الوقتأقساماخبار العراقمختارات من الثقافة التنظيميةالليبرالية والنيوليبرالية في الواقع ـــــ راغب الركابي
(0) الإنتقال إلى الدولة ــــــ راغب الركابي(0) احتلال الكويت(0) الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية (أ)(0) الشرف......راغب الركابي (0) ( لازلتُ أبحثُ عن الإسلام ) ــــ راغب الركابي(0) الشخصية الليبرالية ج1ــ راغب الركابي(0) مشروع المبادرة الوطنية ــــ الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي(0) الليبرالية الديمقراطية في الوعي التاريخي ــــــ راغب الركابي(0) المسألة الكردية من وجهة نظر ( الليبرالية الديمقراطية ) ... يوسي شيخو (0) الليبرالية والدين ـــــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الديمقراطية من أجل الحياة ـــ راغب الركابي(0) قضية الرسوم المسيئة للرسول مرة أخرى ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الديمقراطية ...ومفهوم الوحدة(0) البرنامج الانتخابي العام(0) العدالة الإجتماعية . . . مفهوم ليبرالي ــــــ راغب الركابي(0) لماذا الليبرالية الديمقراطية ؟ ــــــ راغب الركابي(0) الليبرالية حوار بين الله والإنسان ــــ راغب الركابي(0) من مقالات التفسير والفكرالقرآن بين التحريف والتصحيف : ـــــــــــ آية الله الشيخ إياد الركابي
موسى النبي والعبد الصالح ــــــــ آية الله إياد الركابي في ظلال آية المحارب ــــــ الحلقة الثانية في ظلال آية المُحارب ـــــــ الحلقة الأولى الذات الإلهيّة بين العلم والعبادة ـــــــ مادونا عسكر الحراك العراقي اللبناني ـــــــــــــ راغب الركابي ثمن الحرية ـــــــــــ راغب الركابي المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، الجوار الكنس ] – التكوير 15 ، 16 العلاقة بين الفكر والسلطة ـــــــــــ راغب الركابي رسالة ملك الفرس يزدجرد* الى عمر بن الخطاب صوت أبي العلاء الاشتراكي.... إبراهيم مشاره - الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل .. الروح مثالاً |
Saturday, January 12. 2008تحليل إيبستيمولوجي ( لخطبة خط الموت على ولد آدم ــــ راغب الركابي
بحث موضوعي في كتاب :
إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء ـ 6 للشيخ الركابي تحليل إيبستيمولوجي ( لخطبة خط الموت على ولد آدم ) سنحاول معرفياً القيام بشرح وتحليل مفصل للخطبة الكاذبة و المزعومة التي يُقال بإن الحسين – ع - ألقاها في مكة قُبيل تحركه إلى الكوفة في العراق ومع تتبعنا التاريخي لمصدر هذه الخطبة الذائعة في ألسن رجال المؤوسسة الدينية ، لم نجد في تتبعنا هذا أي ذكر للخطبة في أيٍ من الكتب المعتبرة ، لكننا وجدناها في كتاب اللهوف لأبن طاووس في الصفحة 53 منه , و هذه الخطبة عدها البعض من المتأخرين كبينّه على صحة خروج الحسين إلى كربلاء ، قاصداً القتل والإستشهاد فيها !! .
وهذا التقرير منهم خطير وغير دقيق ولكنه منتشر في الأوساط التعبوية والدعائية ، ولذلك كان لابد لنا من متابعة هذا الموضوع من كافة جوانبه إن أمكن ، من خلال متابعة معاني الألفاظ الواردة في الخطبة المذكورة ، ودلالتها في الواقع الموضوعي الذي صنعها ، وعلاقة تلك الخطبة بتاريخ وقعة كربلاء وبهدف الحسين المعلن ، وهل هي بالفعل مرتبطة بفكر الحسين - ع - وبعقيدته ؟ أم إنها مجرد كلام جيء به لزيادة الحبكة العاطفية وتعمية البسطاء من الناس ؟ . وقبل البدء لابد من توضيح الصورة التي أنشئت بها تلك الخطبة ... وإليكم النص الكامل لهذه الخطبة المزعومة : ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة , وما أولهني إلى أسلافي أشتياق يعقوب إلى يُوسُف , وخير لي أنا مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء , فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سُغباً , لامحيص عن يوم خُط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجورالصابرين , لن تشذ عن رسول الله لحُمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعدُهُ , من كان باذلاً فينا مُهجتهُ ومُوَطناً على لقاء الله نفسهُ فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً أن شاء الله ) البعض ممن تستهويهم القصص والخيال أدعوا بان الإمام الحسين (ع) إنما تحرك من مكة إلى كربلاء لكي يُقتل فيها جاعلين من هذه الخطبة دليل على ما ذهبوا إليه ، ولكي نفهم هذه الخطبة عن قرب فهماً صحيحاً وواقعياً وبعيداً عن التضخيم الدارج ، لابد لنا