ليس ثمة شيء يمكننا تأييده من دون تحفظ أو يمكن قبوله من دون مواربه غير هوية العراق ووحدة شعبه ووحدة أراضيه ، وهذا الأمر كما إنه شيء مصيري بالنسبة لنا ، كذلك فهو عندنا يعني قيمة مستقلة بذاتها ، لذلك فهو يتطلب :
أولاً تعيين حدود ومعنى ماهية الوطن .
وتعيين ماهية اللوازم التي تجعل منه سيداً ثانياً .
هذا الكلام في حدود طبيعة العلاقة مع أقليمه ومحيطه ، ومادمنا هنا في معرض الحديث عن الإتفاقية بين امريكا والعراق ، فلابد لنا من تقيم هذه الإتفاقية من حيث هي علاقة بين دولتين أو هي علاقة بين دولة مستعمرة بفتح الميم ودولة مستعمرة بضم الميم ، وكذا في طبيعة الصياغة اللغوية للبنود الواردة فيها ، و مدى قدرتها على حماية الوطن في معناه أو كما هو محدد في التعريف الدولي والأممي له .
ولكي لا ننساق وراء تصادم مفترض بين معنى الوطنية والإستقلال ، يجب علينا ان ننوه بما يمكن ان تدره هذه الإتفاقية على العراق وشعبه وعلى المنطقة ككل ، وبما إننا كنا ولانزال نؤمن باهمية التغيير في طبيعة المكون الإجتماعي والثقافي والسياسي ليس في العراق وحسب بل وفي كل المنطقة ، فالنظر للإتفاقية بعين وروح واقعية تجعلنا مع من يقول إن العراق وشعبه يحتاج لدور أممي في بنائه ونمائه ، وهذا الدور مطلوب في الإدارة والإقتصاد والسياسة والحكم والأمن وبناء أجهزة الدولة كافة ، وهذا الطلب أو قل هذه الحاجة لايمكننا فصلها عن عملية التطور الذي نريده وننشده ، لكن لا يجوز أبداً النظر إلى النتائج من خلال الواقع المضطرب وكلنا يعلم من صنع ذلك ولماذا ؟ كما إننا نعلم إن من يرفضون ذلك ينطلقون من وجهة نظر أحادية ومزاجية في كثير من الأحيان ، لأننا نؤمن بان عملية النهوض التي حدثة في بعض مناطق المنطقة العربية كان وراء ذلك إتفاقيات مشابهه ، ولايظنن أحد بان ذلك كان بفعل جهود ذاتية لها ، فكلنا يعلم حجم وإمكانية وقدرات دول المنطقة وخصوصاً الخليجية منها .
وبما إن الأمر لايخلو من نقض وإبرام ونحن مع ذلك لأننا نؤمن بالعمل الديمقراطي ، لكن علينا ان لا نمزج بين مفهوم الإستقلال ومفهوم العلاقات مع الدول الكبرى ، كما يجب ان لا نُصغي لمثيري الشغب وقليلي الحيلة ، أو من أهل النوايا الضيقة من منظمات وأحزاب ودول متخلفة لا يهمها غير مصالحها ، دول كانت في الماضي القريب تعتبر صدام وحزبه كفار يجب قتالهم واليوم هم عندهم مقاومين أبطال !!! .
نقول : حسب قراءتنا الأولية للمسودة أو لنقل للخطوط العريضة للإتفاقية ، نشعر إن في بعضها غمز ينبغي على أهل الإختصاص تبيانه وعدم السماح بتمريره من دون مراجعة متخصصة وشارحه ، كي لانقع في التفسير الطوباوي أو سعة الجمل والمفردات وترادف المعاني ، أي إننا لسنا بحاجة للإسراع في تبني هذه الإتفاقية قبل دراستها مثنى وثلاث ورباع ، والدراسة يجب ان لاتكون سياسية محضة ، بل يجب إن يُشارك بها متخصصون في الإجتماع والنفس والإقتصاد والبيئة والجغرافيا والسياسة والثقافة ، حتى يمكننا إلصاق عنوان الأستراتيجي عليها ، أي إننا في مواجهة مع القدر الحقيقي للعراق الجديد ، وهنا يتبين لنا المخلصين من الناكثين ومن في قلبهم مرض ، فالإتفاقية هي في المجمل لمصلحة العراق وشعبه والتلازم بين مصالح العراق وأمريكا واحدة من وجهة نظر كل دولة .