هذا الخطاب الجدلي الموضوعي
يتضمن مفهوم حركة النقلة في حياة الأفراد والجماعات في الفكر والممارسة وكذا في المنطق كما يرى ذلك أبن سينا والفخر الرازي
أي إنه خطاب واقعي تحليلي بنيوي يعتمد الآليات الطبيعية في عملية التغيير التي تطرء على المجتمع من وقت إلى أخر ، وهو تغيير في الذات والموضوع يلتزم ساحة الممكنات في الفعل والعمل ، ولايخضع هذا الأجراء في ذلك إلى الماورائية الميتافيزيقية حسب المضمون الديني لها ولا للمثالية الأفلاطونية ، وهذا يعني إنها تنطلق من نفس الصيغة العامة للخطاب الذي كان موجهاً في الأساس إلى الإنسان الفرد والإنسان الجماعة ، جاعلاً من عملية التغيير هذه خاضعة للشرط الموضوعي خضوع معلول لعلته أو سبب لسببه ، و يشكل هنا هذا الشرط محتوى التغيير ومضمونه ومحتوى العملية ومضمونها ، سواء في بعدها الفكري والنفسي أو في بعدها المعرفي والعلمي ، كما إن عملية التغيير هذه لا تحدث بصورة فجائية وإنما تتم وفق تسلسل موضوعي محكم يتبع مقدماته المنتجة له ويتم ذلك في ساحة عمل التغيير الموضوعي الكلي .
كما إن هذه العملية لاتتم إلاّ وفق إرادة واعية في الطلب والحاجة ، فحين نقول إن الشرط الموضوعي لتغيير الواقع الإجتماعي هو حاجة المجتمع لذلك فأننا نعني بذلك إن إرادة ذلك المجتمع قد خلقت كل المقدمات التي تجعل من عملية التغيير ممكنة وهي تستهدف بذلك تحقيق السعادة ونيل الكرامة وتقرير المصير في خروج من النمطية قائم على الوعي الذي يمنع منغصات الماضي بكل ثقلها وحجمها .
فلو كانت حاجة المجتمع إلى الحرية كشرط لوجود ذلك المجتمع فان هذا الشرط مرتبط موضوعياً بقدرة هذا المجتمع وإرادته على خلق واقع جديد في السياسة والعلاقات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية المرتبطة مع هذا الشرط وحاجاته ، إذن فالحرية هي حاجة موضوعية تعتبر من اللوازم الطبيعية لحياة كل فرد وكل جماعة لأنها تشكل له القواعد التي تحدد مستقبله ووجوده وكيانه ، وهذه الحاجة بأعتبارها من القيم الموضوعية لذلك فهي من العناصر التي لايتم هبتها للأخرين ، بل هي قيمة يحصل عليها الإنسان من خلال فعله و حركتة وإرادته وهو يخوض غمار هذا الصراع الدائم بين الحق والباطل ومايستلزم ذلك من تدافع وجدل .
ولهذا يُمكن تحقيق هذه القيمة بالفعل المجتمعي من خلال عمل الجماعة ككل وعمل الأفراد منفصلين ، ولكن يستحيل أن تتحقق عملية التغيير هذه عبر وسائط خارجية ، ولهذا رفض الله ذاته أن يكون جزءً من هذه الوسائط في عملية التغيير معتمداً على الإنسان وعلى عقله ورغبته وإرادته وتدبيره في تغيير المسار التاريخي الذي تم على غير إرادته وفطرته .
وفي وضعنا هنا نحن العراقيين الآن تعتبر عملية التغيير هذه ناقصة من وجوه وغير مكتملة وغير واضحة وغير محددة وغير ناضجة ، والسبب في ذلك يكمن ليس في نقصان الإرادة والرغبة في التغيير بل في نقصان الشروط الموضوعية التي تجعل من هذه العملية عراقية بأمتياز وككونها بمثابة التعبير الشعبي عما هو مطلوب ومراد ، ولذلك وقع الخلل بُعيد سقوط بغداد وفتح المجال أمام الفوضى في رسم المستقبل ، ورأينا كيف تقهقر الإنسان العراقي بمعناه وطغى محله ذلك الكائن الجديد أبن ذلك البشر القديم في رغباته ونزواته وردات فعله ، ولم يكن لدى القوى السياسية التي دخلت بعد سقوط بغداد ما يُمكن ان نسميه تربية سياسية راقية أو ثقافة ثقافة سياسية محترمة تحدد له المضمون والمعنى الواقعي للديمقراطية ، وبدل ان يكون هذا الفعل تلبية لحاجة المجتمع وتعبير عن مشروع أمة من اجل البناء والأعمار والمشاركة أصبح ذلك عبارة عن حالة طرد ونزاع حول من يحكم من ؟ ومن يستأثر بمن ؟ ولذلك تحول مشروع التغيير إلى قتال بين أبناء الوطن الواحد على السلطة والحاكمية وعلى الثروة وصار لكل واحد من هؤلاء جيش من المليشيا والسراق وقطاعي الطرق ، ولانذيع سراً إذا ما قلنا لقد أصبح الكثير منهم ليس سوى رجع صدى لثقافة الماضي بكل عقده وتخلفه وإنغلاقه ، بل أخذ البعض من الجهلة منهم من تقليد شخصيات العهد البائد بكل شيء في الملبس والحركة والظهور ، وإذا كنا نُعيب على أهل الماضي بأنهم مستبدون طغاة وعبيد سلطة وكراسي فالذي نرآه اليوم هو أسوء من ذلك بكثير في بعض محطاته ، وإذا كان يعاب على أهل الماضي إنهم جهلة وأميون فاليوم الحال لايختلف عنه إن لم يكن أسوء!! ولعل البعض اليوم يتسابق على الظهور على شاشة التلفزيون ليسد رغبة مكبوته لديه كانت تراوده محاولاً التشبه برجال العهد البائد الذي ولى !
لكنا جميعاً كنا ننبذ سلوكيات ذلك العهد وننبذ سلوك أفراده ، بل ان الكثير من تلك السلوكيات كانت بمثابة علامات فارقة سهلت وساعدت في سقوط ذلك العهد ، ودلت العالم الحر على مكامن الضعف والهوان فيه .
ولكي نكون أكثر وضوحاً فأن سلوك بعض موظفي الحكومة لايسهم ولايساعد في عملية التغيير المنشودة ولا في بناء الدولة والوطن ولهذا نعتبر إن عملية التغيير الوطني يجب ان تخرج من دائرة الشعارات لتدخل ساحة العمل الواقعي مهتدين بما جاء في ذيل الخطاب بقوله تعالى : - حتى يغيروا ما أنفسهم – وهذه الجدلية مطلوبه عند الله باعتبارها الشرط الموضوعي لعملية التغيير إذ بدونها يستحيل النهوض والبناء والتطور ..