[ إشكالية الخطاب
في
القراءة التاريخية لوقعة كربلاء ] ج8
– للشيخ الركابي
خبر أم أيمن
جاء في بعض كتب المتأخرين خبراً كاذباً منسوباً - لأم أيمن - يحكي عن قضايا واحداث وقعة كربلاء
ونحن وجرياًعلى الطريقة التي إعتمدناها منذ البداية في البحث والتحقيق الموضوعيين لدراسة التاريخ الإسلامي ، عاملين ما أمكن لتصحيح تلك القضايا لتكون أكثر واقعية وقبولاً ، وهذا يحتاج منا للمزيد من الحفر والتنقيب قبل الحكم أو إتخاذ الموقف من الأحداث التاريخية التي كانت .
و لقد تكفل كتاب - إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء للشيخ الركابي - في جزءٍ من هذا الجهد ، وهو جهدُ ومهمة ولاشك شاقة ، ولكنها لازمة في ظل التدافع والتخبط وسيادة النزعة الرومانطيقية في تشكيل وعينا الجمعي مع الأسف .
في هذا المجال بالذات يقول الركابي :
البحث التاريخي يتطلب منا قراءة منطقية وأصوليه قواعدية في : أسانيد ومتون الأخبار و الروايات بحيث تنسجم تلك القراءة مع المنهج والرؤية الموضوعية العاقلة التأملية التطبيقية ، التي تراعي الزمن الثقافي والمكان والحركة والسكون .
ولكي نكون أكثر إستجابة لهذه الطروحات الفكرية ، ينبغي علينا أولاً : تسليط الضوء على رواة الخبر التاريخي ، آخذين بنظر الإعتبار ماسجله ودونه لنا علماء هذا الفن أعني - علم الرجال - في هذا الإتجاه .
وأما ثانياً : فالبحث يجب ان ينصب حول دلالة النص أعني - دلالة المتن - الروائي أو الخبري ، كي يتسنى لنا معرفة ما إذا كان هذا الخبر معتبراً وموثقاً وصحيحاً وهل هو خبر مجمل أم مفصل ؟؟ ...
في البدء ينبغي التنويه بان الخبر الذي رُوي عن - أم أيمن - أنتقل إلى الكتب عن طريق كتاب - كامل الزيارات - لأبن قولويه ، مع إن هذا الخبر لم يذكره أبن قولويه في كتابه الآنف الذكر ، إنما أدخله ضمن محتويات كتابه واحد من تلامذته و هو - الحسين بن المغيرة - الذي قال : إني تباحثت مع أستاذي - أبن قولويه - حول إضافة هذا الخبر إلى كتابه ، ولكن - أبن قولويه - رفض ذلك ، فلما توفي - أبن قولويه- قال أبن المغيرة : أوردت أنا هذا الخبر ضمن محتويات كتاب - كامل الزيارت - !!! ، وذلك في أول الباب الثامن والثمانين ، أنظر - كامل الزيارت ص 260 أبن قولويه طبع النجف - .
وعلى هذا الإعتبار فخبر - ام أيمن - المزعوم ناتج عن الإضافة التي قام بها - الحسين بن احمد بن المغيرة - من دون رضا وموافقة - أبن قولويه - ، إذن فالخبر هذا لم يُذكر في كتاب - كامل الزيارات - إلاّ بعد وفاة - أبن قولويه - ، أي انه لم تذكره المخطوطة التي كتبها - أبن قولويه - ، وهي موجودة في مكتبة الإمام الرضا في مشهد في إيران .
وعليه فمن أراد الإستفادة العلمية والموضوعية ينبغي له ان ينظر إلى هذه الملاحظة ، وإلا كان عمله خلطاً غير مبرر ، فالخبر لم يأت به - أبن قولويه - يقيناً ، ونسبة الخبر – لأبن قولويه - تجني على الحقيقة وتعميه مقصودة ، طالما ان التاريخ أكد صحة ما ذهبنا إليه ، كما إن إضافة الخبر جاءت متأخرة .
ويبدو ان هذا التنبيه وجيه لإعتبارات عدة منها مايلي :
1 - رفع حالة الإلتباس التي يقع بها البعض بحجة إن هذا الخبر رواه - أبن قولويه - وهو رجل ثقة ومن العلماء .
