بقلم: مسعود بارزاني
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة الى الأوساط العربية الشعبية والرسمية من أجل إزالة الإلتباسات في الفهم وتعزيز التفاهم المشترك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني بمناسبة حلول السنتين الجديدتين الهجرية والميلادية أن اقدم اجمل التهاني الى جميع الأخوة المسلمين والمسيحيين في العالم كافة وفي العراق خاصة. راجياً من الله تعالى أن يُعيد هاتين المناسبتين على الجميع بالخير والسلام والإزدهار.
وانتهز هذه الفرصة لإوجه هذه الرسالة اليكم آملاً أن تساعد في توضيح الصورة ورفع الإلتباس.
لسنا في حاجة الى مزيد من التفاصيل في شرح وشائج العلاقات بين الشعبين الكردي والعربي في الشرق الأوسط، لاسيما في العراق الفدرالي، فهي علاقات تأريخية وثقافية وإجتماعية ودينية امتزجت بطموحات وأهداف سياسية مشتركة من اجل الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، طالما جرى الحديث عنها.
ومما يبعث على الإرتياح أن الطرفين إنتهيا الى التعايش السلمي على اساس إتحاد إختياري ديمقراطي حر مزدهر، وذلك على أساس الإعتراف الدستوري والقانوني والسياسي بحق شعب كردستان في إدارة شؤونه على اساس هذا الإتحاد الفدرالي. وهي تجربة ديمقراطية إنسانية فـذّة يقدمها العراق الجديد، بعد تحرره من الدكتاتورية والسياسات الشوفينية، وستكون منارة لشعوب ودول الشرق الإسلامي.
لذا فإن مسؤولياتنا المشتركة مضاعفة إزاء إنجاح هذه التجربة القائمة أساساً على حرية الإختيار والممارسة الديمقراطية.
وبفضل هذا الإختيار الصحيح للفدرالية الديمقراطية فقد توزعت الحقوق لتشمل بقية المكونات: (التركمان، الكلدان، الآشوريون، السريان)، ولاشك في أن النظام الفدرالي الديمقراطي يتكامل فقط حين تتمتع جميع المكونات في البلاد بحقوقها حسب الدستور ووفق إمكاناتها ومواقعها. فإن إحترام حقوق الأقليات، السياسية أو القومية أو الدينية هو المحك لتجربتنا في العراق الجديد.
أما العلاقات العربية الكردية فقد مرت عبر التأريخ باشكال متباينة شابها أحياناً كثيرة تجاهل دور الكرد وإنكار حقوقهم وكبت آرائهم بالعنف والقوة والإستبداد، بينما قامت علاقات طبيعية هادئة في أحيان أخرى، وتطورت وشائج ثقافية متنوعة بين الطرفين.
وساهم الكرد في اغناء الثقافة الإسلامية والعربية في شتى حقول المعرفة والادب والتأريخ والدين وحتى في اللغة العربية ذاتها.
كما ساهم الكرد مساهمة فعالة في بناء الحضارة في مختلف بلدان المنطقة، وشاركوا في الدفاع عن حرية وإستقلال هذه الشعوب إزاء الحملات والغزوات من خارج المنطقة وقدموا زعماء وقادة تأريخيين معروفين أبرزهم صلاح الدين الأيوبي، وبرز بين الكرد خبراء وعقول كبيرة في مضمار إدارة الدولة وفنون الإعمار والبناء وقيادة الجيوش، فقدموا مساهمات مشهودة في مختلف عهود الخلافة والامبراطوريات، رغم أن الكرد تعرضوا الى الحرمان والتجاهل والإضطهاد في معظم هذه العهود.
لازال الشعب الكردي في مقدمة المناضلين والدعاة الى إشاعة الحرية وحقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية في دول الشرق الأوسط، فهو يرى ان انتصار الديمقراطية والعدالة هو أقرب طريق الى نيل الحقوق القومية والإجتماعية وإزالة ما لحق به من غبن واجحاف عبر التأريخ.
وأقرب شاهد على النهج الديمقراطي للشعب الكردي هو تبني حركة التحرر الكردي شعار الديمقراطية للعراق وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الكردي اذ كان واضحاً لدى القيادة الكردية انه لا حل للمشكلة الكردية ولا لمشاكل العراق الأخرى بدون إحلال الديمقراطية في العراق.
