وهكذا انتهت أكثر الحملات إنفاقاً واتساعاً وطولاً، حسبما تحكم الذاكرة، في التاريخ الاميركي الحديث. وقد كانت حملة ليس في الولايات المتحدة كالعادة،
بل في سائر أنحاء العالم. إذ كان هناك جمهور في آسيا وأوروبا وافريقيا يتابع الحملة ويعيشها، مثل أي واحد في الولايات المتحدة. وأكثر هؤلاء طبعاً لا يملكون حق التصويت، لكن كل واحد في العالم يعرف اهمية الانتخابات الاميركية وتأثيرها على الحياة والمصير.
ثم انه نادراً ما كانت هناك دراما مثل الدراما ذات الفصول المتعددة والمتشابكة. ولنتأمل حالة آل كلنتون الذين دخلوا المعركة واثقين، ثم أخرجهم منها بعد طول نضال شاب جديد ما سمع به أحد قبل خمس سنوات. وها هو جون ماكين، وقد انهارت حملته وأفلس في نيوهامبشير. وكان قد فاز على من هو أكثر منه غنى خلال الحملة وهو ميت رومين. وها هي الكتب والمجلات مملوءة بالنصائح والتأملات، عما يجب أو يحسن بالرئيس أن يفعله في فترته الاولى. المتشائمون يقولون انه منذ فرانكلين وروزفلت وربما ابراهام لنكولن، ما كانت هناك صعوبات تواجه الرئيس الجديد مثل الصعوبات التي تواجه أوباما. ويرجع ذلك الى المصائب التي تركها بوش ونائبه تشيني. هناك حربان لم تنتهيا بعد. وهناك دين وطني داخلي ارتفع لحدود خطيرة. وهناك جيش امتدت خطوط قتاله الى ما لا نهاية. وهناك الاقتصاد المنهار. وكل واحدة من هذه المشاكل تستهلك الاعمار والجهود. ولننظر الى البيروقراطية التي لا تتحرك. والى الافق المسدود الذي تركته كذلك السنوات الماضية. فيبقى ان السكر والادمان عليه، هو الذي يوهم تحقيق التغيير في ساعة واحدة.
وإذا نظرنا الى الوراء فان المذهل في فترتي الرئيس بوش ليس الكبرياء والتعالي وحسب، بل بالاحرى عدم الكفاءة! وقد كان ذلك أمراً غير متوقع حين بدأ بوش الابن رئاسته وحدد ادارته. كولن باول، دونالد رمسفيلد، وديك تشيني الذي لا ينسى. وقد كان اعتقادي ان فريقاً من هؤلاء سيتمكن من انقاذ الكثير من الاشياء الحسنة أو السيئة. لكن ظهر بسرعة وقبل ان تصل الجيوش الى بغداد ان هؤلاء يفعلون دونما تفكير، ودونما انتظار للتفكير، أو تقدير للعواقب. وقد كان مأسوياً كيف انتظر هؤلاء طويلاً لكي يعترفوا حتى بوجود الانتفاضة والتمرد بالعراق. وكم انتظروا لكي يدركوا ماذا فعله اعصار كاترينا. وكذلك كم تأخروا لكي يدركوا أن نموذج ريغان ما عاد من الممكن تطبيقه بالداخل أو بالخارج.
ولا أحد منا يشكو من كبرياء بوش أو تعظيمه لنفسه، فالحق ان الرجل ما كان كذلك. لكن وبسبب الفشل والاصرار عليه، فنحن خائفون من الـ76 يوماً التي بقيت له في البيت الابيض. وهذه فترة كافية لفعل أشياء سيئة. ذلك لأن الادارة الآن حرة ليست عندها هموم انتخابية ولا واجبات تجاه الرئاسة المقبلة أو الحزب الجمهوري. أما الشعب الاميركي، والرأي العام الاميركي، فما اعترفت لهما الادارة البوشية بشيء طوال ثماني سنوات. وقد نظرت إليهم دائماً انه بالمستطاع استغلالهم وخداعهم وتسخيرهم للسلطة التنفيذية أو الاجرائية.
لقد تجاوزنا والحمدلله مسألة الضربة العسكرية لايران. ولو فكر أحد بذلك فإن الادارة العسكرية سوف تقاوم ذلك بشدة. اما المحافظون الجدد الذين كانوا وراء السياسات الماضية، فهم الآن يدبرون رؤوسهم ويخرجون، وقد يذهب كل من بوش وتشيني الى اعطاء اسرائيل الضوء الاخضر. وقد أخبرني مصدر أثق به في العادة ان رئيس الوزراء أولمرت طلب تعهداً من بوش ان يهاجم ايران قبل خروجه من البيت الابيض. وهذه الضربة ان كانت فسوف تؤخر انتاج السلاح ولن توقفه. وعلى اي حال فهناك من يعتقد ان ضرب ايران سوف يخلّف آثاراً بالمنطقة أفظع من النووي الايراني نفسه إن كان. فإذا كان المراد التغيير، فإن على الرئيس الجديد ان يعيد النظر في مفهوم الحرب الاستباقية، وكذلك الحرب على ايران، والارهاب. وكما كتب المفكر توماس باورز فإننا لا نستطيع ان نبقى في ساحة القتال من أجل تحويل هذا البلد أو ذاك وبالقوة حسبما نريد.
(«هيرالد تريبيون»، 5 تشرين الثاني 2008