2 - إن راوي الخبر أعني - الحسين بن احمد بن المغيرة- نفسه قال : إن خبر - أم أيمن - ورد بطريقين ينتهيان إلى - قدامة بن زائدة - ، ويظهر الإختلاف واضح في ألفاظ الخبر بطريقيه ، ولكنه عمل كما يقول على إدماج المتنيين ليكونا متناً واحداً .
وستلاحظ عزيزي القارئ التقديم والتأخير والمعارضة في عبارات الخبر و في أحيان كثيرة - أنظر كامل الزيارات ص 260 ابن قولويه - .
ومن أجل بيان معنى خبر - أم أيمن - برواية الحسين بن احمد بن المغيره ، سنقوم بنقله كاملاً [ قال : حدثني أبو عبدالله احمد بن محمد بن عّياش ، قال : حدثني جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثني ابو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري ، قال : حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد قال حدثني محمد بن سلام بن يسار ـ سيار ـ الكوفي ، قال : حدثني أحمد بن محمد الواسطي ، قال : حدثني عيسى بن أبي شيبة القاضي ، قال : حدثني نوح بن دراج ، قال : حدثني قدامة بن زائدة عن أبيه زائدة قال : - قال علي بن الحسين - ع- بلغني يازائدة إنك تزور قبر ابي عبدالله الحسين - ع - أحياناً ، فقلت : إن ذلك لكما بلغك فقال لي : فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لايحتمل احداً على محبتنا وتفضيلنا ؟ .... وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا فقلت : والله ، ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ، ولايكبر في صدري مكروه ينالني بسببه فقال : والله ان ذلك لكذلك ، فقلت : والله ذلك لكذلك ، يقولها ثلاثاً واقولها ثلاثاً فقال : أبشر ثم أبشر فلا خبرّتك بخير كان عندي في النخب المخزون فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتُل أبي (ع) ، وقتُل من كان معه من ولده وأخوته وسائر أهله ، وحُملت حرمه ونسائه على الأقتاب ، يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري وأشتد ألمي ، أرى منهم قلقي نفسي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (ع) فقالت : مالي أراك تجود بنفسك يابقية جدي وأبي وأخوتي ؟
فقلت : وكيف لا أجزع واهلع وقد أرى سيدي وأخوته وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلوبين لا يكفنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم أحداً ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر فقالت : لايجزعنك ماترى فوالله أن ذلك لعهد من رسول الله - ص - إلى جدك وأبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق أنُاس من هذه الأمة لاتعرفهم فراعنة هذه الأمة ،
وهم معروفون في أهل السموات إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليلي والأيام ،
وليجتهد أئمة الكفر وأشياع الضلال في محّوه وتطميسه فلا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً فقلت : وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟
(( فقالت : حدثتني أم أيمن إن رسول الله (ص) زار منزل فاطمة ، في يوم من الإيام فعملت له حريرة واتاه علي ، بطبق فيه تمر ثم قالت ام أيمن فاتيتهم بعس فيه لبن وزبد ، فأكل رسول الله - ص - وعلي وفاطمة والحسن والحسين من تلك الحريرة وشرب رسول الله - ص - وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكل واكلوا من التمر والزبد ثم غسل رسول الله - ص - يده وعلي يصب عليه الماء ، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه ، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً ثم انه وجه وجههُ نحو القبلة وبسط يديه ، ودعا ثم خر ساجداً ، وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثم رفع رأسه ، وأطرق إلى الإرض دموعه تقطر كأنها صوب المطر فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، وحزنتٌ معهم لما رأينا من رسول الله - ص – وهبناه ان نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي ، وقالت له فاطمة : ما يبكيك يارسول الله - ص - لا أبكى الله عينيك ، وقد أقرح قلوبنا مانرى من حالك ؟ فقال : ياأخي سررت بكم سروراً ماسُررت مثله قط ، واني لأنظر إليكم واحمد الله على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبط عليّ جبرئيل فقال : يامحمد ان الله تبارك وتعالى أطلع على مافي نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وأبنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبتهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم ، يحبون كما تحب ويعطون كما تعطي حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بإيدي أناس ينتحلون قتلك ويزعمون أنهم من أمتك ، براء من الله ومنك خبطاً خبطا وقتلاً قتلاً ، شتى مصارعهم نائية قبورهم خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فأحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال لي جبريل : يامحمد إن اخاك