وجعلت القيادة الكردية المصالحة الوطنية وإعتماد روح التسامح من الثوابت. وأكد على هذا المبدأ في مختلف المناسبات واجتماعات المعارضة العراقية قبل سقوط النظام.
وبعد تحرير العراق عام 2003 دعونا الى عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية وتنظيم مؤتمر بذلك في اربيل بتأريخ 26.27/آذار/2004 ولازلنا ندعو الى هذه المصالحة بغية تعزيز الديمقراطية والفدرالية، ونحسب أن عملية صياغة الدستور الدائم والإستفتاء عليه بالشكل الديمقراطي الحر الذي جرى، هو بمثابة أهم خطوة دستورية قانونية على طريق المصالحة الوطنية، التي ينبغي أن تتعمق على أساس التفاهم المتبادل وإحترام كل طرف لحقوق وخصوصيات الطرف الآخر.
من هنا يأتي حرصنا الشديد على صيانة الدستور نصاً وروحاً.
إننا لانسعى الى الإنتقام لكننا ندعو ونؤكد على ضرورة توثيق الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي وخاصة ما ارتكب منها بحق الكرد بدأً من تدمير 4500 قرية والإبادة الجماعية بحق الفيليين والبارزانيين وحلبجة وعمليات الأنفال.
إننا ندعو الى تحقيق العدالة وإنصاف المظلومين وتعويض ذوي الضحايا، وان ذلك وحدة قد يساعد على التئام الكثير من الجروح المؤلمة التي أحدثتها الممارسات الوحشية التي نفذها النظام السابق دون وجه حق.
ان المنصفين والمطلعين من ابناء العراق يتذكرون ان إقليم كردستان العراق كان شبه مستقل قبل عام 2003 وقد اختار الإندماج في إتحاد إختياري عراقي مفضلاً بذلك نظاماً ديمقراطياً متقدماً على أساس التعايش السلمي فأنخرط في العملية السياسية العراقية بنشاط. وبذلك تحقق ما دعـا اليه مصطفى البارزاني عام 1943 حين وجه بياناً تأريخياً معروفاً الى الشعب العراقي وقال فيه وهو يخوض المقاومة ضد هجمات القوات الحكومية العراقية والبريطانية، أنه ((لايحارب العراقيين)) بل يحارب مظالم العهد الملكي البريطاني، وانه يدافع عن حقوق كل العراقيين.
وكرر البارزاني ذلك في جميع الفترات اللاحقة وحتى آخر يوم من حياته، وحرص على الدوام، سواء في فترات المقاومة المسلحة أو المفاوضات السلمية، الى تحقيق الديمقراطية لكل العراقيين وإطلاق الحريات ونبذ العنف والكراهية وتعزيز الأخوة العربية الكردية ودعا في وقت مبكر من ستينات القرن الماضي إلى إقامة نظام برلماني عراقي. لذلك انضم في فترات مختلفة أشخاص واحزاب وشخصيات عراقية بإنتماءات فكرية مختلفة الى جبهة التعاون مع الثورة الكردية بقيادة البارزاني.
ان تضامن ومساندة هؤلاء السياسيين والمثقفين والمناضلين العرب العراقيين للحركة التحررية الكردية خاصة منذ عام 1961، كان ولازال رأسمالاً فكرياً غنياً يعزز إمكانيات التعايش السلمي على اساس الإتحاد الإختياري.
ونتذكر في هذه المجال بكل إعتزاز الموقف العظيم الذي وقفة سماحة الإمام محسن الحكيم (رضوان الله عليه) عندما حرم مقاتلة الكرد وتدمير قراهم. والشخصية الديمقراطية البارزة عزيز شريف دعا منذ عام 1952 الى الحل الفدرالي للمسألة الكردية وأصدر كتاباً بذلك مؤكداً على حق الأمة الكردية في تقرير المصير.
ونشير بتقدير الى دور الشيخ الراحل ناظـم العاصي ودعواته الجريئة الى الإعتراف بحقوق الشعب الكردي. وإنهاء القتال.
