إثارات الأخ المالكي ورغبته في تغيير بعض بنود الدستور في هذا الوقت بالذات ، نعتبره حق يُراد به باطل ، فالتغيير من حيث هو حاجة يتطلبها الواقع الإجتماعي وما طرأ عليه ، لذلك كنا نحن مع غيرنا منذ البداية ، أو قل منذ ان طرح هذا الدستور للتصويت عليه ، وقد رافقنا في تلك المرحلة سؤال أو مجموعة هواجس حول إمكانية هذا الدستور على خلق أو في مجتمع الوحدة الوطنية الخالصة
حيث كنا شهوداً على الطريقية والكيفية التي تمت بها كتابة الدستور ، وكنا شهوداً على طبيعة الفكر الذي أنتج ذلك الدستور ضمن شروطه الزمانية والمكانية التي حددت الكثير من فقراته وبنوده ، ومنذ ذلك الحين جاءت الشكوى منا بعدم أهلية هذا الدستور ليحقق واجبه الوطني الذي أُنيط به ، وعدم الأهلية هذه تعود للطبيعة العنصرية والمذهبية التي أفرزته أو لنقل للعقلية التي أنتجته .
ولما هب عرب العراق من أهل السُنة في وجه هذا الدستور المبتور ، الذي أسس للخلاف وصار معه قيام المصالحة الوطنية ضرب من الخيال - -وحين طالبوا بتغييره أو تغيير بعض بنوده - ثارت ثائرة الأحزاب الشيعية وقالوا : بصوت واحد ان ذلك الدستور هو الصورة المقدسة التي أرتبطت بدماء الشهداء والممضى عليه من قبل الشعب بإستفتاء عام ، ولهذا فلا يجوز الحديث عن تغيير في بنوده أو فقراته ومن يقل بذلك فهو بعثي لعين !!!
، هكذا كان الجواب حاضر في إذهان البسطاء من الناس وحاضر في وجه من يدعو للتغيير ، لكن اليوم نرى إن المالكي من دون مقدمات يصر على التغيير إصراراً ، ونسى أو تناسى قيمة الإستفتاء التي كان يُقال عنها ، ونذكر جيداً كيف إن البعض من رجال المؤوسسة الدينية ربط ذلك الدستور بكتاب الله المجيد وبوصايا المعصومين .
نعم نحن وغيرنا الكثير كان يدري إن ذلك إستغفال متعمد للناس وخلط قهري لما هو واجب بما هو حرام ، واليوم ينقلب هذا الجيل من العبثيين على إنفسهم ليقولوا لنا قد حان الوقت للتغيير بعد ما إستطعموا حلاوة الملك والسلطان ، الذي لم يحلموا به ولا في الخيال ، ولذلك وجرياً على عادة سلاطين العرب في تغيير القوانيين والنظم والدساتير كي تؤهلهم للبقاء في الحكم حتى قيام الساعة يجري الحديث سجالاً عن واجب التغيير ، والأمر عندهم لا يتطلب سوى نعيق في شاشات التلفزيون عن الديمقراطية وعن المصالحة وعن العيش المشترك ،وهذا كما يقولون أقصى مايريده الغرب وأمريكا .
فالحديث عن الديمقراطية عندهم هو الديمقراطية عينها ، ولهذا نشاهد الكيفية التي يتم بها إستلال مجموعة من عبارات التمجيد في الجيش وقوى الأمن التي تصب في مصلحة ووفق شهوة مايريدون وإلاّ فالسيادة هي غير هذا تماماً .
ونذكر من يهمه الأمر هاهنا إن رغبة التغيير ليست شهوة حكم بل هي ضابطة قانونية وهي ليست شعار تعبوي يُراد منه كسب المزيد من الأصوات في ساحة المواجهة مع الخصم أو مع الإئتلاف ، ولكي يكون للكلام معناً مقبول يجب إن يراجع كلامه مرات :
فيما يخص الموقف من الطائفية والقومية ، إذ ذاك يستدعي لزوماً خروجه وتنحيه عن الحكم لأنه قد جاء للحكم باثر ذلك ، إذ هو لم يأت عن طريق النضال والجهاد الشعبي ، ولم يأت للحكم عن طريق الإنتخابات الديمقراطية النزيهة وإن كان ناسياً نذكره !! .
وهذه لازمه أوليه وشرط موضوعي وقيمي على من يود الحديث عن كبريات واجبة وطنية كانت أو دينية ، وللتذكير فقط نقول ان جميع من في أركان المنطقة الخضراء مشمولين بهذا الحكم ، لكونهم قد جاءوا بفعل نظام المحاصصة الطائفية والعرقية سيء الصيت ، وعلى من يتشدق بدعاوى التغيير نقول له : - إن فاقد الشيء لا يعطيه – فأنى لك كل ذلك ؟ ومن أين أتيت لنا بكل هذا الإنقلاب على الدستور ؟ ..
إنه العبث السياسي الذي يأتينا به رجال هذا الزمان ، نسمعه بعدما نفقد روح التشاور ونلبس روح التعصب ، ويسود في فريقنا جوقة من المهرجين والجهلة ذوي التاريخ الأسود سيئيء الصيت ، ان ما يريده المالكي حق مفروغ منه ولكن ليس بصيغتة التي يطرحها بل بصيغة جديدة تُعيد لكل ذي حق حقه يكون فيه الدين لله والوطن للجميع .