في العمل الإسلامي، كما رفض حد الردة واعتبر أنه يخالف الأصول
الإسلامية .
والحديث عن جودت السعيد يستدعي الحديث عن حنان اللحام التي تلتقي معه فكرياً إلى حد ما، وهي داعية إسلامية عُرفت بدعوتها الى تجديد النظرة التقليدية للمرأة .
ومن رموز التيار التجديدي والتي ظهرت مؤخراً الدكتور محمد حبش، ورغم أنه منتمٍ الى التيار الصوفي ( جماعة كفتارو – أبو النور ) إلا أنه مؤخراً دخل في صدام عنيف مع هذا التيار وصل الى حد تبرؤ كفتارو وجماعته منه في بيان شهير وُزّع في مسجد أبي النور، وقد تمّ هذا الانشقاق بينهما على خلفية كتاب ألفه محمد حبش بعنوان ( المرأة بين الشريعة والحياة ) تضمن أفكاراً وُصفت بـ ( أفكار ضالة !! )
لم يسلم رموز هذا التيار من النقد اللاذع والذي وصل أحيانا الى الاتهام بالضلال، فقد اتُهم محمد شحرور بمخالفة مسلمات الإسلام، وشنّ إسلاميو سورية حملات شعواء ضده تمثلت في عشرات الكتب والمقالات والخطب التي ترد على أفكاره وتحذر من ( كفره وضلاله !! ) .
وبدوره كان لجودت السعيد نصيب كبير من النقد والهجوم من خلال مجموعة من الكتب والدروس والخطب ( ألف أحد الإسلاميين كتاباً للرد على من سمّاهم " الزنادقة الثلاثة " ويعني بهم : جودت السعيد ومحمد شحرور ومحمد اقبال ) ، كما تتعرض حنان اللحام للنقد أحياناً من قبل بعض الإسلاميين وخصوصاً في موقفها من قضية تعدد الزوجات .
أما محمد حبش فقد كان عرضةً للنقد والهجوم الذي وصل الى حد اتهام البوطي له بأنه
( يرفع لواء الزندقة !! ) كما صدرت بعض الكتب التي ترد عليه وتفند أفكاره .
ثانياً - خريطة التيار الإسلامي الشيعي في سورية :
يُشكل الشيعة الإمامية الاثنى عشرية أقلية مذهبية في سورية، ويتركز الوجود الشيعي في دمشق ( حي الأمين وزين العابدين ) ومناطق من ريف دمشق ( مثل الجديدة ) وفي مجموعة من قرى حلب وحمص، ومن الملاحظ أن التوجهات الإعلامية والرقابية في سورية تمنع أي نشاط شيعي دعوي ( ربما مجاملة للأغلبية السنية في سورية ) كما تفرض رقابة واضحة على تداول الكتب الشيعية، ولكن يبدو أن هذه الرقابة تنحصر في دمشق فقط، وتزول في مراكز ثقل الشيعة، ولذلك فقد أصبح مركز ثقل الشيعة العلمي والفكري متركز في منطقة مقام السيدة زينب في ريف دمشق والتي يقطنها أعداد كبيرة من الشيعة العراقيين، كما يوجد فيها عدد من الحوزات العلمية التي أُنشئت بدعم وتمويل ايراني، وتلعب ايران دوراً هاماً في نشر الفكر الشيعي ودعم الشيعة في سورية، وتتوزع التوجهات الفكرية للشيعة في سورية على التيارات التالية :
1- تيار ولاية الفقيه وتبني مرجعية علي خامنئي : وهو التيار الذي يحظى بالدعم والتمويل الايراني .
2- تيار ولاية الفقيه مع تبني مرجعيات شيعية عربية مثل الخوئي والسيستاني : وهو الغالب في أوساط الشيعة السوريين .
3- تيار تحديث وتجديد الفكر الشيعي : ويتمثل في أتباع الشيخ اياد الركابي ومحمد حسين فضل الله وعلي شريعتي وأحمد الكاتب : ووجوده محدود وقليل .
التأثير السياسي للتيار الإسلامي في سورية :
رغم أن التيار الإسلامي في سورية لا يمتلك أحزاباً سياسية ناطقة باسمه ومعبرة عن مطالبه إلا أنه نجح في فرض وجوده وإجبار المؤسسة الحاكمة على الرضوخ له، ومقارنة سريعة بين أشكال التعبير الديني في الثمانينات ( أيام المواجهة مع الأخوان المسلمين ) ومثيلتها اليوم كافية بلا شك لتلمس مظاهر الصعود المتسارع للتيار الإسلامي في سورية، فبعد سياسات الملاحقات الأمنية والتضييق على الحجاب ومصادرة الكتب الإسلامية ومنع جميع أشكال الممارسات الدينية في الدوائر الحكومية أصبحت السياسات الحكومية اليوم تسير في اتجاه دعم الإسلام وكسب ود الإسلاميين، فقد تمّ إلغاء قرار منع الحجاب في المدارس ( والذي سبق أن أثار نقمة المتدينين في حينها ) وتضاعفت معاهد تحفيظ القرآن التابعة لوزارة الأوقاف والمسماة ( معاهد الأسد لتحفيظ القرآن ) وباتت المجاهرة بالطقوس والممارسات الإسلامية من الصلاة والصوم وقراءة القرآن أمراً مألوفاً حتى في الثكنات العسكرية، ناهيك عن انتشار المظاهر الإسلامية من الحجاب والنقاب واللحى الطويلة وتزايد الدروس الفقهية والحلقات الدينية في المساجد، كما تمّ تخفيف الرقابة على الكتب الإسلامية حتى أضحى من السهل الحصول على كتب منظري جماعة الأخوان المسلمين ( كسيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي .. وغيرهم ) .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل بدأت المؤسسة الحاكمة بالتضييق على التوجهات العلمانية والليبرالية - والتي يتهمها الإسلاميون عادة بالضلال والإساءة للإسلام – فتمّ منع الكثير من الكتب العلمانية والدراسات النقدية للفكر الديني ( ككتب نبيل فياض وبعض كتب صادق جلال العظم وخليل عبد الكريم وابراهيم محمود .. وغيرهم ) كما الغي الترخيص الممنوح للشركة العامة للمنشآت السياحية في استقدام الفرق الاستعراضية الغربية، وقد شهد المجتمع السوري في العام المنصرم واقعتين بسيطتين ولكن لهما دلالة كبيرة على تنامي التيار الإسلامي في سورية، الأولى هي منع عرض حلقة من مسلسل تلفزيوني ناقد بعنوان " بقعة ضوء " حيث تعرضت الحلقة الممنوعة من العرض بالنقد الساخر لظاهرة الشيوخ الذين يستغلون الدين ( في حين تمّ عرض ذات الحلقة في القنوات الفضائية العربية
والخليجية !! ) والواقعة الثانية هي سجن شخص جاهر بالإفطار في نهار رمضان ( وهي واقعة تحدث لأول مرة في القضاء السوري منذ السبعينات ) .
ومن المرشح تزايد نفوذ التيار الإسلامي في سورية، ولا يستعبد المراقبون أن يسفر هذا الواقع المتغير عن تأسيس أحزاب إسلامية في سورية تشارك في المؤسسة الحاكمة من خلال الجبهة الوطنية التقدمية ( بعد تغيير بنيتها اليسارية ) .