مضطهد بعدك مغلوب على امتك متعوب من اعدائك ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة ، وأشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة ببلدٍ تكون إليه هجرته وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كل حال يكثربلواهم ويعظم مصابهم ، وان سبطك هذا واومى بيده إلى الحسين (ع) مقتول في عصابة من ذريتك واهل بيتك وإخيار من امتك بضفة الفرات بأرض يقال لها - كربلاء - من أجلها يكثر الكرب والبلاء ، على اعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي اطيب بقاع الأرض وأعظمها حُرمة ، يُقتل فيها سبطك وأهله وانها من بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتل فيه سبطك واهله واحاطة به كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر أضطرابها وأصطفت البحار بأمواجها ، وماجت السموات بأهلها غضباً لك يامحمد ولذريتك واستعظاماً لما ينُتهك من حرمتك ولشر ما تكافئ به ذريتك وعترتك ، ولا يبقى شئ من ذلك إلا أستأذن الله عز وجل في نصرة اهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن : إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع ، وانا أقدر فيه الأنتصار والإنتقام وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي وأنتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم اهل بيته عذاباً لا أعذبه احداً من العالمين ، فعند ذلك يضج كل شئ في السموات والأرضين بلعن من ظلم عترتك وأستحل حرُمتك ، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة فغسلوا جثتهم بذلك وألبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب وصّلت الملائكة صفاً صفاً عليهم ، ثم يبعث الله قوماً من امتك لا يعرفهم الكفار لم يشتركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون اجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ، وتحفه الملائكة من كل سماء مائة الف ملك كل يوم وليلة ويصلون علية ويطوفون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من امتك متقرباً إلى الله تعالى وإليك بذلك ، وأسماء أبائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله : هذا زائر خير الشهداء وابن خير الأنبياء ، فاذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور يغشى منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به ، وكأني بك يامحمد بيني وبين ميكائيل وعليٌ أمامنا ومعنا من ملائكته الله ما لايحصى عددهم ونحن نلتفت من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم الله عطائه لمن زار قبرك يامحمد ، أوقبر أخيك ، أو قبر سبطيك ، لا يريد به غير الله عز وجل وسيجهد اناس ممن حفت عليهم اللعنة من الله والسخط ، ان يعفو رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً ثم قال رسول الله - ص - : فهذا أبكاني وأحزنني ، قالت : زينب فلما ضرب أبن ملجم لعنه الله ، أبي - ع- ورأيت عليه أثر الموت ، قلت له : ياأبه حدثتني - أم أيمن - بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك فقال : يابنيه الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون ان يتخطفكم الناس ، فصبراً صبراً فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة ماله على ظهر الأرض ولي غيركم وغير محبتكم وشيعتكم ،
ولقد قال لنا رسول الله - ص - حين أخبرنا بهذا الخبر ان أبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحاً ، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول : يامعشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النار إلإ من أعتصم بهذه العصابة فأجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم ، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ولاينجو منهم ناج ، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب إنه لاينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر ، قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين ، بعد إن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك أما لوضربت في طلبه آباط الأبل حولاً لكان قليلاً )) ] - كامل الزيارات ً 260و266 ابن قولويه - ..
بحث في السند الرجالي للخبر :
رواة هذا الخبر هم :
1- الحسين بن أحمد بن المغيرة .
2- أبو عبدالله أحمد بن محمد بن عيّاش .
3- جعفر بن محمد بن قولويه .
4- أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمدبن هلال الطائي البصري .
5- أبو عثمان بن محمد .
6- محمد بن سلام بن يسار ـ سيار خ ل ـ الكوفي .
7- أحمد بن محمد الواسطي .
8- عيسى بن أبي شيبة القاضي .
9- نوح بن دّراج .
10- قدامة بن زائدة .
11- زائدة بن قدامة .
يجب التذكير هنا بالقاعدة الأصولية التي تقول : - إن الخبر الروائي يكون صحيحاً في حال ثبت إن رواته أشتهروا بالصدق وعدم الكذب - .