إننا نعتبر التضامن العربي مع الشعب الكردي سواء في العراق أو على مستوى المنطقة هو خير معين لنا للاصرار على التعايش السلمي المشترك.
فنتذكر بإعتزاز الموقف التضامني للأمين العام السابق للجامعة العربية عبد الرحمن عزام الذي طالب العرب عام 1943 للتضامن مع المطاليب والحقوق العادلة للشعب الكردي. وقد تلاه مسؤولون ومثقفون عرب في إتخاذ هذا الموقف التحرري ابرزهم الراحل جمال عبد الناصر والراحل الملك فيصل والراحل الملك حسين والراحل حافظ الأسد والأخ معمر القذافي.
وإننا إذ نحيي كل شخصية سياسية وثقافية عربية، كل كاتب وفنان وصحفي عربي، كل حركة وحزب عربي حيثما كان، عبّر في أية مرحلة عن تضامنه مع الكرد في كفاحهم ومحنهم خاصة أيام الشدة عام 1963 وما تلاه أثناء عمليات الأنفال والقصف الكيمياوي. كما نحيي كل اولئك الطيبين الديمقراطيين من العرب في العراق وخارجه ممن أيدوا التجربة الديمقراطية وإعلان الفدرالية في كردستان منذ عام 1992، حتى صدور الدستور الدائم.
ولاشك في أن المنصفين من العرب يتذكرون كيف تعاملت الجبهة الكردستانية وجماهير كردستان مع أبناء مؤسسة الجيش العراقي والمنتسبين الآخرين بعد إنتصار إنتفاضة آذار 1991 وكيف حافظت قوى الجبهة الكردستانية على حياة عشرات الألآف منهم بعد أن أستسلموا، وشاركوهم الحياة في ظروف معيشية صعبة، وكيف كانت الجبهة الكردستانية توجه مواطني كردستان لإحتضان وإحترام العوائل العربية القادمة من بغداد وغيرها من المدن هرباً من جحيم الحرب عام 1991.
ورغم كل محاولات التشويه وقلب الحقائق من قبل اعداء الديمقراطية والأخوة العربية الكردية فإن مواطني الموصل وكركوك وديالى بعد التحرير عام 2003، يعرفون جيداً كيف قامت قوات البيشمركة بحمايتهم ومنعت وقوع اعمال انتقامية.
ان هذا المستوى من الفهم المشترك للتعاون معاً لم يحصل فجأة ودفعة واحدة، بل ان روح التعاون والتفاهم ولدت نتيجة كفاح طويل شاق من التضحيات والتسامح.
اما الأمر المؤسف اليوم فهو ان بعض الشوفينيين والمتطرفين المتعصبين الضيقي الأفق من بعض الشرائح والأوساط العربية وفي أجنحة معينة في الحكومة الفدرالية تحاول إختطاف هذه الروح المشتركة وإفراغ العلاقات الأخوية التأريخية من محتواها، وإحلال حالات متشنجة جديدة مفعمة بالإستفزاز وإثارة النعرات القومية الضارة وإثارة جروح الماضي.
نناشد المخلصين من احزاب وعشائر ومنظمات مدنية ومهنية وديمقراطيين أحرار الواعين لاهمية المرحلة ومؤيدين للنظام الفدرالي الديمقراطي والتعايش السلمي، نناشدهم للتكاتف والعمل معاً بغية فضح وإدانه أي عنصر وأي إتجاه مستفز للمشاعر، ونكرر دعوتنا الصادقة الى تعزيز الكفاح لإنجاح المصالحة الوطنية الشاملة وحل المشكلات على اساس الدستور والقانون والحوار الديمقراطي والشراكة الفعلية والمتوازنة، وندعو الى نبذ العنف، ونبذ الكلام الخشن في لغة الإعلام والصحافة والتصريحات، بغية قطع الطريق على كل من يحاول تحويل المشكلات الى خلافات عربية كردية. ويعمل على احياء الدكتاتورية وعلينا جميعاً إستخلاص الدروس والعبر من تجارب الماضي.
والسلام عليكم
أخوكـم
مسعود بارزاني
1/1/2009