يقول المصريون «آن الاوان لكي يتوقف ضجيج القبائل». ضجيج القبائل في...العقل العربي!
في آب 1947، كتبت «الايكونوميست» البريطانية «حين تتألق مصر يتألق العالم العربي وحين تذوي مصر يذوي العالم العربي». يذوي فقط ام...ينفجر؟!
ثمة عقل اخر في القاهرة، عقل بارد، ويرى المسار الدراماتيكي للمنطقة بمنأى عن لغة البداوة التي تجلس القرفصاء في اللاوعي العربي. يسألون: هل تناهى الى اشقائنا ما قاله، سوية، مدير الاستخبارات الاميركية ومدير الاستخبارات الفرنسية: لن تعود الخرائط في سوريا وفي العراق كما كانت. ربما في المنطقة كلها؟
المصريون لا يدافعون عن ايران. يستغربون بل و يستهولون كيف ان بعض العرب «اعطوا الراية لرجب طيب اردوغان» الذي ليس جاهزا فقط للتواطؤ مع طهران من اجل ادارة المنطقة العربية، وبكوندومينيوم غير معلن، بل انه جاهز للتواطؤ مع الشيطان لاستعادة اجزاء من السلطنة، الامر الذي لم يفكر به حتى رجل بقامة كمال اتاتورك...
في رأيهم ان العقدة التاريخية لدى الرئيس التركي اكثر خطورة بكثير من النزعة الجيوبوليتيكية لدى آيات الله الذين قد يلعبون ببعض «الحالات الشيعية» في المنطقة، لكنهم لا يستطيعون الوصول الى اي بلاط عربي. على الاقل بسبب الجدار الايديولوجي بين الوهابية والشيعية، فيما ذهب الفقه المبرمج سياسيا او استراتيجيا، بعيدا في تأجيج الصراع بينهما حتى في «تقنيات الغيب».
في القاهرة يتحدثون عن «عذابنا السوري» وعن « عذابنا العراقي» وعن «عذابنا اليمني» وعن «مصيبتنا في ليبيا» يقولون ان الايقاع الدموي الذي تأخذه التطورات في تلك الدول، وبعدما بلغت لعبة المصالح ذروتها، لا يمكن ان يكون لمصلحة العرب...
يتساءلون الى اي مدى يمكن للمملكة العربية السعودية، وقد تشعبت اهتماماتها الاستراتيجية الى حد الانغماس الميداني في حرب اليمن (وما ادراك ما اليمن!)، وايضا الى حد الانزلاق السياسي والمالي في الحرب السورية، ان تتحمل الانخفاض في اسعار النفط، ودون اغفال السؤال الاخر عن «غرفة العمليات الجهنمية التي تتولى التلاعب بهذه الاسعار».
المصريون قالوا للسعوديين «تفاهموا مع الايرانيين اليوم وليس غدا». يعتبرون ان هؤلاء لا يراوغون كما هي حال السلطان العثماني الذي تملك الاستخبارات المصرية تفاصيل بالغة الدقة حول دوره في تفكيك سوريا، وفي انشاء تنظيم الدولة الاسلامية من خلال تلك اللقاءات التي جمعت مسؤولين بارزين من الاستخبارات التركية وعدد من الضباط العراقيين والمسؤولين الاستخباراتيين السابقين، فضلا عن عدد من اتباع ابي مصعب الزرقاوي وعلى رأسهم ابو بكر البغدادي الذي هو صناعة وصنيعة تركية بالكامل...
منذ اشهر طويلة، قال المصريون، وللسعوديين تحديدا، ان فلاديمير بوتين لن يسمح في حال من الاحوال بسقوط بشار الاسد ان لمصحلة الرياض او لمصلحة انقرة او لمصلحة واشنطن. القيصر ليس ميخائيل غورباتشوف لكي يتناثرالاتحاد الروسي بين يديه. ثمة مسؤولون مصريون سمعوا في الكرملين الى اي مدى يمكن ان يذهب الرجل في تمسكه بالحليف السوري، وهو الذي اعلن على الملأ، ومنذ الايام الاولى لاندلاع الازمة، ان من سوريا تنبثق قواعد النظام العالمي الجديد...
الآن روسيا في سوريا. الايرانيون رفعوا مستوى مشاركتهم الميدانية بعدما تركوا «حزب الله» يقاتل وسط تلك الادغال، الادغال المترامية.هذا يعني ان على السعوديين ان ينظروا من زاوية اخرى، وبرؤية اخرى، الى الواقع الذي افلت من يد العرب. في نظر المصريين، استعادة الزمام او بالاحرى البقاء في الصفوف الامامية (ديبلوماسيا تحديدا) يفترض تغييرا في قواعد اللعبة. الجلوس مع الايرانيين لا بقاءهم او ابقاءهم خارج ردهة المفاوضات...
ثمة مسؤول مصري ويكشف لنا ان القاهرة لعبت دورا محوريا في اقناع الرياض بالقبول بالمشاركة الايرانية في لقاء فيينا. لا يتورع في القول لقد صدمنا كيف ان اشقاءنا السعوديين ارتضوا ان يكون الاتراك في فيينا ولا نكون نحن. الروس والايرانيون هم من طلبوا ان نكون، لكننا لا نستطيع الا ان نفكر عربيا، وتمنينا بل والحينا على حضور ايران لان جزءا كبيرا من الحل في يدها فيما تدفع انقرة بالازمة في اتجاه لا يخفى على احد.
المسؤول يرى ان ما يفعله اردوغان ضد تنظيم الدولة الاسلامية «ملهاة بلهاء» لانه لا يزال يراهن على التنظيم لتدمير العرب و الاكراد في سوريا...
مقتنعون ان بامكان الديبلوماسية المصرية ان تضطلع بدور محوري في التسوية. «السوريون يثقون بنا». و«الرئيس بشار الاسد يدرك تماما ماذا تعني سوريا لمصر بل ماذا تعني ايضا لكل العرب».
هل تبدأ رحلة الالف ميل (هنا رحلة الالف يوم) من فيينا. الاتراك يتشاءمون كثيرا من المدينة التي بقي السلطان محمد الرابع عام 1683 خارج اسوارها. الايرانيون مفتونون بها. على وقع سمفونية «الدانوب الازرق»، وقعوا الاتفاق النووي...
هذه مسألة سيكولوجية لا مجال لاغفالها في اللحظة الراهنة و...البعيدة المدى!