وإذا ثبت هذا فيمكن الإعتماد على هذا الخبر وإعتباره حجة تاريخية في مجاله ، وهنا يكون خبراً صحيحاً في قضايا وقعة كربلاء ، ولو كان العكس : أي إذا كان جُلّ رواته ليسوا من اهل الصدق ، فإن الخبر لا يمكن الإعتماد عليه ، ونحن وتمشياً مع المنهج الموضوعي الذي إلتزمنا به في دراسة التاريخ ، يجب علينا ان نتعرف على كل شخصية من رجال هذا الخبر كلاً على حده مبتدئين بأولهم :
الرواي الأول هو : - الحسين بن أحمد بن المغيرة - قال عنه النجاشي : - هو أبو عبدالله البوشنجي كان عراقياً مضطرب المذهب - أنظر رجال النجاشي ً 68 أبوالعباس ط إيران - ، وهذا يعني : إن الحسين بن المغيرة كان مضطرب المذهب والعقيدة ... و الحسين هذا هو الذي أضاف هذا الخبر إلى محتويات كتاب - كامل الزيارات - لأبن قولويه ، بعد وفاة المؤلف كما ذكرناه سابقاً .
الرواي الثاني هو : أحمد بن محمد بن عيّاش ، قال عنه الشيخ الطوسي في الفهرست : - أكثر من الأخبار وأختل في أخرعمره ، - مجمع الرجال ج1 ص 152 القهباني ط ايران - ، وقد توفي سنة 104 هجرية ، و قد قال عنه النجاشي : - سمع الحديث واكثر في أخره .. ويقول رأيت هذا الشيخ ، ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم أرو عنه شيئاً - رجال النجاشي ص 241 ط قم - ،[ والضعيف بإصطلاح علماء الرجال هو الذي لايمتنع عن الكذب في روايته ] .
الراوي الثالث : هو جعفر بن قولويه مؤلف كتاب - كامل الزيارات - ثقة صدوق ، كان عالماً عادلاً ، معتمداً عند اهل الحديث .
الراوي الرابع : هو أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن خلال الطائي ، قال عنه العلامة المامقاني : - إنه مجهول الحال ولا يدرج في الحسان - رجال المامقاني ج2
ص 241 ط قم .
الراوي الخامس : هو عثمان بن سعيد بن محمد ، غير معروف في كتب الرجال عند العامة والخاصة .
الراوي السادس : هو محمد بن يسارالكوفي ، غير معروف في كتب الرجال عند العامة والخاصة رجل بهذا الإسم ومن الطبقة السابعة ..
ولكن وجدنا في - رجال المامقاني - شخصين بهذا الإسم من أصحاب الصادق - ع - ، وحالهم مجهول وهما من الطبقة الرابعة أو الخامسة ، في حين محمد بن سلام الذي في سند خبر - ام ايمن - من الطبقة السابعة وهو مجهول غير معروف .
الراوي السابع : هو احمد بن محمد الواسطي ، غير معروف بكتب الرجال عند العامة والخاصة ، إذن فحاله مجهولة لدينا .
الراوي الثامن : هو عيسى بن شيبة القاضي ، وعند مراجعتي للكتب الرجالية لدى الشيعة ، ككتاب الرجال والفهرست للشيخ الطوسي ، ورجال النجاشي ورجال المامقاني ، وقاموس الرجال ، وخلاصة الرجال ، لم أجد شخصاً بهذا الإسم ... وكذلك لم أجده في الكتب الرجالية لدى أهل السنة ، ككتاب ابن حاتم الجرح والتعديل ، وكتاب المجروحين لأبن حبان ، وميزان الإعتدال للذهبي ، وتهذيب التهذيب للعسقلاني ، ولسان الميزان وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وكل تلك الكتب لم تذكر لنا شخصاً بإسم - عيسى بن ابي شيبة القاضي - ، وهذا يعني ان لا وجود لراوي بهذا الإسم مطلقاً ، وبناءً عليه فحاله مجهول ايضاً .