من معرفة هاتين النقطتين : النقطة الأولى : يجب علينا فهم موارد إستعمال الألفاظ التي وردت في الخطبة من قبيل لفظ [ خُط الموت على ولد آدم ] ولفظ [ وما أولهني إلى أسلافي ] ولفظ [ من كان باذلاً فينا مهجته ] ، ونظائر هذه الألفاظ والعبارات التي تتحدث عن الموت ، وهذا يستلزم منا القيام بتفسير موضوعي لهذه اللفاظ ، حتى يتسنى لنا جميعاً فهم مداليلها الواقعية وكما هي . والنقطة الثانية : يجب علينا إدخال كل القرائن الممكنة الحالية والمقالية لنتمكن من إدراك واقعي حقيقي لمفاهيم المعاني الواردة في الخطبة بشكل كامل ، آخذين بنظر الإعتبار سبك ومفهوم وإصطلاح العبائر لغوياً وعرفياً ، وسنحاول هنا أن نلقي مزيداً من الضوء على ذلك مبتدئين : !! بالقسم الأول : أي حين تكون كلمة: الموت شعار للمجاهدين لفظ - الموت - في الإصطلاح هو شعار للرجال المقاتلين وهو شعار تعبوي إعتباري ويكون دائماً ذلك الإعتبار جزءا ًمن الواقع المُعاش الذي يخوض فيه المقاتل صراعاً بالفعل ، والصراع يجب ان يكون بين قوتين متغايرتين في الأهداف وفي الغايات وفي الوسائل . ومما لا ريب فيه ان كلمة - النصر - المستخدمة في لغة الحروب لدى المجاهدين توظف الموت وهي تتحدث عن الحياة ، وهو توظيف طبيعي سيكيولوجي في الغالب ، و يجب التذكير هنا بان الموت لايعني الفناء و الإنعدام والإندثار , إنما هو تعبير عن الحياة وقد عبر الكتاب المجيد عن ذلك في مواقع منها قوله تعالى : [ ولاتحسبن الذين قتلوا قي سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ] , و هذا الإستخدام جارٍ في لغة العرب و في العرف منه الكثير .. يظهر ذلك في القول الدارج : نحن مستعدون للموت ، أوقولهم : تقدموا للموت توهب لكم الحياة ، وابذلوا الأرواح تغلبوا عدوكم .. . وعلى هذا السياق نقول : ان من يعشق الحياة ويؤمن بالحرية فانه يرفض الذل والخنوع للظالم المستبد و لا يرهب الموت ، ولذلك فهو يدافع عن الحق وعن الحرية وعن العدل دفاع الأبطال حتى يحقق النصر . وأما من يخشى الموت !!! ولايدافع عن حرية الإنسان وعن كرامة الإنسان وعن حقوق الإنسان فإنه بالضرورة مغلوب مهزوم من قبل اعدائه . ويجب أن لا يذهب بكم التصور عنا حين نطلق - الموت - شعاراً إننا نعني به المفهوم الضيق لا ليس هذا مطلقاً ، كما يفعل جناة التاريخ من الإرهابيين اليوم الذين يُقدمون على الموت في ظن خائب ، ولكننا أستقينا هذا المعنى للموت من السيرة التاريخية وبما ورد في التنزيل الحكيم ، ولكي نوضح ما نريد بيانه وتبنيه نعرض عليكم بعضاً من الأدلة التي تؤكد على ماذهبنا إليه ، وحتى تكون عونا ًلنا في إدراك حقيقي لمعاني الخطبة حسب القواعد العامة وكذا وفق المذهب العرفي العام وهي كما يلي : 1 - ماقاله مالك الأشتر لجنوده وبروح حماسية ... كما ينقله الخوارزمي في المناقب ص148 طبع النجف ( وقد وطنوا أنفسهم على الموت) .. وظاهر القول : إن مالك لايريد أن يقول لجنوده : عليكم أن تقتلوا أنفسكم ... بل أراد أن يقول لهم : عليكم أن تتقدموا إلى ميدان القتال مؤمنين بالنصر والغلبة على عدوكم ، من دون خوف من الموت ، وهذا عين ماقاله زهير بن القين عندما إلتحق بقافلة الحسين (ع) قال : - قد وطنت نفسي على الموت - كما جاء في الأخبار الطوال للدينوري ص 223 ، ولم يكن قول زهير : أني ذاهب للقتل ، بل كان يقصد القول : إني مستعد لنصرة الإمام الحسين ، من دون خوف من الموت ، وإني أقدم نفسي في ذلك نصرةً للحق . 2 - و كذا ما قاله : عبدالله بن جحش لإصحابه حينما أرسله الرسول (ص) على رأس إحدى السرايا العسكرية الإستطلاعية إلى وادي النخلة قائلاً : كما ذكر ذلك ابن هشام في سيرته ص 602 ج1 : - من كان منكم يريد الشهادة فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع - ، ولاريب ان عبدالله بن جحش لايريد بقوله هذا لإصحابه : ان كل من يريد أن يقتل نفسه فليتحرك معنا ، إنما أراد ان يقول لهم : إن المستعد منكم للتضحية المخلصة و لايرهب الموت فلينطلق معنا ، والفرق واضح بين اللفظين وبين المعنيين . 3 - و ما جاء في تأريخ معركة أحد ، كما يقول ابن هشام في السيرة ج2 ص68 إن أبا دجانة الأنصاري يلبس ( عصابة الموت ) كلما توجه للحرب ، ولاريب إنه يقصد بذلك : إن - أبا دجانة - حين يلبس - عصابة الموت - يذهب للحرب لا لكي يقتل نفسه ، بل إنه مستعد للقتال والتضحية في سبيل الله حتى الموت ، وهذا القول لايعني بالضرورة من مفهومه المتبادر المفهوم الأولي هو الموت الواقعي الحتمي الذي لامفر منه ، بل هو إصطلاح معروف لدى خطباء العرب ومحدثيهم . 