ثمة جدل مسؤول يدور في أوساط عراقية سياسية نحترمها حول وجوب تغيير علم الدولة والأمة العراقية ، ليكون العلم الجديد معبراً عن واقع حال الأمة بتضاريسها ومكوناتها الطبيعية
علماً يجب ان يكون مناسباً لأشراط المرحلة الجديدة بكل تداعياتها الثقافية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والجغرافية ، ويكون المعبر بالفعل عن الرؤية الجديدة لمعنى ولمفهوم الدولة والأمة العراقية .
ولا يغرب عن البال تلك الحقيقة القائلة بان هوية كل أمة إنما تحددها مجموعة ملامح في شخصيتها القطرية ، وتمتاز بها ككونها علامة فارقة وحاضرة في وجدان الأمة وفي وعيها التاريخي والنضالي وصيرورتها الإجتماعية ، وبها كذلك يمكننا التعريف بطبيعة هذه الأمة وبمزاياها وبمركباتها التي تفترق بها عن غيرها ، وهنا يبرز العلمُ كمحدد أولي واضح الدلالة للتعريف بهوية الأمة تلك بواقعها الإجتماعي وبسلوكها الفكري والثقافي والمعرفي وبإنتمائها البيئي .
وهذا يعني أن العلم الوطني يجب ان لايشكله المزاج ورغبة الحاكم ، بل يجب ان يكون نتاج عقل مجتمعي تتشارك عناصره الفاعلة في تحديد ملامحه القيمية والتاريخية ، وكذا تكون رسوماته وعلاماته عبارة عن علامات الأمة الفارقة والتي تمتاز بها عن سوآها من الأمم .
ويجب ان نعترف بان العراق لم يتحول من النظام القديم إلى العهد الجديد بناءً على نضال أحزابه ومنظماته الحاكمة اليوم ، بل كان ذلك التحول فيه تبعاً لإرادة دولية معينة حققت للشعب ما عجز عنه بالفعل ، ولكن هذا التحول وجد لدى الشعب ما كان يرغب به فكان ذلك التحول والتغيير واقعاً موضوعياً في سياق إرادة الأمة التي عاشت سنيين من الإضطهاد والظلم والمسخ الفكري والمقوم الوجودي .
وهنا ومع هذا التغيير الذي مشى على خُطاه كل صاحب هوى أو مغامر ، مما غير إرادة التحول الخيرة لتكون بدل عن ذلك صراعاً همجياً عمت بلوآه الجميع و لم يتورع من دخول ساحته حتى التقاة من القوم الذين كنا نثق بهم ، فتحول المسار إلى صراع هنا وصراع هناك حول من يملك من ؟؟!! صراع في الطوائف وصراع في المسميات وصراع في الأسماء صراع مفروض
ضاعت معه إرادة البناء والتخطيط لواقع الدولة الجديدة ، وأنا هنا واثق جداً بان الساسة المحليين في العراق ينقصهم الكثير وتنقصهم الرؤية الإستراتيجية والشعور بالمسؤولية الوطنية وتعوزهم العناصر الطبيعية للمواطنة ، ولهذا عجزوا في معنى البناء و كيف يتم ترسيم معالم الدولة الجديدة ؟ .
إلاّ بعض من خطب وشعارات وزيف وخداع ناتج عن جهل من بيدهم الأمر ، ولهذا حاول البعض منهم التشبه بحثالات الماضي في خطبهم وكلامهم وفي ملبسهم ولم نسمع في يوم منهم حديثاً نافعاً يدل على أنهم الرجال المؤهلين لإدارة الدولة والمجتمع .
وسأستعير الوصف الدارج على سبيل المثال عن التغييرات التي حدثت في العالم أبان القرن المنصرم ، الذي حدثت فيه حروب وتشكيلات أممية وثورات متفاوتة ، ولكنها جميعاً عملت منذ البداية لرسم خارطة لشعوبها فكانت الثورة البلشفية وما أنتجته من تغيير في ملامح المجتمع والدولة ، و كذا فعلت ثورة الفلاحين والعمال في الصين ، كما يجب ان نذكر القوى البرجوازية الجديدة بما قامت به ثورة إيران فهي مع خلافنا معها غيرت منذ البدء كل ما يمت للبهلوية بصلة وهذه الجنبة يعلمها .
مسؤولي المنطقة الخضراء الذين كانوا مروجين لنظريتها في الحكم والسلطان ، لكنهم اليوم يتناطحون فيما بينهم وتاركين أحد أهم بنود الدستور الخاص بقضية التعريف بالهوية العراقية وبالعلم العراقي والنشيد الوطني للقدر .
وأقول إذا كان الأخوة الأكراد جادين بالفعل في تشكيل لجنة لرسم معالم لعلم عراقي جديد ، فهذا منهم نعده حركة في الإتجاه الصحيح ، وهذا يعني أننا معهم بكل تأكيد في هذا المسار ، إذ من غير الجائز البقاء في دائرة الصراع المذهبي الذي لم ينتهي و لن ينتهي ولا يجوز معه ترك قضايا الوطن الكبرى للصدفة ، خاصة والوطن العراقي جرى عليه تحول قهري وحروب وإبادة بشرية تحت تلك الرآية القديمة ، ولهذا يستحيل التمسك بخيوط الماضي البالية التي خرقت العقد الوطني وميثاقه العام .
* ولنكن واضحين ونقول بكل صراحة لم يكن علم العراق الحالي يُجسد شخصية الهوية العراقية ، لا من حيث ألوانه ، ولا من حيث خطوطه ، ولا من حيث ما كتب عليه من شعارات المرحلة الخائبة ، كما إنه ليس من الجائز الوقوف عند هذه النقطة وحسب ، مع علمنا الجمعي إنها لا تجسد الهوية العربية للعراق بل كانت تُمثل مرحلة التحول الناصري وشعاراته المربكة والتي أنتجت سيلاً من الهزائم في مختلف الميادين ، إضافة إلى هذا كان علم العراق سبباً مباشراً في زيادة رقعة المعانات الجماهيرية من الفقر والفاقة والعوز الفكري والنقص في الشعور والإنتماء الوطني والتراجع في ذهنية وعقلية الأبداع الأممي البناء .
هي إذن إشكالية الهوية العراقية وإشكالية الوطن العراقي الجغرافيا والناس ، ولا نذيع سراً فنكبتنا الجديدة وما آل إليه الأمر من تولي أمر العراق عصابات الكهان وقطاع الطرق إنما تحتاج منا إلى تعريف جديد للوطن وترسيم خطوط طول وعرض للهوية الوطنية على نحو مغاير .
من أجل هذا أدعوا الساسة المحليين للشعور بالمسؤولية الوطنية وتكليف هيئة متخصصة نزيهة لرسم وتشكيل علم عراقي يتفق عليه الجميع ، ثم يعرض من بعد هذا للإستفتاء عليه من الشعب ، وإذا كان من فضل في ذلك فالفضل لم يهمه العراق الحاضر والمستقبل ..