أثبتت الوقائع المباشرة نجاح الحملات العسكرية للحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي ضد من أسمتهم بالخارجين على القانون، وبهذا العنوان أرادت الحكومة أن تتلافى تسمية بعض من شركائها في العملية السياسية ممن لا يخفى، ليس على الحكومة فقط وإنما على الرأي العام العراقي،
تورطهم في أعمال العنف والإرهاب. وبذلك تكون حكومة المالكي قد تخلصت من الإحراج الذي تجد نفسها في مأزقه فيما لو عمدت إلى الإشارة المباشرة إلى أطراف محددة ضالعة في المواجهات، كما ان من شأن تسمية عريضة كهذه ان تتيح لها حرية التعامل مع هؤلاء ومواجهتهم إذ لا جدال في عدالة قضية مثل معالجة الخارجين على القانون لما يشكلونه من خطر على حرية المواطن وأمنه واستقراره، وإن كانت هذه الجماعات هي كذلك بالفعل أي متحللة من الالتزام بأي قانون أو رادع إلا ان الحقائق كما تكشفت وعلى أكثر من صعيد، تشير أيضاً إلى تورط الكثير من "التنظيمات" التي اندرجت تحت مختلف التسميات بأعمال لا تخرج بأي حال من الأحوال عن دائرة الإجرام متمثلة بالخطف والقتل والسرقة والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة مضافاً إلى ذلك استهداف الكوادر الثقافية والعلمية بشكل خاص واستهداف النساء وقتلهن بأبشع الطرق كما شاع وحدث في البصرة ولسنوات طوال قبل أن تنهض الحكومة العراقية بواجبها المؤجل كثيراً وتستعيد البصرة المدينة الاستراتيجية والحيوية في العراق على أكثر من صعيد من أيدي عصابات وميليشيات وتيارات متفرقة لكنها تلتقي على هدف واحد هو الاستئثار بالمدينة وإخراجها من العصر الذي تعيشه بل من الحياة بأسرها تنفيذاً لأهداف هي "سياسية" في المحصلة أملتها في الغالب إرادات خارجية.
لقد كان للصمت الطويل الذي "تحلت" به الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ ما بعد نيسان 2003 وحتى فترة وجيزة قبل ما عرف بعملية "صولة الفرسان" في البصرة ثمنه الفادح جداً دفعه المواطن العراقي ذاته أولاً وأخيراً على امتداد العراق وليس البصرة فقط لما للمدينة من أهمية اقتصادية باعتبارها بوابة العراق الجنوبية وميناءه. ان الخروج عن الصمت وتسمية الأشياء بأسمائها بتوجيهها الاتهامات إلى مختلف الميليشيات وعلى رأسها ميليشيا ما يعرف بالتيار الصدري كان خطوة الحكومة الأولى المطلوبة والمتأخرة كثيراً اما بسبب عجزها الحقيقي عن مواجهة مثل هذه العصابات المسلحة أو مراعاة لمصالحها التي أملتها أصلاً طبيعة التحالفات السياسية الشوهاء التي جمعتها. وإذ تنبهت الحكومة أخيراً إلى هذه المعضلة وغلبت المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر وهو ما يفسر الالتفاف المشهود من قبل الفرقاء السياسيين قاطبة، الا ان المفارقة الآن هي ان صمتاً آخر يسري من قبل الحكومة وهو لا يقل تكلفة عما حدث في البصرة والموصل وباقي أجزاء العراق التي عانت ما عانته هاتان المدينتان. فالحكومة تلمح تلميحاً إلى تورط دول خارجية في ما يحدث في العراق دون تسميتها، وإذا سمى أحد من المسؤولين دولة ما كإيران، سارع المسؤول الثاني إلى التخفيف والتلطيف من وقع الاتهام ملتمساً الأعذار هذا اذا لم يُنف الاتهام كلية ويستبدل بإطراء دور ايران في مساعدة تترجم تدخلاتها إلى موت مباشر يطاله ويضيق عليه كل السبل.
فمتى يكون الاتعاظ مما حدث طوال ما مضى من صمت ومداراة لميليشيات وتيارات وعصابات تداركتها الحكومة بتسمية الخارجين على القانون؟.
ان المواطن العراقي ينتظر من حكومته تسمية الدول الخارجة على القانون أيضاً. فهل سيطول الانتظار وهل سيكون مجدياً أصلاً؟.
(*) كاتب من العراق