4 - وأيضاً ماكتبه عقيل بن أبي طالب إلى أخيه الأمام علي (ع) كما يذكر ذلك ابن قتيبة الدينوري في الأمامة والسياسة ج1 ص55 ، بعدما رأى طلحة والزبير وعائشة عازمون على حربه ، وهم متوجهون نحو البصرة قال : - فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ...الخ - ، وواضح من كلام عقيل إنه لم يكن يقصد : إنك ذاهب للموت !! أو إنك ستقتل نفسك في الحرب بل انه يريد القول ، ان القوم أجبروك على الدخول بحرب معهم ، وهذا الإجبار يتطلب المزيد من الفداء والتضحية والإيثار ومجابهة الأخطار حتى الموت مادام في ذلك عزة الحق ونصرته . 5 - وأيضاً ماجاء في رد أمير المؤمنين (ع) على معاوية حينما هدد بالحرب فكتب أليه قائلاً : كما في نهج البلاغة رسالة 28 - وانا مُرقلُ نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت - ، ولاشك إن الإمام (ع) هنا لايريد أن يقول لمعاوية : إن جنودي يتحركون لكي يُقتلوا ، وانما أراد من قوله (ع) : إني أسير برجال لايرهبهم الموت طمعاً في النصر والغلبة على عدو الله ، وهذا الإستخدام قد أطلقه أمير المؤمنين (ع) في العديد من المناسبات ليوضح فيه مدى قابلية الفرد المؤمن على الفداء والتضحية من اجل إرساء قواعد الحق . 6 - وأيضاً ما كتبه أبو بكر لخالد بن الوليد : عندما أرسله في إحدى الدوريات الحربية قائلاً : كما في شرح النهج لأبن أبي الحديد ج3 ص273 - إذا لقيت العدو فأحرص على الموت توهب لك الحياة - ، وظاهر الحال أن أبابكر لايريد ان يقول لخالد : أقتل نفسك في ميدان الحرب عند لقاء العدو ، بل انه يريد القول كما هو واضح : لاترهب الموت عند منازلتك العدو فإن ذلك سيهب لك الحياة والنصر ، ولو أستسلمت لعامل الخوف من الموت فلا شك ستقع فيه . 7 - وايضاً ماقاله أمير المؤمنين (ع) لجنوده في حرب صفين عند لقاء معاوية وهو يبعث فيهم روح الحماس والشوق لمنازلة العدو قال : في نهج البلاغة شرح محمد عبده خطبة 51 : - الموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين - ، لاشك ان الإمام (ع) في كلامه هذا لجنده محبباً لهم القتال لم يكن يريد إن يقول : أقتلوا انفسكم ، بل أراد من قوله هذا هو : ان لوبقيتم أحياء وتحت سلطة الظلمة وبإرادة وتوجيه العدو فإن هذه الحياة حياة ذليلة ، وانها بمثابة الموت الواقعي فليس معنى الحياة في فكر علي هو الوجود المادي مع سلب الإرادة والحرية والكرامة ، ولكن لوقاتلتم بعزة وشرف لاتبالون بالموت إن وقع عليكم أو وقعتم عليه في سبيل إستقلالكم وعزتكم ، فإن الموت مع الغلبة على العدو هو الإنتصار الحقيقي ، وطبيعي لو قتل أصحاب الأمام (ع) جميعاً فلا معنى أيضاً للحياة إلا بعزة وشرف ، وظاهر الحال أن مصداق كلمة قاهرين في الجملة تعني ( المنتصرين) . إلى هنا أتضح بشكل رئيسي ان الإلفاظ التي وردت في الخطبة أعلاه من قبيل - خط الموت - وما أولهني إلى أسلافي - ... التي تتحدث عن - الموت - لم تكن في الواقع دليلاً يعتمد عليه في مقام الدعوى التي يطلقونها ، بل إنها جاءت للتوكيد من باب آخر على إن إرادة الإمام (ع) تتحدث : على إنه إنما لم يتحرك من مكة لكي يُقتل في كربلاء ، - بإي نحومن موارد إستعمال هذه العبارات - ، ولذا يُمكن حمل كلام الإمام إن صح على إنه كان يتحدث عن الموقف العام من مسألة الدفاع عن الإسلام و التصميم على عدم التفريط بالحق ولا زم ذلك عدم الخوف من - الموت - في سبيل الإنتصار على الظلم والإستبداد . والآن ماذا تعني جملة أو لفظة - بذل مهجته - ؟ : قبل التعريف بمعناها المعجمي والإصطلاحي فاننا نقول : إن جملة - من كان باذلاً فينا مهجته فليرحل معنا - ، والتي وردت في سياق الخطبة تتحرك بشكل خاص نحو هذا التصور ، بل وتساعد في ذلك لتقول : انما تحرك الحسين من مكة لكي يُقتل هو واصحابه في كربلاء !! ، ومن هنا اعتبر البعض هذه العبارة في الإصطلاح من قبُيل الدلالة على المقصد الذي أراده الحسين في تحركه ، ولكي لا يلتبس الموضوع حاولنا ان نجري التحقيق التالي تضميناً للفائدة وعوناً في الهدف . أن كلمة (مهجة ) بالمفهوم المعجمي : وحسب إستخدامها الظاهري تؤول إلى عدة معاني نذكر منها : 1 - المهجة تعني الدم . 2 - المهجة تعني دم القلب . 