صادق الرئيس الأميركي (جورج بوش) على التعجيل ببرنامج جديد لتكثيف المساعدة الاقتصادية "المباشرة" الى المحافظات العراقية السنية التي التحق فيها المتمردون السابقون بالقوات الأميركية في محاربة المجاميع السنية المتطرّفة. أكد ذلك لصحيفة النيويورك تايمز مسؤولون أميركان كبار. وقالوا إنّ ذلك يتطابق مع قناعة الرئيس بوش في إبقاء مستويات القوات الحالية في العراق
وأكد المسؤولون الأميركان أن هذا التحرك، الذي يزداد زخم العمل به منذ عدة شهور، كان قد نوقش مطولاً يوم الجمعة الماضي في اجتماع بالبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، حضره (بوش) ونائبه (ديك تشيني)، وهيئة الأركان المشتركة، وكبار القادة العسكريين في العراق.
وأوضحت النيويورك تايمز إنّ هذا التحوّل ركـّز على محافظة الأنبار، التي كانت من قبل "مستنبتا" للهجمات ضد القوات الأميركية، فيما انقلبت الميليشيات السنية المحلية الآن ضد المجموعة المتمرّدة (القاعدة في بلاد الرافدين) التي نمت فيها، وأيضاً ضد المتحالفين معها، وهي تتلقى في الوقت الحاضر مساعدة متزايدة بشكل مباشر، وتحديداً لمجاميع "حراسة الأحياء السكنية" في إطار خطة رسمية.
واستمع (بوش) أيضا –خلال زيارته يوم الجمعة الى البنتاغون- لعرض قدمه الجنرال (ديفيد بيتريوس) القائد العسكري للقوات الأميركية في العراق. وعلى ما يبدو –طبقاً لقول ديفيد سانجر المحلل السياسي في النيويورك تايمز- فإنّ العرض كان عبارة عن مراجعة لما سيتحدث به (بيتريوس) أمام الكونغرس عندما يقدم تقريره عن علامات التقدم في العراق يوم العاشر من الشهر الحالي.
لكنّ هذه المناقشات مرّت بسرعة على قضية الاتهامات التي وجهت الى بوش ومساعديه "بإساءة معاملة العراقيين" بعد الغزو، وركزت على: التأكد من أنّ السنة يـُمنحون سلطات، وأنهم يتسلـّمون التمويلات التي تتدفـّق من بغداد، حيث يـرى الزعماء الشيعة أنها لحظتهم المواتية –بحسب تعبير الصحيفة- للإنتقام من "مضطهدينهم" السابقين تحت حكم الرئيس صدام حسين.
وتقول النيويورك تايمز: إنّ الرئيس بوش وقادته العسكريين يتأمـّلون فيما إذا يكافئون السنة "على موقفهم الأخير" بانتخابات محلية مبكرة، وإعادة درجة من السلطة السياسية إليهم. لكنّ الدعوة الى الانتخابات لم تعد من ضمن صلاحيات الولايات المتحدة، والحكومة الوطنية التي يهيمن عليها الشيعة برئاسة (نوري المالكي) التي تعارض منذ فترة منح سلطات للسنة.
وناقشوا أيضا طرق الضغط على حكومة (المالكي) لتخصيص ملايين الدولارات –معظمها من أموال النفط- لإعادة بناء مدارس الأنبار ومراكز الرعاية الصحية، وإعادة فتح المصانع التابعة للدولة.
ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين الأميركان قوله: "كل هذا جرى لإيجاد طرق تحبط مساعي المالكي". وكان هذا المسؤول حسب قول النيويورك تايمز قد شارك في التحضير لعرض بوش لمفردات إستراتيجيته الجديدة، التي من المحتمل أن يتم العمل بها بعد أنْ يقدم (بيتريوس) والسفير (كروكر) تقريرهما في الكونغرس في العاشر من هذا الشهر.
وأكدت الصحيفة أنّ المسؤول الأميركي شدّد على قوله: "نحن لا نستطيع الصعود الى التل ثانية، لنقول إنّ المالكي سوف ينجز ما نريده إذا ما أعطيناه المجال. إنّ المالكي لن يفعل شيئاً. ولهذا لابد من وجود وسائل أخرى لإنجاز الأهداف المطلوبة".
لكنّ "مراوغة" الحكومة المركزية التي نصـّبتها الولايات المتحدة نفسها –تقول الصحيفة- من غير المحتمل أنْ تمرَّ بسلام. ففي النهاية، إنها حكومة عراقية جديدة، وتسيطر على أموال الدولة، وإجراء انتخابات شاملة في البلد، لا يستطيع البرلمان إقراره.