الراوي التاسع : هو نوح بن دّراج ، عدّه - الشيخ الطوسي في كتابه عدة الأصول ص 380 - من أهل السُنة .. - أنظر رجال المامقاني ج3 ص 275 - ، وتردد ابن داود الحلي في رجاله : فيما إذا كان قابلاً للإعتماد أم لا ؟ إذ توقف فيه - راجع رجال ابن داود ص 361 - ، وقد شرح أبن حجر العسقلاني حاله بالتفصيل في تهذيب التهذيب ، وكذلك فعل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، وقالوا عنه : قد أخذ الفقه عن ابي حنيفة ، تاريخ بغداد ج13 ص 315 وتهذيب التهذيب ج10 ص 482 ، وقال العجلي عنه : كان ضعيف الحديث ، وقال ابن حبان عنه إنه من الضعفاء ، - المجروحين ج3 ص 46 ابن حبان - . وقد ورد تفصيل لحياته كما قلنا في كتب أهل السنة ، ولم يرد بكتبهم إتهامه بالتشيع ، وهذه قرينة اخرى تؤيد ماذهب اليه الشيخ الطوسي حينما عّده من العامة ، وقد تولى نوح بن دراج القضاء لمدة طويلة في الكوفة وبغداد إلى ان مات سنة 185 هجرية ، ودفن شرق بغداد - تاريخ بغداد ج13 ص 315 وتهذيب التهذيب ج10 ص 482 .
الراوي العاشر هو : قدامة بن زائدة ، قال عنه الشيخ الطوسي : قدامة بن زائدة الثقفي الكوفي كان من رواة حديث الإمام الصادق ، - رجال الطوسي ص 275 - ، ولكنه لم يعرف ما إذا كان من أهل السُنة ام من الشيعة ؟ وهل كان قابلاً للإعتماد أم لا ؟ ، وعليه فقدامة هذامجهول الحال .
الراوي الحادي عشر : هو زائدة بن قدامة ، قال عنه ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج3 ص 306 وص 307 - زائدة بن قدامة أبوالصلت الثقفي الكوفي مدحه العلماء كسفيان الثوري وأبن حنبل وبالغوا في مدحه ، وعّده محمد بن سعد في الطبقات من أهل السنة والجماعة ، - الطبقات ج6 ص 378 ابن سعد ط بيروت - وقال عنه صاحب قاموس الرجال نقلاً عن الطبري بإنه كان مخالفاً لأمير المؤمنين - ع - قاموس الرجال ج6 ص 150 ، وقد ورد ذكرحاله مفصلاً في الكتب الرجالية لدى العامة ولم يتهمه أحد بالتشيع ، وهذا دليل على انه كان من أبناء العامة دون شك ، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى ما كتبه الطبري في حقه ، بأنه منحرف عن الإمام علي (ع) ، وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج3 ص307 ، ان زائدة بن قدامة ذهب لحرب الروم ( والمقصود من حرب الروم منطقة القسطنطينية ـ اسطنبول حالياً ـ التي كانت تمثل الجناح الشرقي للروم ) وقد مات ببلاد الروم سنة 160 أو سنة 163 هجرية .
لكن هناك شخص إسمه - زائدة بن قدامه - كان من انصار بني أمية ، وكان من أصحاب الشأن والسلطان والنفوذ الأجتماعي لدى - الحجاج بن يوسف الثقفي - وقد أشترك في الحملة التي جهزها – الحجاج - لمقاتلة - شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني الخارجي - إذ كان هو قائد الجيش الذي حارب - شبيب - ، وقد اكتسب - شبيب الخارجي - قدرة كبيرة استطاع بها احتلال الكوفة وسعى لإحتلال العراق ، وكانت حربه مع بني أمية معروفة ، وقد بايعه خلق كثير من الناس بإمرة المؤمنين والحرب معه على عدوه ، [ وقد خاض الجيشان معركة بالقرب من الكوفة و على بعد 24 فرسخاً منها ] ، وقد مات شبيب قتيلاً سنة 76 هجرية ، - الكامل في التاريخ ج4 ص 161 ابن الأثير ط بيروت - .
والآن لو إعتبرنا إن - زائدة بن قدامه - المذكور في رواة خبر - أم ايمن - فقد كان هذا متهماً بالعداء للإمام علي – ع - وقد هذا مات في بلاد الروم كما ذكر ذلك الطبري .