3 - المهجة تعني الروح . ولكن مع التوجه إلى الموارد التي تُستعمل فيها هذه اللفظة ، يعلم للوهلة الأولى إن معناها عام ويدل على مطلق مفهوم الجهاد بدلالة وجود لفظة – بذل - ، ولكي نُثبت ذلك إليك بعض الإستعمالات التي جاءت تاكيداً لما ذهبنا إليه : منها : ماورد في بحار الأنوار للمجلسي ج48 ص 186 1 - قول الإمام الصادق في وصف الصلاة قال : - لاتتم الصلاة إلا لذي طهُر ، فهو واقف بين اليأس والطمع .. كأن الوعد له صُنع والوعيد به وقع .. بذل في الله المهجة وتنكب اليه غير المحجة .. فإذا اتى بذلك كانت هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر - ، ولاريب ان معنى كلمة بذل مهجته انما جاءت في هذا القول لتتكلم عن مطلق الجهاد ، وليس ذا خصوصية خاصة في القتال ، فهو لفظ حاثُ على العمل في سبيل الله بجد وعلى كافة الأصعدة . 2 - ومنها ما ورد في فضائل الباقر ، يقول : ابن شهر آشوب في المناقب ج4 ص208 : - كان أصدق الناس لهجة ، وأحسنهم بهجة وأنبلهم مهجة - ، وطبيعي أن أبذلهم مهجة في الحديث لم تكن دالة على إن الإمام الباقر ، كان أكثر الناس سعياً من أجل القتال . بل إن معناها الواقعي هو : إن الإمام الباقر ، كان أكثر الناس عملاً وتضحية في طريق الله ونشر الدعوة والأفكار الإسلامية . 3 - وما جاء في رسالة معاوية بن ابي سفيان إلى الزبير ، كما في شرح النهج لأبن أبي الحديد ج10 ص 236 ، وهو يدعوه للقيام بوجه أمير المؤمنين (ع) ويؤمله بإرجاع الخلافة اليه قائلاً : - وانت الباذل في الله مهجته - ، ولاريب ان هذا القول تذكير من معاوية للزبير عن فترة جهاده مع رسول الله (ص) . وليكون معلوماً بإن معاوية لايريد بقوله هذا للزبير : إنك قد قتلت نفسك في زمن رسول الله (ص) ، و الرسالة التي بعثها معاوية للزبير كانت في الفترة الأولى من خلافة علي - ع - وفي حياته ، إذن فمعاوية يريد أن يقول للزبير : إنك قد جاهدت وضحيت في سبيل الله وطريقه ، وهذا المعنى للقول موافق ومنطبق على الواقع أنئذاك . 4 - وما قاله عبدالله بن هاشم المرقال في حرب صفين وهو يبعث روح الحماس بين صفوف جنده : كمافي شرح النهج لأبن أبي الحديد ج8 ص 30 : - جودوا بمهُجكم في طاعة الله - ولاريب إن عبدالله بن هاشم لايريد ان يقول لجنده عليكم أن تذهبوا إلى ميدان الحرب لكي تُقتلوا بل إنه يريد القول : - جاهدوا في طريق نصُرة امير المؤمنين - ع - تهزموا عدوكم ، وعلى هذا الأساس فإن الذين ذهبوا إلى ميدان الحرب ، وقتلوا من جماعة معاوية ، وعادوا سالمين إلى مواقعهم إنما عملوا بوصية عبدالله بن هاشم في بذل مهجهم بطاعة الله . وهكذا أتضح لنا فيما سبق إن هذه الموارد التي ذكرناها في هذا المقام ، أتضح بإن معنى - بذل مهجته - من الناحية اللغوية والدلالية ، لم تستعمل في المعنى الحصري للفظة ، بل أستخدمت في معناها العام المطلق ، وهذا لون من الوان الإستعارة بالمعنى ويحسب ذلك من فنون البلاغة ، وهذا الإستعمال الإستعاري موجود في معظم اللغات ، وهو اقتباس المعنى وتحرير جزئياته ، وهذا اللون من الإستعارة هو ما نطلق عليه - بالإستعارة التبعية - ، ومعناها في مطلبنا هو الجهاد تشبيهاً لها بمن ضحى بنفسه . تنبيه أول : إن جملة - بذل المهجة - تُستعمل في التعبير عن الصداقة والحب المخلص كما جاء ذلك في امثال العرب إذ يقول الأب لويس : في المنجد حرف الميم : - من محّضك مَوّدته فقد خولك مهجته - ، وهذا الإستعمال إيضاً من باب الإستعارة التبعية لأنها تمثل الإخلاص في الحب والصداقة ، كمن يهب روحه وبدنه ، وهذا التشبيه كما علمت جاري في موارد كثيرة ، وله في التعامل اليومي امثال وصور متعددة . ولكن لنعد إلى صلب الموضوع فلقد أتضح لنا مما تقدم ان جملة - بذل مهجته - لم تستخدم بمعناها اللغوي المقيد بل أستخدمت بمعناها المطلق . ولهذا اصبح واضحاً من مجموع مامضى من المعاني لجملة - بذل مهجته - التي جأءت ضمن - خطبة خط الموت - مورد بحثنا من كان فينا باذلاً مهجته فليرحل معنا ، إنه لم يقصد طبعاً في قوله هذا إني ذاهب لكي أقتل ! و لم يقل من يستعد منكم لذلك معي فليتحرك معنا ، لأن هذا المعنى ليس هدفاً للناس العقلاء ولا حتى للمهرجين منهم . إذن فمراد الإمام كان شيئاً آخر هو كما يلي : [ من كان منكم مستعداً للجهاد والتضحية ونصرة الحق وإحياء معالم الدين فليتحرك معنا ، فإننا عازمون على ذلك ] . وهذا المعنى له ما يؤكده وليس له ما ينفيه من ثبوتيات الأمر ، لأن هناك من أرتحل معه ولم يقتل امثال الحسن المثنى وعمروبن الحسن وآخرين جاؤوا معه !! ولكن لم يُقتلوا ، نعم إنهم عملوا بكلامه !! وبذلوا مُهجهم وجاهدوا وضحوا ولكن لم يستشهدوا ! إلى هنا أنتهينا وإياكم من القسم الأول من توضيح وتفسير ألفاظ وردت