ثمة صورة حالكة السواد تحيط بنا وبمستقبلنا وبمستقبل العراق ، الصورة تبدأ يوم شمر المقبور عن ذراعيه ليهاجم إيران من دون وجه حق وحين هوى جيشه المهزوم يحصد أرواح العراقيين سُنة وشيعة كرداً وعربا ، فلم تسلم منه مستنقعات الجنوب ولا جبال الشمال ولا من بطشته اللعينة ،
وحين هوى وفر أمام غزو جيوش الأحتلال بدى تاريخ وواقع وحياة جديدة ، يوم جيء لنا بأنصاف الرجال ليكونوا دعامات العراق من غير برامج ولا خطط غير الثأر والأستحواذ على المقامات والقصور التي بنيت ظلماً ومن زاد المساكين ، هذه الأنصاف تعيش في المنطقة الغبراء محكومة بالخوف والرعب ، وفي ظلهم يعيش العراق المر فلا مشاريع تنموية ولا قيم سياسية متحضرة يمكن التحاكم إليها ، ولا دستور مُصان يمكن التأسيس عليه .
غير هذا الأضطراب الذي يلف كل شيء من حياة العراقيين فلا خدمات ولا عمل يمكننا القول فيه ان للمشروع وجه أخر ، سنوات تمر على العراق وشعبه المسكين يعيش الفقر والفاقة والتشرد والضياع وقلة الحيلة .
وكما هو دائماً حال من يتولون شؤون العراق هم فئات : فمنهم فئة تسرق ، وفئة تنهب ، وفئة تزمر وتطبل لكل من هب ودب ، وفئة يحكمها الخوف والذل مستكينة خانعة ، يحكمها الأمل بوجود المنقذ المجهول الذي سيتكفل بخلاصها من ويلات الزمن التعيس متى وكيف هذا ما ينتظره قليلي الحيلة ؟؟ .
ونقول إذا تسنى لأمريكا التحرك ذات مرةً لتغير حاكم العراق الغبي الأبله فان مشروع التحرك اليوم والخلاص من أمريكا المحتلة أو من غيرها ، لن يأتي أبداً لا بيد المهدي ولابيد السماء ولا هم يحزنون ، وإذا كان ابو القاسم الشابي يصدح بقوله : إذا الشعب يوماً أراد الحياة - فهو لايعنينا نحن أهل العراق ، فلا إرادة لدينا ولا روح نمتلك للتغيير وكل ما عندنا ثرثرة ونزاع قبلي جاهلي ، وكل ماهو موجود صراخ وغدر وخيانة من الكل للكل في ظل هيمنة رجال الدين السياسي الذي غيبوا العقول ومسخوا النفوس فلم يبق من شخصيتنا غير هذا الوهم وأقوال ما أنزل الله بها من سلطان ، لم يبق غير ذاك الذي سماه طيب الذكر ماركس : إن الدين أفيون الشعوب - كلمة نرآها في محلها وتعبر عن روح الدين الذي يصنعه رجال متخلفون لاتربطهم في الله رابطة غير مجموعة شعارات يخدروا فيها الجهال من الناس .
ولنا دليل فيما يحصل ببلدنا المنكوب من عصر - الحملة الإيمانية - التي فجرها المقبور وأعوانه المتخلفين حملة أخرت وعي الناس وطريقة تعاطيهم مع الحياة ، حملة جاءت يوم خسر المقبور منطق الحياة حين غامر بالزحف على الكويت الجارة التي قدمت له كل شيء في حربه وسلمه .
ومنذ ذلك اليوم وعقل العراقيين يغرق في فوضى خلاقة لانعلم متى وكيف تنتهي بنا وبها الأيام ؟؟؟ ، والناس المخلصين منا مغيبين ومصادرة عليهم حريتهم تحت مظلة الشعارات والجهل وسطوة المال والضرب على وتر الطائفية الذي يدخل فيه كل ممنوع من القول والفعل ..
سنوات عجاف كل مافيها بؤس وحرمان وقلة حيلة ونزوع نحو اللامنطق فبيوتنا تملئها صور السادة والمشايخ العظام وشوراعنا يملئها الحقد والوسخ وقذارة القتل الطائفي ومشروعنا الديمقراطي صار ديمقراطياً حتى النخاع ، ونحن كما يقول المثل الدارج : إلى الوراء دُر - وسنظل ندور إلى الوراء حتى تقوم الساعة لأننا أمة لا تمتلك من إرادتها ولا قرارها ولا دينها ولا دنياها ، وتلك حقيقة يجب ان نمعن النظر فيها من دون أحلام أو كوابيس فواقعنا مُر لا يرحم ، و السماء لا تمطر ذهباً ..