وأما لو اعتبرنا - زائده - هو قائد جيش - الحجاج - في حربه ضد شبيب الخارجي فهذا ظالم محكوم بظلمه ، لأن الذي يحارب من أجل سيادة الظلم ونصرة الظالمين ظالم مجمع على فسقه .
وعلى كلا الإحتمالين فإن - زائده - هذا غير معتبر ولا تصح روايته .
ملاحظة :
جاء في خبر - أم أيمن - إن زائده بن قدامه ، قد التقى بالإمام السجاد ، في حين كانت وفاة الإمام السجاد سنة 95 هجرية ، وموت زائده كان في سنة 160 هجرية [ أي إن بينهما 65 عاماً ] ، وهذا يعني ان ملاقاته بالإمام السجاد بعيدة جداً .
ولو قلنا : بأن - زائد ه - هذا الذي ورد في رجال خبر - أم أيمن - هوالرجل الثاني : فإن ذلك محكوم عليه بعدم الوثاقة والتصديق ، لإنه كان من انصار – الحجاج- ومن المقربين للحزب الأموي ، أضف إلى ذلك فإنه قد ورد في الخبر قول الإمام السجاد - لزائد ه - إنك من أصحاب السلطان !! وهذا يرجح ان يكون - زائدة - الوارد في خبر - ام أيمن - هو الرجل الثاني : أي صاحب - الحجاج - وقائد جيشه ، [ ويجب التنبيه : إلى ان الشيخ الطوسي لم يذكر من رواة خبر – أم أيمن - رجل بإسم زائدة بن قدامة ] ، وعليه يكون خبر - أم أيمن - برواية زائدة عن السجاد : أما ان يكون الشيخ الطوسي لم يعرف خبر حديث - ام أيمن - ، أو إن الشيخ الطوسي لم يعتبر الخبر من الأساس .
الخلاصة :
وخلاصة البحث في سند خبر - أم أيمن - يكون على النحو الآتي : إنه قد وجدنا من بين أحد عشر راوياً للخبر ، إن الراوي الأول : مضطرب المذهب ، و الراوي الثاني : مختل العقل ضعيف الرواية ، والرواة الستة الباقون : من الرابع إلى العاشر مجهولي الحال ، اما الراوي التاسع : فقد كان فيه تردد وتوقف ، والراوي الحادي عشر : هو من أصحاب الحجاج ومن مرتزقة الحزب الأموي ، ولم يبق سوى الراوي الثالث : الذي هو ثقة معتمد ، إنه - أبن قولويه - ذلك العالم الجليل ، لكن - أبن قولويه - لم يذكر الخبر في كتابه ، إنما أضافها إلى محتوياته ، الراوي الأول كما مر بيانه ...
وهنا ينبغي لنا - التدقيق فابن قولويه - ورد ذكره كأحد رجال الخبر ورواته ، في حين ورد بكتابه منقولاً عنه ، وهذا يبين صحة الإستنتاج الذي ذكرناه في بداية البحث ، مضافاً إليه إن الشخص الذي أدخل هذا الخبر ضمن محتويات كتاب - كامل الزيارات - كان مختل العقل وضعيف ...
يظهر مما مضى إن سند خبر حديث - أم أيمن - غير معتبر ، وغير قابل للإعتماد والقبول باي وجه من الوجوه وهو من جهة الموازين العلمية فاقد لأبسط الحدود التي تجعله حجة أو حتى بمستوى الخبر الواحد الصحيح السند !!! .
لذا فلا يمكن الإعتماد عليه في رصد وتحليل والحكم على قضايا - وقعة كربلاء - ومايتعلق بها من حقائق تاريخية وعقيدية وفقهية وفنية وجمالية وغير ذلك كثير .
[ والأن لنتناول بالدرس والتحليل مضمون الخبر و معناه] .