في سياق الخطبة - كخط الموت ، ومن كان باذلاً مهجته - والتي تتحدث عن الموت وظهر لنا ما ذا تعنيه تلك الالفاظ حسب سياقات الدلالة اللغوية والإصطلاحية . القسم الثاني : - القرائن التي جاءت في سياق و سباق - خطبة خط الموت . ونعني بذلك القرائن الحالية و القرائن المقالية التي تدخل في فهم وتحليل معنى - خطبة خط الموت - القرائن الحالية : هي عبارة عن مجموع كل القضايا والأحوال والمناسبات والأفكار التي صاحبت نشوء هذه الخطبة المزعومة ، والقرائن الحالية : تعني إذن الجو العام الذي قيلت فيه تلك الخطبة ، ولهذا سنحاول جاهدين توضيح ذلك الجو الذي أنُشئت فيه تلك الخطبة ، وكيف صيغت عباراتها ؟ وهذا يعني إننا سنبحث بالفعل عن ماهية ذلك الجو وطبيعته الموضوعية ؟ . وإليكم التوضيح : إن الحسين هاجر في أواخر سنة 60 للهجرة من المدينة إلى مكة ، وكان ذلك نتيجة طبيعية لرفضه البيعة ليزيد ، و كذلك محاولةً منه تجاوز مراحل الخطر التي كانت تلاحقه ، وهكذا هاجر الحسين ليلاً ، ومكث في مكة اكثر من 4 أشهر ، وهذه الفترة من الناحية العملية كانت تعني بالنسبة إليه فترة جمع وتقصي المعلومات والأخبار عن الأوضاع السياسية في العراق وفي أرجاء الدولة الإسلامية . و كذلك يمكن إعتبارها إيضاً مرحلة للتعرف على دور القوى القوى المعارضة ، و كذا الجماعات المؤيدة لحكم يزيد ، وهذا العمل كان له ما يبرره من الناحية الموضوعية والسياسية ذلك لإن اهل الكوفة من أهل العراق قد راسلوه وكاتبوه وأعطوه العهد ، وهذا الإجراء منه طبيعي وضروري في الفكر السياسي والتنظيم العام لذلك قام بمايلي : أرسل مسلم بن عقيل سراً إلى الكوفة ليتحقق من صدق توجهاتهم ، وهل هم جادين بالفعل أم لا في دعوتهم إياه ؟ ، وكذا ليّطلع على أوضاع الكوفة السياسية والإجتماعية عن قرب ، ومن ثم يبعث إليه بما يجمعه من اخبار وتحقيقات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كتب رسالة إلى زعماء البصرة يطلب منهم العون والمساعدة وليعرفوه بدقة عما يجري عندهم ، وكيف يُمكن لهم إن يكونوا جزءاً من مشروع التغيير والإصلاح ؟ . وبالفعل فقد أستجاب لطلبه البعض من زعمائها واعطوه العهد والميثاق في نصرته ومساعدته العسكرية ، ومسلم بن عقيل كان مقتنعاً في أسلوب تحركه ، و لهذا كتب للحسين كما جاء في الإرشاد للشيخ المفيد ص 221 : - فعّجل الإقبال حين يأتيك كتابي هذا فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى - . وقد أصبحت تلك التأكيدات من قبل مسلم عامل إطمئنان مضاف لدى الإمام - ع - حول أهداف تحركه ، وعلاقة ذلك بالكيفية التي يمكن من خلالها تشكيل حكومة عادلة في الكوفة . وهذه الأمور تخضع بالضرورة لعامل التجاوب الجماهيري الذي كان بمثابة عامل مساعد في تحريك الوضع العام ، من أجل إعادة بناء المجتمع على أسس صحيحة تلغي ما كان قد فعله معاويه من طبقية وعصبوية ، أعني إعادة تشكيل المجتمع وفق قيم العدل والحرية والسلام . كما يجب ان نعترف بان الحكومة الأموية قد فقدت الكثير من بناءاتها وضعفت في عموم إداراتها بعد هلاك معاوية ، ومع ذلك فهي كانت تراقب عن كثب تحرك الإمام - ع- وموقفه تجاه هذه الأوضاع وماهي النظرة التي يروم القيام بها ؟ و لهذا أتخذت قراراً خطيراً للوقوف بوجه الحسين وإن تطلب ذلك قتله وإستباحة حرمته !! . ولكن هل يجوز للحسين تضييع الفرصة المهيأة له من أجل رفع الظلم والمساهمة في تشكيل حكومة عادلة ؟ ولكن ماذا نعني بالفرصة تلك ؟ ، هي مجموعة العناصر من قبيل : 1- أستعداد الجماهير الكوفية صاحبة الدعوى من اجل الثورة حتى تحقيق النصر . 2- ضعف حكومة يزيد في إدارتها للدولة . 3- الإستياء العام والنفور الجماهيري من حكومة يزيد . 4- إستعداد الإمام (ع) للقيام بواجباته الشرعية تجاه هذه الأمة . إذن فإن أكثر من 50% من عوامل النصر كانت مهيأة للإمام - ع - ، وليس بالميسور التساهل أو التهاون في حساب هذه النسبة أو تضييعها وفق المذهب السياسي ، وفي مثل هذا الجو المكفهر الذي يحتاج قبل كل شئ إلى تصميم وإرادة وشجاعة وفداء ، وهو موضوعياً يحتاج إلى قائد من طراز فريد كما يحتاج إلى صدق استعداد من قبل الناس الذين دعوه ووثقو به . ولو فرضنا وفرض المحال ليس بمحال صحة الخطبة وصحة صدورها ، فإنها في أحسن الأحوال لا تخرج من كونها إنشاء بمعنى الحث على الفداء والتضحية في سبيل القيم الكبيرة ، وهنا يكون الهدف والوسيلة جزءاً واحداً أو هما واحد من كل . ولذا وحسب هذا الإفتراض ستكون خطبة خط الموت إنشاء