مع قرب انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: من انتصر على الآخر، هو أو الإرهاب؟ إن الإجابة على هذا السؤال تشكل الحيثيات الرئيسة للحكم إما للرئيس الأميركي أو عليه. ذلك أن الحرب على الإرهاب التي شنّها إثر جريمة 11 أيلول 2001 التي تعرّضت لها نيويورك وواشنطن إما أن تكون في نتائجها أهم إنجازاته، وإما أن تكون أسوأها.
لو أن الحرب على الإرهاب قد نجحت، هل كانت حادثة مومباي في الهند قد وقعت؟ علماً بأنها الحادثة الدموية البشعة التي دفعت الهند والباكستان الدولتين النوويتين الى شفير حرب رابعة بينهما.
لا شك في أن العمليات العسكرية التي قامت وتقوم بها القوات الأميركية منفردة، وقوات حلف شمال الأطلسي مجتمعة في أفغانستان والباكستان معاً قضت على أعداد كبيرة من الإرهابيين. ولكن هل إن هذه العمليات العسكرية حالت أو تحول دون تخريج دفعات جديدة من أمثالهم من معسكرات التدريب ومن قرى البؤس ومن مخيمات التهجير؟.. أيهما يتغلّب على الآخر، عمليات القصف والقتل، أو عمليات الإعداد والتخريج؟..
لقد اعتمدت الولايت المتحدة في حربها المشروعة على الإرهاب على وسيلة واحدة. وهي الوسيلة الأمنية، والقتل انتقاماً. ولكن القتلى سرعان ما يتحولون في مجتمعاتهم الى شهداء.
وبالتالي فإنه بدلاً من أن يؤدي قتلهم الى تخويف الآخرين وتدجينهم، أدى الى تحفيزهم على سلوك الطريق ذاته اقتداء بالشهداء. وانتقاماً لهم (عائلياً أو قبلياً أو وطنياً أو دينياً).
في عام 2001 عندما شنّ الرئيس بوش الحرب على الإرهاب كان تنظيم القاعدة يملك وكالة احتكارية مطلقة بممارسة هذا العمل المقيت. أما الآن وبعد ثماني سنوات من الحرب على الإرهاب، أصبحت هناك منظمات تملك وكالات حصرية تمتد من أندونيسيا على شاطئ المحيط الباسيفيكي الى المغرب على شاطئ المحيط الأطلسي. فهل يشكل ذلك انتصاراً في الحرب؟.
وفي عام 2001 أيضاً كانت حركة الطالبان المظلة الحامية لتنظيم القاعدة تسيطر على أفغانستان، وقد بدا لحين من الوقت أن الحرب على الإرهاب قد قضت عليها. ولكن الطالبان تستعيد الآن السيطرة على أجزاء عديدة من شرق وجنوب أفغانستان. بل إنها فرّخت في الباكستان طالبان محلية لا تقلّ خطورة، وهي التي تولّت اغتيال رئيسة الحكومة السابقة بناظير بوتو. وقد تمكنت طالبان الباكستانية من اختراق تنظيم مجاهدي كشمير ومن ثم توظيفهم في برنامجها الإرهابي، فكانت عملية مومباي.
ومنذ عام 2001 حتى استقالة الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف في العام الماضي، كان الجيش الباكستاني يخوض حرباً ضد طالبان الباكستانية. أما الآن فإن كل العالم يعرف أن جهاز الاستخبارات العسكري الباكستاني أصبح مخترقاً من طالبان الباكستانية، وبالتالي من تنظيم القاعدة. وقد انكشف هذا الاختراق من خلال محاولة اغتيال الرئيس الأفغاني حميد كارازي، ومن ثم من خلال عملية مومباي. وإذا ما أضيف الى كل هذه الوقائع واقعة عدم العثور على أسامة بن لادن حتى الآن، يمكن التساؤل بقلق وليس بشماتة: هل ان الحرب على الإرهاب كانت حتى الآن على الأقل - انتصاراً للرئيس بوش أم أن إخفاقاته صبّت في تعزيز موقع الإرهابيين، وفي تشجيعهم على المضي في غيّهم؟.
لا شك في أن أفضل هدية قدمها الرئيس بوش للإرهاب تتمثل في اجتياح العراق. فقد أعطى شرعية وطنية ودينية لمقاومة الاحتلال، وبالتالي لتدويل الإرهاب في كل مكان يوجد للولايات المتحدة فيه حضور أو مصالح.
والتلفيقات التي فبركت لتبرير الاجتياح، ومن ثم افتضاحها، واعتراف الرئيس الأميركي نفسه بانه وقع ضحية معلومات كاذبة (وليس ضحية معلومات خاطئة) منح المنظمات الإرهابية الفرصة الذهبية لتوسيع قاعدتها الاستقطابية من مقاتلين ومؤيدين ومتعاطفين. فأساء الرئيس بوش بذلك للولايات المتحدة، وللعراق، وللحرب على الإرهاب!!.
الآن ومع وصول- أو قرب وصول الرئيس المنتخب باراك أوباما الى البيت الأبيض لا بد من التأكيد على الأمور التالية:
الأمر الأول هو أنه لا يمكن للحرب على الإرهاب أن تنجح إذا لم يكن العالم الإسلامي في الخندق الأمامي لهذه الحرب. ولكن ذلك يستحيل إذا استمرت الولايات المتحدة في ربط الإرهاب بالإسلام. وإذا اعتقدت أنها من خلال الحرب تستطيع أن تبتزّ الدول الإسلامية سياسياً أو مالياً.
الأمر الثاني هو أن المشاركة الإسلامية في الحرب على الإرهاب لا تكون مشاركة فعالة ما لم تكن الشعوب الإسلامية منخرطة فيها بكيفية أو بأخرى. وهذا لا يتحقق مع استمرار حالات:
- الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان.
- الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولمناطق سورية ولبنانية.
- الاحتلال الهندي لكشمير.
فالأولوية هي للتحرير. ولكن مع استمرار الاحتلال فإن الإرهاب سوف يجد دائماً مبررات تشكل في حدّ ذاتها أرضاً خصبة للنمو والانتشار.
الأمر الثالث هو أن الاعتماد على الحكومات وليس على الشعوب ثبت أنه لم يعطِ النتائج المرجوة. وإذا كانت ضرورات بعض الأنظمة التعاون مع الدولة المحتلة، فإن خيارات الشعوب في هذه الأنظمة تتجه للتعاون مع مقاومة الاحتلال. وهذا ما يفسر اختراق حركة طالبان الباكستانية لجهاز مخابرات الجيش الباكستاني.
من هنا أهمية أن يعمل الرئيس باراك أوباما على تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وعلى سحب القوات الأميركية من العراق مع المحافظة على وحدته الوطنية التاريخية، والضغط على الهند لمنح الكشميريين حق تقرير المصير وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
صحيح أن هذه القضايا صعبة وشاكئة ومعقدة، ولكن آن الأوان لحلّها بعد أن دفع العالم كله ثمناً باهظاً لتجاهلها. فالحلّ لا يستعصي أمام الإرادة البناءة. وهو ما لم يحاول أن يقوم به الرئيس السابق جورج بوش. وهو ما يؤمل أن يقوم به الرئيس العتيد باراك أوباما. أم أن ذلك سيبقى أضغاث أحلام؟.