بسمه تعالى
إنه ليوم حزين أوهننا وأوهانا وأدمى قلوبنا جميعاً ، ذلك الذي حصل يوم الجمعة في نيوزيلاندا ، وتلك المجزرة التي راح ضحيتها 49 فرداً ومثلهم من الجرحى والمصابين ، في هجوم غادر وجبان دل على حقد متراكم صنعه إعلام وإعلام مضاد ، وأنني في هذه المناسبة إذ أعزي جميع عوائل الضحايا ، أدعوا الله مخلصاً أن يهب للجميع الأمن والإستقرار وراحة الضمير .
لقد شهدت السنوات الماضية نزوعاً غير مألوفا نحو العنف والكراهية ، مما أدى إلى موجات من القتل والقتل المُضاد ، تحت شعارات وأفكار هدامة يروج لها إعلام مزيف ورجال ظل سيئيين ، وكنا على الدوام ننبه من خطورة ذلك ، ونلفت الإنتباه إلى ضرورة إعتماد الخطاب الإنساني الجامع ، والإبتعاد عن تلك المؤثرات والتفسيرات التاريخية الخاطئة ، والتي ولدت الضغينة والحقد والكراهية ومنها نمى التطرف والإرهاب وكبر ، واليوم إذ نعيد التأكيد من جديد على نبذ هذا التراشق وهذه الفئوية ، حول الأحقيات وحول الزيف التاريخي ، فالناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ، تلك هي الحقيقة التي يجب التركيز عليها في بناء المستقبل ، ولا يظنن أحد بأنه قادر على تطهير الأرض من الأخر فتلك هي خدعة الجهلة والمُضلليين والواهمين ، والدين ليس تلك المحطة ولا تلك المطية التي يتوافد منها أعداء الإنسانية ولا يجب أن يكون كذلك .
ونحن إذ ننعى الضحايا نند بأشد العبارات هذا التوجه من قبل البعض ، نحو التدافع السلبي وإعتماد خطاب الكراهية والعنصرية البغيض ، فلإرهاب شكلاً ومضموناً إن ساد فلن يكون هناك أحد من ناجي أو في مأمن منه ، وإني إذ أبتهل إلى الله الرحمة للقتلى والصبر لذويهم ، أدعوا مخلصاً لكي يحمي الله العباد في محال عبادتهم مؤمنيين ومسيحيين ويهود وغير ذلك .
ودعونا نصلي جميعاً لله الواحد الأحد ، أن يطهر قلوب الشباب والشابات الرجال والنساء ، من هذا الداء العضال الذي يظهر على نحو العداء للسامية وللمسيحية تارة وللإسلام طوراً أخر ، مدفوعين بظنون وأفكار غذتها كتب من هنا وهناك تعزز هذا النزوع وهذه الكراهية المضطردة ، وفي هذا المجال دعونا نعود للتذكير بهويتنا الإنسانية الغالبة ، فهي الملاذ حين تدلهم العظائم وتزداد المخاطر ، وفي سبيل هذا أدعوا إلى هذا الحوار الإنساني المفتوح بعيداً عن هذه النتواءات والأفكار المسبقة والخاطئة ، فجميعنا شركاء في المأسآة والألم وجميعنا نتحمل نصيباً من هذه الموجات من الغلوى والتطرف والمقت .
وإنني في هذه المناسبة أقدم أحر التعازي لجميع المؤمنيين والمسلمين من يهود ونصارى وأقدم خالص مواساتي لذوي الضحايا ، ولشعب نيوزيلاندا ولحكومتها ، على أمل ورجاء أن تتحقق العدالة وينتصر الإنسان ، في مجتمع مدني يحترم الكل ويحمي الجميع ، فنحن جميعاً أبناء أسرة إنسانية واحدة ، حمى الله الجميع ودفع عنهم كل مكروه وغيظ ..
( وإنا لله وإنا إليه راجعوان )
آية الله الشيخ إياد الركابي
9 رجب 1440 هجرية