سيكيولوجي يراعي فيه جميع الظروف ويعتبر النصر حالة ملازمة لمن يجد ويجاهد أكثر . القرائن المقالية : يجب التذكير بان مجموع الأخبار والروايات والخطب التي تُنسب إلى الحسين والتي وردت في تاريخ وقعة كربلاء جاءت أو قالها بعد أن تحرك من مكة . ولكن يجب ان نعلم بان تفكيره - ع - عندما تحرك من مكة كان واضحاً محدداً ، وإليك بعض هذه القرائن المقالية اللازمة في هذا المقام : القرينة الأولى : يذكر الشيخ المفيد في الإرشاد ص 199 ، ان الإمام الحسين - ع - عندما التقى في الطريق بالفرزدق وبعد أن اجرى معه محادثات عن توجهات اهل الكوفة وافكارهم العامة قال له - ع - : ( أن نزل القضاء بما نُحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ) . ويعني بذلك ان الذي نحبه ونرجوه أن يمدنا الله بالنصر ، ولاريب إن معنى النصر في كلامه - ع - هو البحث عن وسائل ممكنة لرفع الظلم وقيام حكومة عادلة في الكوفة ، و هذه هي الخطوة الأولى التي يُمكن من خلالها تغيير النظام السياسي في دار الخلافة ككل . القرينة الثانية : هو ما كتبه الإمام لأهل الكوفة في وسط الطريق قبل سماعه بخبر إستشهاد مسلم بن عقيل ، وقد ضمّنها شكره الحار لأهل الكوفة : كما يقول الشيخ المفيد في الإرشاد ص 200 : - أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم وإجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وإن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم ، وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه - . ولاريب إن الإمام – ع - هنا يؤكد على مسألة التلاحم ورص الصفوف ويطلب إليهم العمل الدؤوب للإستعداد لتشكيل الحكومة العادلة . القرينة الثالثة : ماقاله الإمام - ع - للطرماح وهو في طريقه إلى الكوفة : كما جاء في بحار الأنوار للمجلسي ج44 ص 369 : - إن يدفع الله عنا فقديماً ما انعم وكفى وإن يكن ما لابد ففوز وشهادة - . إذن فهكذا يتحدث الإمام - ع - : ( إن يدفع الله الشر عنا فسننتصر ) وهذا في الواقع دليل على إن الإمام ، كان يأمل بالغلبة والنصر في جهاده ، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد على ان لو أستشهد فذلك فوز له إيضاً . القرينة الرابعة : قول الحسين عندما التقى بالحر بن يزيد الرياحي ، كما روى ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد ص205 : - أما بعد ، أيها الناس فإنكم أن تتقوا الله وتعرفوا الحق لإهله تكن ارضى لله عنكم - . وواضح أن الإمام الحسين (ع) إنما يتكلم عن الخلافة الإسلامية وحقه فيها لإنه أولى بها من يزيد ، وأيضاً في حديث آخر له مع الحر وأصحابه قال (ع) : ( أيها الناس إني لم أتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسُلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق ... ) . كل هذه كانت أدلة موضوعية في سبب تحركه نحو الكوفة إلى جانب ما أبدته القوى الجماهيرية لأهل الكوفة بالعون والنصرة ، وكانت كلها بمثابة عوامل مساعدة لإقامة حكومة عادلة ، والعمل على نجاة العراق وشعبه من سلطة يزيد وحكومتة الظالمة . القرينة الخامسة : ما قاله الإمام - ع - لنافع بن هلال وثلاثة آخرين من أصحابه كانوا قد قدموا من الكوفة ، كما يقول الطبري في ج4 ص306 ، وعند التحاقهم بركبه قال لهم : - أما والله أني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا - ، ولاريب إن مسألة النصر أو الشهادة الإثنتين معاً كانتا حديث الإمام ، وبديهي أن يعمل الإمام من خلال البحث عن النصر ولا ضير إن وقع شهيداً في ذلك الهدف ، لوجود الملازمة بين مفهوم الشهادة ومفهوم النصر ، وهذا منه ليس بجديد وإنما هو إقتباس من بعض نصوص التنزيل الحكيم . تفسير خطبة خط الموت مع التوجه إلى كل هذه القرائن التي ذكرناها يكون تفسير - خطبة خط الموت - التي اوردنا متنها في أول البحث هو كالآتي : ( إن الحسين يعيش حالة صراع مع حكومة يزيد ، وان مبعوثه إلى أهل الكوفة مسلم بن عقيل ، كتب إليه بأخبار تؤكد عزم أكثر أبنائها على مساعدته والوقوف معه حتى يتمكن من إعادة بناء مؤوسسة السلطة والحكم ، وهم في هذا مع الحسين كذلك فقد وصلته أخبار مشجعه من البصرة ، مفادها بأن بعض زعمائها الرئيسيين أبدوا تمام الإستعداد لمساعدته والوقوف إلى جانبه ، وإنه امام كل هذه الشروط الموضوعية يرى نفسه ملزماً بإداء وظيفته الشرعية والأخلاقية ، في العمل من أجل تبني مشروع إصلاحي عام يشمل كل مفاصل الحياة في مجتمع الخلافة آنئذاك ، ولهذا