لقد انصرف اهتمام الصحافة الأميركية لعدة أيام، إلى تعليقات جيرالدين فيرارو -عضو الكونجرس- العنصرية عن ترشيح باراك أوباما للمنصب الرئاسي في المعركة الانتخابية الجارية حالياً بقولها في ثلاث مناسبات مختلفة على الأقل: "لو كان أوباما أميركياً أبيض اللون،
أو لو كان امرأة بأي لون كانت... لما أصبح في موقفه الانتخابي الحالي. ولكن تصادف أن كان بكل هذا القدر من حسن الحظ بأن أصبح على ما هو عليه". وقد سيطر هذا التعليق القبيح على أذهان عدد كبير من الجمهور، وهو قول يستحق الاستهجان بالفعل. غير أن الذي يثير اهتمامي هنا أن انصراف كل الاهتمام العام إلى هذه التعليقات، كاد يصرف الأنظار عن تعليق سابق صدر عن "ستيف كنج" عضو الكونجرس "الجمهوري" عن ولاية "أيوا". ففي موسم انتخابي كهذا، طغت فيه النزعات العنصرية والتعصُّبية، يجيء تعليق "كنج" التالي على درجة كبيرة من الوضاعة والخطر الجديدين. وإليكم ما قاله أثناء لقاء إذاعي أجري معه في الرابع من مارس الجاري: "ليس من قصدي أن أقلل من شأن أي إنسان بسبب عرقه أو جنسه أو اسمه أو ديانة أبيه أياً كانت. ولكنني أود قول هذا: إذا ما تخيل المرء صورة باراك أوباما وقد فاز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية... فما الذي تعنيه هذه الصورة لبقية أنحاء العالم؟ بل ماذا تعنيه للعالم الإسلامي بصفة خاصة؟ فيما لو حدث هذا، فإن الذي أتوقعه هو أن يهرع إلى الشوارع العامة، كافة المتطرفين الإسلاميين من شاكلة تنظيم القاعدة وأمثاله وأتباعه، ليرقصوا ابتهاجاً بالنصر الذي حققوه في الحرب التي تخوضها أميركا على الإرهاب، وأن ابتهاجهم بهذا النصر سيطغى على فرحتهم بهجمات 11 سبتمبر عشرات المرات". وليس ذلك فحسب -والحديث لا يزال لكنج- "بل إن اسم والد باراك أوباما يهمهم كذلك لما له من مدلول محدد وخاص في نظرهم. فما اسم (حسين) سوى أمر صريح لأميركا بخروجها من الشرق الأوسط ومن النزاعات الدائرة فيه. وهذا بحد ذاته مدعاة لهم للمزيد من الرقص والطرب في الشوارع العامة".
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينحدر فيها المرشحون، أو من ينوبون عنهم، إلى درك العداء للسود أو الإسلام، ومن المؤسف أنها لن تكون المرة الأخيرة أيضاً. فهناك من نشط في إرسال سيل من الرسائل البريدية الإلكترونية من مستشاري حملة هيلاري كلينتون وموظفيها، طفحت بمضامين عنصرية أو معادية للإسلام ضد "أوباما"، وقد تم فصلهم من حملتها بسبب سلوكهم هذا. وهناك من الرسائل ما عبّر عن نبرة مخففة نوعاً ما، إلا أنها لم تكن أقل إيذاءً ولا ضرراً، لأنها تساءلت حول مدى وطنية "أوباما"، أو دعت إلى اختزاله إلى كونه مجرد "مرشح أسود" لا أكثر!
غير أن تعليقات "كنج" هذه تستحق التعامل معها على نحو استثنائي، وأن تعطى الأهمية التي تستحقها في الاستجابة لها لسببين اثنين. أولهما أنها تعكس نبرة الغضب والنزعة العنصرية المتعصِّبة السائدة في أوساط المعلقين الإذاعيين اليمينيين هذه الأيام. وثانيهما أن "كنج" عضو كونجرس تكرر منه صدور مثل هذه التعليقات المعبرة عن كراهية عنصرية أو دينية واضحة في الماضي القريب، منها على سبيل المثال استخفافه بالتحقيقات والمحاكمات التي جرت بشأن إساءة معاملة المعتقلين في سجن "أبوغريب"، ودعوته إلى معاملة ما أسماهم بـ"غير الشرعيين" معاملة "الماشية والحيوانات"!
بل إن الذي يعطي تعليقاته أهمية خاصة، أنه -كنج- عضو بارز في اللجنة القضائية الفرعية التابعة لمجلس الشيوخ، وهي اللجنة المختصة بقضايا الهجرة والجنسية واللاجئين وأمن الحدود والقانون الدولي. وعليه فإن هذه التعليقات تحمل خطورة خاصة لكونها كلمات صادرة عن مسؤول منتخب لمنصب رفيع المستوى ونافذ في الجهاز الحكومي. وطالما أن تلك هي تعليقاته وآراؤه الخاصة، فلا غرو أن تنعكس على السياسات التي يصوغها بصفته مسؤولاً حكومياً. ولهذا فليس كافياً أن يدعوه البعض للاعتذار عما بدر منه، أو أن يدعو آخرون السيناتور والمرشح الرئاسي الجمهوري جون ماكين لردع زميله "الجمهوري" هذا. بل المطلوب محاسبته عليها رسمياً من قبل الكونجرس.