ويقول مسؤول في وزارة الدفاع، رفض تسجيل حديثه على شريط كاسيت: "هناك جهود للتعجيل بالمصالحة من القواعد". وأوضح قوله: "إن الفكرة تعمل على الاستفادة من التقدم غير المتوقع الذي أنجز على صعيد المحافظات من خلال الصحوة السنية، وجهود العمل مع المتمردين السابقين. نحن نزيد الأموال العراقية والأميركية التي تستثمر في المحافظات".
وتابع المسؤول حديثه قائلاً: إن المال يأتي من تمويلات وزارة الخارجية الى فرق إعادة البناء في المحافظات، والتي ستنتشر بأعداد كبيرة. بعض التمويلات ستأتي من القادة العسكريين الأميركان، الذين يمتلكون تمويلات طوارئ تحت تصرفهم، وتمويلات أخرى من برنامج وزارة الدفاع لفتح فرص عمل بإعادة تشغيل المصانع المملوكة للدولة على العكس من جهود الخصخصة التي بدأتها القوات الأميركية قبل أربع سنوات.
ويعتقد المحلل السياسي (ديفيد سانجر) أنّ انخفاض الهجمات ضد الأميركان في الأنبار، طبقاً لما صرح به مسؤولون أميركان عديدة زاروا العراق مؤخراً، قد أشعل فتيل "التفاؤل الجديد" في البيت الأبيض بأنّ تلك الاختلالات التي نجمت عن عموم سياسة إدارة بوش الجمهورية في العراق، سوف تكون محدودة، وأن الديمقراطيين سيجدون أنفسهم مرة أخرى غير قادرين على جمع الأصوات الكافية في الكونغرس لوقف تمويل القوات أو إجبار الإدارة الأميركية على سحب مبكر لها.
لكنّ ذريعة الرئيس بوش أنّ الأنبار مكان واضح لحالة التقدم –تؤكد الصحيفة- قد واجهت انتقادات حادة من الديمقراطيين لإستراتيجية حربه، فهم يقولون إنه التقط إنجازاً تكتيكياً مفرداً، وأهمل حالات الفشل الإستراتيجية الواسعة التي وثقتها المخابرات المركزية الأميركية، ومكتب المسؤولية الحكومي، وكل البعثات المستقلة التي تفحصت دقائق حالة الجيش والشرطة في العراق.
وتضيف: ومن المتوقع أن يجادل الرئيس بإن ما حدث في الأنبار هي البداية لما سيتحقق أيضا في ديالى ومحافظات أخرى، وأنّ الانسحاب الآن يفشل خطة مكافأة السنة في الأنبار، ويوقف بداية مكاسب هامة أنجزتها القوات الأميركية ضد التمرد في أربع سنوات.
وتؤكد النيويورك تايمز أن المسؤولين كانوا حذرين في مناقشات اجتماع الجمعة بالبنتاغون. فالرئيس (بوش) ونائبه (تشيني) كما يقال استخدماه ليستمعا الى وجهات نظر متباينة. وحسب مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية فإن الاجتماع تضمن وصفاً مطولاً من هيئة الأركان بشأن "عدم القدرة على زيادة القوات بعد الربيع المقبل من دون تمديد فترات خدمة القوات الحالية".
وتشير الصحيفة إلى أنّ مساعدين عديدين لبوش قد قالوا في الأسابيع الأخيرة بأن مثل هذه الإمتدادات غير مستساغة سياسياً، وما لم تنفجر حالة طوارئ ما في أي مكان من العالم لا يمكن المطالبة باستخدام المزيد من القوات الأميركية.
لكنّ المساعدين يقولون أيضا: إن من غير المحتمل أنْ ينتظر الرئيس بوش الى نيسان من العام المقبل، ليبدأ الانسحاب. وإذا ما فعل ذلك، فإنه يفكر بسحب القوات بنفس السرعة التي أرسلها هذه السنة، أي سحب حوالي لواء في الشهر.
وبسحب خفيف ومبكر للقوات –يقول المسؤولون الكبار الذي تحدثوا للنيويورك تايمز- فإنّ بوش يطمح الى مضاعفة مرونته وتجنب الالتزام بجدول زمني صارم، يمكن أنْ يعطي علامة للعدو –كما قال بوش مراراً- عن الوقت والكيفية التي ستغادر بها القوات الأميركية.