فهو يرى وجوب حماية هذه القوى التي تبدي أهتماماً واسعاً بمساعدته ورعايتها . وطبقاً لما ذكرناه سالفاً من ملاحظات فإنه أي الحسين أصبح جاهزاً للتحرك نحو الكوفة وذلك لمساعدة أهلها الراغبين في التحرر والإنعتاق من سلطة الظلم الأموي ، وإن الوقوف مع اولئك يعتبر بمثابة الإحياء الواقعي لحكومة الإنسان ، والحسين يعلم بان حكومة يزيد ستعمل بكل إمكاناتها المتاحة لتدمير كل تحرك شعبي مناهض للظلم والإستبداد ، ولذلك أبقى الحسين هذا الإحتمال قائماً في حسابه ، بان يقوم مرتزقة يزيد وعُماله بإحباط تحركه هذا ، وهذا الإحتمال في حد ذاته يعتبر مصدر خطر في حال تنفيذه ، ووهو يعلم كذلك إن الأبواب جميعها سوف لا تكون مفتوحة امام تحركه ولعله سيواجه الموت ، ولأن الموت أعلى مراتب الخطر لذلك قال : إننا لانرى بأساً في الموت لأنه أمر مكتوب على ولد آدم ، وما أولهني إلى أسلافي ، ولا يمكن الفرار من قدر الله ، و لوقدر لنا الإنتصار في هذه المبارزة فإن تلك نعمة يمن الله بها علينا ، ولا نستطيع إتمام الشكر له عليها ، ولو قدر لنا وقتلنا ولم ننتصر فذلك أمر لامفر منه ولاراد له ، وما يرتضي الله فهو رضانا نصبر على ذلك ، فمن منكم مستعد لتحمل أعباء مسؤولياته تجاه الإسلام ونجاته من يد الحكومة الظالمة ، عليه أن يكون موطناً نفسه للموت ، وليستعد معنا للتحرك فإنني راحل غداً أن شأءالله : - ومن كان باذلاً فينا مهجته فليرحل معنا - قبل فوات الأوان لنتمكن من تشكيل حكومة عادلة بيد الأحرار المحامين عن الحق والمطالبين لقدومنا والتواقين للحرية والسلام ... تنبيه ثان : وللتبيه نقول ورد في الخطبة المزعومة إن الحسين عليه السلام قد حدد مكان إستشهاده !! ، بين النواويس وكربلاء ، والنواويس هي : - قبور النصارى - ، ولكنه ورد في رواية أخرى كربلاء فقط من دون ذكر النواويس - راجع تذكرة السبط ص250 لابن الجوزي ، وجيء في رواية ثالثة بابل كما : عند ابن كثير ج8 ص 163 ، وفي رواية رابعة العراق كما في ذخائر العقبى ص148 ، وفي رواية خامسة شط الفرات كما في الصواعق المحرقة ص 191 ، وفي رواية سادسة الطف كما في كامل الزيارات ص 74 ، وفي رواية سابعة قريب النهرين كما عن ابن كثير ج8 ص165 ـ وكامل الزيارات ص 72و73 ، وجميعهم يقصدون هدفاً واحداً . ومن هذه الروايات يتبين إن التحديد المزعوم ليس على مايرام خاصة مع تناثر الأقوال وتشتتها ، وحتى الروايتين المشتملتين على كلمة - كربلاء - لم تكونا بمستوى واحد ، لإنه قد جاء في إحداهما ذكر كربلاء بمفردها ، وفي الثانية جاء ذكر - بين النواويس وكربلاء - وهناك ثمة فرق بينهما ، وهذا يعنى إن مكان إستشهاد الإمام قد جاء على نحو تقريبي ، وليس على وجه دقيق ومحدد وهذا مخل في وحدة بناء النص وحقيقتة ، وهذا الإشكال الموضوعي ينفي جدلاً شبهة تحديد محل الإستشهاد - بكربلاء - وحدها من دون النظر إلى الرواية الأخرى بين النواويس وكربلاء أوالروايات الأخرى التي أشرنا إلى بعض منها . هذا المطلب أعتقد أصبح معلوماً بالنسبة لمن تتبع مجريات البحث ولكن يوجد مطلب آخر ، يجب التوجه إليه وقراءته بدقة وهو : ما نقل عن الإمام الحسين قوله لعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير : - لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب الىّ بأن تسُتحل بي حرمة مكة - عبدالكريم بن طاووس اللهوف ً 55 ، وإيضاً ورد في رواية أخرى وبعضها معتبرة الصدور قوله لمحمد بن الحنفية : - يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة البيت - المصدر نفسه . يظهر لنا من جملة هذه الروايات إن الحسين لم يكن يعلم يقيناً بإنه سيستشهد في كربلاء ، وذلك يظهر من خلال قوله أو إحتمال قتله في بمكة أو في أي مكان آخر .. والأن كيف نتمكن من الجمع بين هذه الأخبار التي تقول بإستشهاده في العراق ، والإخبار التي تقول باحتمال استشهاده في مكة أو في أي مكان آخر ؟ وللجواب نقول : لعل الأخبار التي تقول بشهادته في العراق أو قريباً من الفرات إنها من الأخبار البدائية القابلة للمحو والأثبات ، وبالنتيجة فلا يكون إستشهاد الإمام - ع - في العراق أو بين النواويس وكربلاء قطعياً وحتمياً ، ومن هنا أحتمل الإمام - ع - أن يسفك دمه في مكة أو في مكان آخر . مما تقدم يتضح لدينا بان عبارة : - ( كأني بأوصالي تقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) ، التي وردت في الخطبة المزعومة لم تكن دليلاً وحجة على ان الإمام - ع - يريد أن يقول ( أنني حتماً سوف أقتل بين النواويس وكربلاء ) ، ولهذا السبب تحركت نحو العراق ، بل إن هذه العبارة : إن أحسنا الظن بها فهي لا تعدو ان تكون من باب الإحتمال ، والإحتمال في باب العقايد لا يبنى عليه كما هو واضح ومقرر في أصول الإعتقاد . تنبيه أخر : وكلك لم يتضح لنا ما إذا كان استشهاد الإمام – ع - ، بين النواويس وكربلاء كما صرحت به الخطبة !! أم إنه في كربلاء كما جئ بخبر إنزال الحر للإمام عنوة في تلك الصحراء المقفرة ؟ ، التي سأل عنها الحسين عليه السلام قائلاً : ما أسم هذه الأرض ؟ ، قال : كربلاء !! وهناك إحتمالات في هذا المقام . الإحتمال الأول : أن تكون - كربلاء - هي الأرض التي تقع بالقرب منها ، وتكون هي محسوبة من توابعها ، وفيها تكون الأرض التي بين النواويس وكربلاء ، وإنما جاءت لفظة - كربلاء - من باب المسامحة في الإستعمال . والإحتمال الثاني : أن تكون هذه الأرض التي إستشهد فيها الإمام - ع - إنما كانت هي كربلاء حقيقة ، ولم تكن من باب المسامحة في الإستعمال بل هي كربلاء ، ويكون حسب هذا الإحتمال إن الإمام - ع - أستشهد في كربلاء وليس بين النواويس وكربلاء .. وبالتالي فإنه لم يتضح لدينا المطلب بشكله الصحيح بل إنه مجرد ظنون والظن لايغني عن الحق شيئا !! تنبيه رابع : نعلم جيداً إن عبدالله بن جعفر كان قد ألتحق في الطريق بالإمام - ع - بعد تحركه من مكة قاصداً العراق ، وعندما وصل إلى قافلة الإمام - ع - قال : - كما يخبرنا بذلك الشيخ المفيد في الإرشاد ص 200 (... إني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ، أن يكون فيه هلاكك ) ، ونحن في تفسيرنا لمعاني خطبة خط الموت إتضح لنا بالفعل إن الإمام - ع - لم يكن يريد بقوله إني ذاهب لكي أقتل في كربلاء هذا من جانب ، ومن جانب آخر معنى و مفهوم الإعتراض الذي أبداه عبدالله بن جعفر وإصراره لكي ينصرف الإمام من سفرته تيك ، معللاً ذلك بالخطر الذي سيواجهة في حال سفره ... وبالإضافة إلى ما تقدم فان زينب - ع - حينما سمعت الحسين ليلة العاشر من المحرم يردد أشعار ( يادهر أف لك من خليل ) ، إتجهت صوب خيمته وقالت : بتعجب وعدم رضى سائلة منه أخي - أفتغصب نفسك إغتصاباً ؟ فأجابها قائلاً : - لوُتِرك القطا ليلاً لنام - أي إن هذا الوضع الذي أنا فيه و ترينه إنما حُملت عليه ، وهو على خلاف ما أبغي وأريد ، فإنكِ ترين أن القوم قد هيأوا كل وسائل الفتك بي ، وها أنا لو تركت حراً لرجعت ، فقالت زينب : - فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي . فلو كان الحسين قد قال في مكة إني ذاهب لكي أستشهد في كربلاء فعند ذلك لا حاجة إذن لإستغراب زينب وعدم رضىاها ، لأنها ستكون في تلك الحالة عالمه بمصيره وعندها فلا حاجة ان تسأله : - أتغتصب نفسك إغتصاباً - ؟ ، ولكان عليها بعدما سمعت كلام الحسين وجوابه ، ان لاتتعجب وان لا تقع مغشياً عليها ... يظهر من حكاية زينب وعبدالله بن جعفر إنهما وهما من أقرب الناس إليه لم يكونا على علم بانه ذاهب لكي يُقتل في كربلاء !!! ملاحظة : يجب ان يعلم القارئ العزيز إن خطبة (خط الموت) وبهذه الصورة التي نقلناها لم توجد في أي من الكتب التأريخية المشهورة من أمثال : 1- تاريخ اليعقوبي . 2- الأخبار الطوال . 3- الإمامة والسياسة . 4- تاريخ الطبري . 5- العقد الفريد . 6- مروج الذهب . 7- مقاتل الطالبيين . 8- الإرشاد للشيخ المفيد . 9- إعلام الورى . 10- روضة الواعظين . 11- الكامل لأبن الأثير . 12- التذكرة للسبط . 13- التهذيب لأبن عساكر . 14- تأريخ أبن كثير . فالخطبة لم تذكر في جميع تلك الكتب والمصادر المدونة أعلاه وليس لها وجوداً فعلياً ، بل إنها جاءت فقط في كتاب اللهوف والكتب التي تلته ، روتها عنه من دون سند يذكر ، وعلى أساس هذا : فالخطبة ليست متواترة أو يقينة ، وليست لدينا قرينة قطعية على صحة صدورها ، وليست هي بمستوى الخبر الواحد الصحيح الإعتبار ، بل إنها من جهة الإعتبار تأتي بمرتية الخبر الواحد المجهول السند الذي لايُعتد به . يتبع [ بحث موضوعي في كتاب إشكالية الخطاب في القراءة التأريخية لوقعة كربلاء ــ للشيخ الركابي ج6 ] 12 - 01 - 08 تعليقات
أعرض التعليقات على شكل
(تخطيطي | متواصل)
اضافة تعليق
|
بسـم الله الرحمن الرحـيم"اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا"
التقويم
بحث سريعيمكنك أخذ نسخة للطباعة بأحدى هذه الصيغادارة المجلةاحصائياتتاريخ آخر مقالة : 2023-09-02 13:16
|
Copyright 2007 © Liberal Democratic Party of Iraq