يجب الإعتراف أولاً بالدور الحقيقي الذي أضطلع به معاوية في تأسيس - الفكر السياسي للإسلام - التاريخي منه والمعاصر ، كما يجب الإعتراف إيضاً بدور معاوية الحاسم في تأسيس الفرق والمذاهب الإسلامية السائدة اليوم
فلم تكن معاداة علي بن أبي طالب سوى بضاعة من نتاج فعل معاوية ، عبر التجييش الدعائي والإعلامي والتضليل والخديعة وتأليب الرأي العام الذي وقع تحت ضغط مجموعة كاذبة من رواة الأخبار النبوية التي أحترفت هذا الفن ولوثة سمعة النبي محمد – ص - ، نعم صنع معاوية نظرية الكراهية والعداء لعلي مشكلاً في الوعي والتراث ما يطلق عليه بجماعة - النواصب - ، وهو نفسه الذي عمل على إنتاج فكر الغلو بعلي بن أبي طالب كنتاج طبيعي لردة فعل مناوئه ، والغلو أنتج لنا الفكر الراديكالي الذي صنع لنا العصمة ونظرية المشيئة والإرادة التكوينية وعلم الغيب وأشياء أخر لاتنتمي إلى دائرة الدين كما قررها الكتاب المجيد .
معاوية إذن هو مهندس الفكر الإسلامي الذي نرآه يتناطح اليوم في ساحاتنا بين السُنة والشيعة في تبادل التهم والتكذيب والإتهام بالكفر والإنحراف والزندقة وما شابه ذلك من دعايات الدين السياسي :
1 - فهو زعيم الجماعة التي طالبت بدم عثمان وحملت علياً مسؤولبة ذلك ، رافعاً قميصه في المحافل كشعار تعبوي وتحريضي ضد علي – ع - ، ودافعاً بقيادات ذات شأن لتعيش هذا الهاجس كما حدث مع عائشة وطلحة والزبير وقيادات المجتمع المسلم آئنذاك ، مشكلاً مدرسة فكرية في طريقة البحث عن السلطة مبتعداً بالكامل عن الجذر الديني لها محولاً إياها إلى ملك عضوض كما قال أبن خلدون وهكذا فعل في تحويل الخلافة .
2 - وكان لفعله هذا الدور الحاسم في صناعة المعارضة الطاردة ، والتي تبحث عن شأن لها وسلطان ولهذا أنضوى تحت رآية المطالبة بدم الحسين كل المخالفين ومن صابهم ضيم وحيف من سلطة الإستبداد الديني التي فرضت عليهم الدين بالقوة ، وهذا كله كان من نتاج فعل و عقل معاوية ، أي إن ما يُسمى بالتيار السياسي في الإسلام في شقيه السُني والشيعي هو من صناعة معاوية وكل ما ترتب عنه كان منه بإمتياز .
ولعل المتتبع قد تلمس هذا من خلال ما يرآه من حشر وتجيير لدم الحسين فيما يريده وفيما يمارسه المنتظم السياسي الشيعي مما أخرج قضية الحسين من محتواها الإنساني والقيمي وأدخلها في الصراع السلبي على السلطة ، بل وجعل قضية الحسين العامل الدائم في صُنع القلق والتوتر وعدم الإستقرار ، في توظيف سيء لدم الحسين وموقفه النبيل والرائع في قضايا سياسية وتزييف تاريخي وأخلاقي وقيمي ، وقد رأينا كيف كان الشعب المغلوب في العراق حطباً لهذا التوظيف الذي تحركه قوى نفعية وصولية لا تلتقي مع الحسين بأي هدف ، كان هذا في التاريخ القديم والجديد معاً : يقول الخميني ( إن الحسين لايحتاج لدموعنا ، وإنما نحن نحتاج للحسين في قضايانا السياسية ) أي إن الخميني واحد ممن وظف وسخر دم الحسين في أغراضه الخاصة مستغلاً تعاطف الناس مع الحسين ليجعل من ذلك التعاطف طريقاً للوصول إلى السلطة ، وهكذا رأينا كيف يقتل العراقي في البصرة والناصرية تحت رآية الحسين ؟ وكيف يسمى المخالفين والمعارضين للسلطة أعداء للحسين ؟؟!! لقد غير معاوية الفكر الديني ويغير دعاة الإسلام السياسي كل الدين معتمدين على التهريج والهوس والجنون العاطفي وغياب العقل وهيمنة مجموعة من الجهلة والمتخلفين على رقاب الناس ، والمؤسف إن هؤلاء المغفلين يردحون ويبكون وينتحبون ولا يدرون لماذا ؟ وكيف ؟ بل وهم يجولون في الطرقات يلطمون وينعقون ، مع إن حياتهم بؤس وحرمان وقلة حيلة ووجع وألم وغياب عن الحياة ، قميص عثمان مازال حياً فينا يؤجج كل العصبيات القبلية ومازال دم الحسين يُستغله المغامرون في لعبة خبيثة للبقاء والإبقاء على إن يظل الشعب أسير الخرافة والدجل والتخريف ، ولقد أسيء لعثمان وللحسين فسالت لأجل ذلك أودية من دم كلها في فتنة عمياء وتلاسن وتنابز أبليسي نسمعه ونقرئه ونشاهده ، وستظل هذه الحال إلى أمد ليس قريب أمد سيطول مادام الإنغماس في الخطأ يُعد فضيلة وتخريب عقول الخلق يعتبر مأثرة ، سيطول أمد المعانات والخوف والذل مادمنا نستحل دماء بعضنا البعض ونقتل ونمارس أسوء مما كان يفعله الشمر ووطبان ، وإذا كان تاريخ معاوية قبيح فحياتنا بعده غدت جحيم حين صار الدين سياسة والدم الشريف يوظف في غايات خبيثة ، ومادامت هذه الثنائية تشكل وعينا وعقلنا وعلاقتنا .