بحث في المعنى :
للوهلة الأولى يلاحظ المرء سلسلة أخطاء و نقاط ضعف في نص الخبر ومتنه وكذلك في مقدمته ، فالخبر طويل وممل وهويشبه الحكايات والقصص التي ترويها العجائز ولهذا شكك المفكرين والمحققين فيه من هذه الجهة ، ومن جهة صحة صدوره ، وبالتدقيق والمعاينة وإجراء الكشوف اللازمة في هذا الباب نحصل على النتيجة التالية : إن الخبر كاذب وغير دقيق وركيك العبارة وفاقد لمقومات الإعتبار ، وفاقد لعناصر القوة في نسبته إلى الرسول – ص - ، في سباكته اللغوية والبيانية وكذا في لحن خطابه ، ونحن هنا نود ان نذكر بعض هذه النقاط التي تعتبر الأساس في عدم دلالته وحجيته وهي كما يلي :
النقطة الأولى :
ورد في مقدمة خبر - أم أيمن - عبارة منسوبة للإمام السجاد يقول فيها : - لما أصابنا بالطف مااصابنا وقتُل أبي - ع - وقتُل من كان معه من ولده واخوته وسائر اهله ، فجعلت أنظر اليهم صرعى ولم يوارو فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك عمتي زينب ثم ذكرت خبر - أم أيمن - .
ضعف هذه العبارة هنا يكمن في الطريقة التراجيدية التي ظهر فيها الإمام السجاد ، إذ تقول العبارة ان الإمام : لم يتحمل الموقف ففقد صبره !! مع إن إستشهاد أهل بيته كان سابقاً لموقفه هذا !! ولم تذكر لنا الأخبار و الروايات إنه قد فقد توازنه وصبره وراح يندب كالثكلى !! .
ثم كيف يتم هذا المنظر المهزوم أمام أعين الأعداء ؟ والإمام هو المثل الأعلى بالصبر والإستقامة والثبات ، وهو إلى جانب هذا وذاك يُعلم الناس فنون ضبط النفس والتعالي على الجراح والمحن والأهات ، لكن العبارة المتقدمه اخرجته من موضع القوة ، وأدخلته في موقع الضعف ، فهو هنا رجل عاطفي فاقد للسيطرة على مشاعره واحاسيسه .
كل ذلك كان امام اعين الأعداء !!! وهو الذي لم تفارقه كلمة أبيه - ع - الشهيرة لعمته ، زينب حين قال : - أخُية لاتشمتي بنا الأعداء - ، والسجاد أرفع مقاماً وأجل شأناً أن تدفعه المصائب للجزع وفقدان الصبر ، إني اعتقد ان هذه العبارة فيها ذم غير مباشر لمقام الإمامة !! ودورها الريادي القائد فالإمامة تعني الشجاعة والصبر والإستقامة في دنيا الناس ، وبدونها لا يكون الإمام إماماً !!! ...
النقطة الثانية :
جاء في هذا الخبر إن الإمام السجاد لم يكن يعلم بحديث - أم أيمن - وبمحتوياته ، وانه انما علم بعد ان أخبرته عمته زينب بذلك !!!.
ضعف هذا الإدعاء هو ، إن الإمام السجاد في ذلك الزمن كان هو الإمام المفترض الطاعة !! والوارث لعلم النبوة والإمامة !!!!!! والقائم بشؤون الولاية !! ، [ وهذا لا ينسجم وعلمه كإمام ، وليس كطالب علم كما هو هنا !!!!! فالعلم بالأخبار التي تتحدث عن حياتهم من لوازم منصب الإمامة !!!!!!! ] .
كيف هذا والإمام السجاد لايعلم بهذا الخبر ؟؟ مع العلم إنه كان أباً لمحمد الباقر !!!!!! .
ان مقدمة الخبر تجعل الإمام السجاد لايعلم بما هو صائر اليه من احداث !!!!! ثم ماذا ؟ تصور لنا مقدمة الخبر وكأن الإمام فاقد للتوازن وغير عارف بما هو جارٍ من حوله إلاّ حينما شاهد مصراع قومه !!!!! ، وهذا يلزم التناقض في الفكر والعقيدة !!! لأن الخبر المتقدم يجعل من - أ م أيمن - أعلم من الإمام في قضايا اهل البيت ، وهذا خلف كما حقق بمكانه .
إذن فالخبر ساقط من الإعتبار لا يجوز إتخاذه حجة في تعليل نتائج وقعة كربلاء ، وهو ساقط من كل وجه وحسب الأصول وقد مر بيان ذلك ..
يتبع
[ بحث موضوعي في كتاب : إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء – للشيخ الركابي - ] ج8 .