هذه جدلية يطرحها الناس بين الفينة والأخرى عن صلاحية واستعداد وكفاءة رجل الدين للسياسة أو لكي يكون سياسيين ..
وهنا يجب التذكير بان هذا المفهوم الذي نطرحه :
هو ليس مقالاً وحسب ، إنما هو عنوان عام نطرحه للبحث و النقاش ، بعدما كثُر الحديث عن قدرة رجال الدين على تطويع السياسة والإنغمار في خلواتها - و تجربة إيران - عندهم شاهد على تلك القدرة وعلى الصمود في وجه عالم متغير ، هذا الهاجس أو قل هذه الرغبة ولّدت وإنتجت سلسلة من أحزاب وحركات دينية خاضت في السياسة وغمرتها في منطقتنا العربية والإسلامية ، فخربت عقول البسطاء منا ولم تعمر لنا ديننا ولا حُسن نوايانا في الدين ورجاله ..
لهذا أقول إن : [ رجل الدين لا يصلح للسياسة ولا يصلح للدين في وقت واحد ، فحبان لا يجتمعان في قلب واحد !! ] ..
وهنا إنما أتحدثُ عن جملة مفاهيم وعلاقات مركبة مع بعضها ، فالدين : كما أعرفهُ هو مجموعة قيم ومثُل أخلاقية هدفها الأول هو حماية الإنسان والحفاظ عليه ليكون صالحاً غير مُدنس ، والسياسة : كما يُعرفونها هي فن الممكن ،، وهي بذلك تخرج من كونها أداة أخلاقية في سلوكها وفي تعاملها في أغلب الأحيان ، ولايمكنها لذلك ان تؤوسس لمجتمع فاضل أو تُساهم في ذلك ، ومن يقول غير هذا واهم جداً ، هكذا هي وحسب تعريفها المتقدم ، ولهذا قلت بعدم صلاحية رجل الدين للسياسة وعدم صلاحيته للدين ، إن أراد ان يجمع بينهما في ممارساته وسلوكه ...
ونحن في توجهنا لهذا الأمر إنما نحاول ان نُميز بين الدين من جهة وبين رجاله من جهة أخرى ، وكذا نُميز بين السياسة من جهة ورجال الدين من جهة أخرى ، والتمييز هذا أو قل التفريق هذا الذي نتبناه قائم على أساس الطبيعة الموضوعية للدين من حيث هو وللسياسة من حيث هي ، ونحن هنا إنما نحاول فك هذا التداخل وهذا الترابط الذي يُروج له بينهما في ذهن الناس ، ونُريد كذلك توجيه الأنظار إلى مدى الخطورة من تدخل رجال الدين في السياسة والدين في وقت واحد .
فلو حصل هذا في أية بلد ما سيربك فيه حركته وتطوره ، وسيوقع المجتمع بجملة من التناقضات والإشكاليات الغير قابلة للحل ، والغير قابلة للتبرير نقول هذا بعد مشاهداتنا للأرباك الكثير من الدين ومن رجاله المزيفين ، الذي حول القناعات البسيطة إلى نفور كبير ، وهذا الشيء نفسه الذي ولّد لنا سلسلة من النتائج الباهضة الثمن على المستوى الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والنفسي و البنيوي حتى ..
فالسياسة : كما قلنا هي فن الممكن كما يُطلق عليها في العادة ، وهي هنا في تعريفها هذا ليست أيديولوجيا أو عقيدة يمكننا الركون إليها أو التحاكم على ضوئها ..
لكن الدين : هو مذهب أخلاقي وقيمي إعتقادي ، أي إنه ليس فن الممكن ، بحيث يمكننا تغيير قناعاتنا حسب المصالح المتغيرة في الزمان والمكان .
والإتكاء على تجربة الرسول محمد – ص – في هذا الشأن ليست على ما ينبغي ، إذ عندنا لم يثبت إن الرسول قد مارس السياسة في مفهومها الدارج ، ولم يدمج بين المصلحة والقيم الإلهية في الشكل القلق الذي تفرضه الحادثات المتغيرات ، أضف إلى هذا علمنا اليقين بان الرسول – ص – لم تكتمل في حياته الرسالة ولم يكتمل الوحي إلاّ في الأيام الأخيرة من حياته ، فهو في هذا كان داعية لمشروع القيم الأخلاقية والقيم الإلهية ، وفرق كبير بين ان يكون داعية لا يحق له ممارسة أعمال مخالفة لمنطوق نصوص واضحة تطالبه بحزم بعدم النطق من دون الأستماع للوحي ، وبما ان الوحي غيب بالنسبة له فهو لذلك لم يجرؤ على ممارسة دوراً غير مطلوب منه .
كما إن الإتكاء على تجربة الخلفاء الأربعة ليست على مايرام إذا ما تتبعنا خطوات التاريخ الصحيح لمراحل حكمهم ، ولعل البداية الجليّة مع خلافة أبي بكر التي - وقى الله شرها - الناس كما يقول عمر ، ثم طاحونة الحرب الأهلية والصراع على السلطة بين المتنافسين ، وتجذر ذلك الصراع في أشكاله الدموية البالغة الفداحة بقتل الإمام الحسين – ع - وإفساح المجال أمام سلطة وهيمنة الحكم الملكي البغيض على الشأن العام .
فهي إن قرأناها بدقة وبعيون محايدة سنجد أنفسنا أمام مرحلة ظالمة بددت التوجه الصحيح ، وبنت محله ذلك التمزق الذي نعيشه في وعينا ووجدننا ، من أجل هذا كله يجب إعادة النظر في نوايانا الحسنة وإندفاعاتنا الغير موجهة بتعاليم بنيوية صحيحة .
بلحاظ ما نرى ونشاهد من تجنيات مارسها رجال دين بأسم الدين في ظل الحكم والسلطان ، وما أظن عاقلاً ينكر ذلك ، لا في تاريخينا البعيد ولا في تاريخينا القريب والمعاصر ، لذلك نحن مع ديننا في حمايته من تفسيرات مخاتلة وتأويلات سيئة ، ونحن معه لا مع من يّدعون إنهم من رجاله ، فالدين كما نفهمه حق ليس له رجال ..