قبل يومين عقدت في شمال العراق خلوة بين مسعود البرزاني ونوري المالكي من اجل وضع الترتيبات النهائية لتطبيق المادة 140 والخاصة بوضع كركوك المتنازع عليها بين العرب والكرد والتركمان ، وقد أطلق الرجلين تهديداً لتركيا من خطورة التدخل في الشأن العراقي الداخلي ، ولهذه الغاية أتصلا بالسفارة الأمريكية لتأمين الدعم وضبط تحركات أنقرة وعدم السماح لها بمهاجمة الشمال العراقي تحت أي ظرف .
إن حتمية تقسيم العراق تفرض نفسها على الجميع وتفرض شروطاً جديدة تساهم في تغيير الهوية القطرية والواقع الانطولوجي الاجتماعي للعراق الحالي ، خاصة وإن مبررات التقسيم على الأرض أكبر من عدمها ، فالقتل الطائفي والتنازع الجغرافي وعدم الأحساس بالأمان والثقة بين الشيعة والسنة كلها عوامل موضوعية تجعل من جدلية التقسيم أولى من غيرها ، مع صعوبة التعايش بين سنة العراق وشيعته وهذه الأشياء فرضت نفسها على الواقع وجعلت من معادلة التقسيم حتمية وجودية بحيث يكون أقليم الشمال وأقليم الجنوب هما البداية في نهاية المطاف يصار إلى تقسيم الدولة القطرية التي ولدت مع سايكس بيكو وتعريف حدود الأقاليم الجديدة ولعل الشهر التاسع سيكون حاسماً فيما لوبقيت الأمور على ما هي الآن عليه ، صحيح ان التقسيم خطير جداً ولكنه يصبح هو الدواء في حالات كالتي يمر بها العراق من كراهية وحقد وبغضاء وعمل دائم لتفتييت المكونات العراقية بما فيها التربة والناس ، فجميع سنة العراق تتهم جميع شيعة العراق بأنها إيرانية أو صفوية !! وتبيح من اجل ذلك قتلها جمعاً وفرادى ، بالإضافة إلى ذلك عجز أمريكا وجيشها في إيجاد صيغة حل تخرج العراق من دوامة الفوضى والتوهان والتقاتل الطائفي والمناطقي ، حتى إنها في النهاية آمنت بان الحل يقبع في ايران لهذا مالت تستجدي الحلول من إيران زعيمة محور الشر كما تقول في السابق ، إيران بدورها وضعت شروطاً للتعاون وهي شروط مقبولة لدى الجانب الأمريكي لما يلاقيه من عنت وتشتت في الداخل الأمريكي وضعف التأييد الخارجي .
نوري المالكي ليس عنده ما يفاوض عليه غير ضبط تحركات جماعة الصدر التي ترفض إعطاء كركوك للأكراد وهذا الرفض يجد صداه عند أهل السنة في العراق الذين ينظرون للأمر من وجهة إقتصادية محضة ، فلو سلمو بهذا مع فدرالية الجنوب يكون السنة قد خسروا كل شيء ، ولم يبقى لهم غير مدن مهدمه وعشائر متنازعة على زعامة وهمية ، وهذا ما نراه بالحرب الطاحنة بين فئات سنية مخلوطة اليوم في الرمادي وفي بعقوبة وفي أطراف بغداد وعلى مشارفها ، وهذه الحرب ستعمل على تآكل الجبهة الداخلية السنية وتفتيتها ، وأما تيار مقتدى الصدر فمقدور عليه إذا سمحت أمريكا لإيران بمواصلة برنامجها النووي وهذا يبدو جلياً في الحراك السياسي بين امريكا وايران ، وإذا كان صحيح ما قالته الهيرالدتربيون فان بوش سيكون مضطراً لتطبيق تقرير بيكر هاملتون الخاص بتقسيم العراق و تأمين إنسحاب امريكي هادئ منه ، في ظل هذا الواقع المرير تأتي بشائر التقسيم لتضيف هماً مضاعفاً سوف لن تمر تبعاته هكذا من دون تغيير يشمل بعض أطراف الصراع ، والخاسر فيه هو العراق الوطن والمواطن .