كما شجع نجاح التدخل الأمريكي للإطاحة بحكم الرئيس الإيراني محمد مصدق عام ،1953 على التدخل الأمريكي ضد كاسترو عام ،1961 فإن بعض الخبراء والاستراتيجيين الأمريكيين يرون أن تلك السابقة تشجع اليوم على التدخل للإطاحة بالبرنامج النووي الإيراني.
وإذ لعب خبراء بيروقراطيون في إدارة كنيدي دوراً مهماً في حضها على التدخل ضد حكومة كاسترو فزجوا بها فيما اعتبره ايرفنغ جانيس في دراسة وضعها حول “خليج الخنازير” نموذجاً للفشل الكامل، فإنه يخشى أن يلعب بعض من ترشحه التوقعات لتبوؤ مناصب مهمة في إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما دوراً مماثلاً لخبراء “خليج الخنازير”.
في هذا السياق تقول كارول جياكومو، الكاتبة والمعلقة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إنه بينما كانت حملة أوباما الرئاسية توحي بأن الخيار العسكري ضد إيران مستبعد، فإن الخبراء المشار اليهم أعلاه أبدوا آراء مغايرة أدخلت في الحسبان لأنها لاقت تحبيذاً من قيادات جمهورية وديمقراطية معاً. وتشير جياكومو هنا إلى دراسة أكدت أهمية الخيار العسكري أسهم في وضعها دنيس روس، منسق شؤون الشرق الأوسط في إدارة كلينتون وكبير مستشاري أوباما لشؤون الشرق الأوسط، ودراسة أخرى أعدها آشتون كارتر، الذي كان أحد موظفي البنتاغون الكبار خلال إدارة كلينتون أيضا. كذلك أشارت جياكومو إلى ملاحظات مماثلة أدلى بها ريتشارد دانزغ المرشح لتولي منصب وزير الدفاع في إدارة الرئيس أوباما (هيرالد تريبيون الدولية 4/11/2008). المشترك في كل هذه الدراسات والأقوال والمواقف هو أنها لم تغلق الباب أمام خيارات التفاوض والضغوط السياسية والاقتصادية، ولكنها من جهة أخرى، تنبه إلى قلة فاعلية هذه الضغوط والخيارات، وتؤكد ضرورة إبقاء الخيار العسكري جاهزاً وقابلاً لوضعه موضع التنفيذ، إذا ما بدا أن ساعة ولادة القنبلة الذرية الإيرانية قد دنت. وإذ يتردد أن هذه الساعة باتت قريبة أي خلال عام ،2010 فإن الكثيرين في واشنطن وعواصم دولية أخرى يتوقعون أن يشهد مسرح العلاقات الغربية الإيرانية فصولاً ساخنة وربما متفجرة خلال العام المقبل.
في خضم هذه التطورات المحتملة، أين تقف القيادات العربية الفاعلة في المنطقة؟ وأين المصلحة العربية؟ لقد سعت إدارة بوش إلى أن ترسم هي لبعض القيادات العربية دورها في الصراع حول البرنامج النووي الإيراني. وترجمت إدارة بوش هذه الرغبة إلى تحرك ملموس عندما دعت دولاً عربية إلى الاشتراك مع “إسرائيل” في إقامة “حلف البنائين” ضد إيران. غني عن الشرح أن هذا الحلف لا يخدم المصلحة العربية وإنما يخدم المصلحة الأمريكية “الإسرائيلية” المشتركة. أما المصلحة
العربية فيمكن تحديدها عبر المبادئ الرئيسية التالية:
أولاً: حماية المنطقة من المغامرات العسكرية ومن الحروب والدمار. إن المجابهة العسكرية مع إيران سوف تؤدي إلى مضاعفات خطيرة في العراق، الخليج، ولبنان على الأقل. إن المنطقة العربية لا تزال حتى الآن تعاني من مضاعفات الحرب العبثية ضد العراق، وإعلان الحرب ضد إيران سوف يجر المنطقة إلى مضاعفات أكبر بكثير من تداعيات والآثار الكارثية للحرب على العراق.
ثانياً: حماية المنطقة من سباق التسلح النووي. إن هذا السباق سوف يؤدي إلى تحويل قسم كبير من الموارد البشرية والمادية في المنطقة إلى برامج التسلح بينما هي في أمس الحاجة إلى تحويل هذه الموارد إلى مجالات التنمية. من أجل تجنيب المنطقة هذا المآل فإنه حريّ بالدول العربية أن تفيد من الجدل القائم حول البرنامج النووي الإيراني من أجل تنظيم حملة عالمية لتحويل الشرق الأوسط إلى “منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل”. هذا الموقف يضع القضية في إطارها الدولي والإنساني السليم فضلاً عن أنه يخدم مصالح العرب والإيرانيين معاً كما يؤكده مسؤولون من الجهتين منهم منوشهر متكي وزير خارجية إيران.
* ثالثاً، إن ضمان أمن المنطقة واستقرارها يتم عبر تفعيل وتطوير النظام الإقليمي العربي وخاصة القمة العربية ومجلس الأمن والسلم العربي المستحدث، هذا مع العمل في الوقت نفسه على تطوير العلاقات مع دول الجوار وخاصة تركيا وإيران، واحتواء “إسرائيل” وما تمثله في المنطقة من نزعة توسعية وعدوانية. إن تطوير العلاقة مع دول الجوار لا يعني، بالضرورة، التغاضي عن المشكلات القائمة بين العرب وجيرانهم مثل قضية الجزر الثلاث التي تؤثر في العلاقات العربية الإيرانية، ولكنه يعني النظر إلى هذه القضايا في إطار سلم اولويات دقيق، وسعي دؤوب من اجل التوصل إلى حل نهائي لهذه العقد.
كيف يمكن ترجمة هذه المبادئ إلى مبادرات فعلية؟ المدخل لمثل هذه المبادرة هي في عقد جلسة عاجلة وطارئة لمجلس السلم والأمن العربي لاتخاذ موقف مشترك من مسألة الخيار العسكري ضد إيران، ومن ثم لإطلاق الحملة من أجل “شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل”. إن أصداء هذا الموقف في طهران سوف تكون افضل بما لا يقاس من أصداء انخراط دول عربية مع “إسرائيل” في “حلف البنائين” الموجه ضد إيران تحديداً.
ان الاحتكام إلى المبادئ المشار اليها أعلاه واتخاذ الدول العربية موقفاً مشتركاً بعيداً عن الخيار العسكري والخيارات المغامرة التي قد تلجأ إليها “إسرائيل” وإدارة بوش سوف تكون له نتائجه الإيجابية على صعيد المنطقة ككل. ومن الأرجح أن تؤثر المواقف العربية السليمة هنا في مجرى الانتخابات الرئاسية في إيران. ففي هذه الانتخابات ينقسم الجسم الانتخابي الإيراني إلى إصلاحيين ومحافظين. الإصلاحيون ليسوا أقل من المحافظين حرصاً على مصالح إيران وعلى مكانتها الدولية، إلا أنهم حرصاً على هذه المصالح يبدون أكثر حذراً في مسألة الاستخدامات المتعددة الأوجه للطاقة النووية. إن هذا الموقف ينسجم مع المصالح العربية والإيرانية. ولا ريب أن الإصلاحيين الإيرانيين سوف يفيدون إذا اتخذت الدول العربية موقفاً موحداً ضد الخيار العسكري، وإذا باشرت حملة بغرض تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. هذا الموقف سوف يسهم في إغلاق أبواب المنطقة في وجه خيار الحرب التي يدخل منها المغامرون والامبرياليون الجدد في واشنطن و”إسرائيل”.