رغم اعتقاد البشر في القضاء والقدر إلا انه ليس في وسعهم أن يتجاهلوا إرادتهم، وكانوا منذ بداية ظهور الفكر الاجتماعي مع بداية اتصال الإنسان نفسه بالمجتمع يعتقدون أن القدر يتحكم في نصف أعمالهم وان الإرادة تتحكم في النصف الآخر،
وقد اعترف بذلك فلاسفة اليونان وعلماء الكلام المسلمون الذين أطلقوا على القدر اسم "الموجود الواجب الوجود" وقالوا انه بداية كل شيء ونهاية كل شيء وهو الله الموجود وجود ذاتي وليس له زمن لأنه خالق الزمان وليس له مكان لأنه خالق المكان، ولذلك هو موجود قبل الزمان وقبل المكان، وهو خالق الكون، ولكنه لا يشبه الكون، لأن الكون مادة والله ليس مادة، لأن المادة مخلوقة وهي تتغير وتتطور، ولا أريد أن استطرد في صفات الله التي لا حدود لها ولا يدركها العقل البشري ولكنى سأكتفي بما قال أبو بكر الصديق
العجز عن درك الإدراك إدراك والبحث عن ذاته كفر وإشراك
كما اعترف بهذه الحقيقة الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت الذي أطلق عليه الشاعر الساخر هيني (اسم الآلة المفكرة) وقد أطلق ايمانويل كانت على القدر اسم الطبيعة وأحال إليه صنع الأشياء ووضع دستور سياسي كامل ليس تاريخ الجنس البشري إلا تنفيذا لمخططه الخفي، أما الفيلسوف جورج هيغل الذي عاش في عصر شديد الاضطراب وجابه حياة الفقر وعانى العوز وبرز في اللاهوت وعلم اللغة وقامت فلسفته الذي كان عنوانها (علاقة التضاد بين الأفكار وعلاقة التضاد بين الأشياء) على محور ثابت وهو (المطلق الذي سماه إرادة الروح الكلي) والمطلق عند هيغل هو القدر وهو صانع التاريخ أيضا، ومن هذا نفهم أن هيغل لم ينكر وجود الله وهو عنده المطلق الذي تعلل به التبدلات في عالم الأشياء وعالم الأفكار، وقد انتهى إلى القول بما يؤيد اللاهوت المسيحي حيث يرى أن المسيحية هي ذلك السر العجيب الذي يلائم بين النهائي واللانهائي أي بين الإنسان والله، وقد تم ذلك التوفيق بين الضدين في شخص المسيح لأنه إنسان الهي كما يزعم، ولأنه كما يقول هيغل لكي يتحد الإلهي مع الطبيعة البشرية لا بد من أن تكون وسيلة ذلك الاتحاد هو الإنسان فيكون إنسانا من ناحية وفكرة إلهية من ناحية أخرى، ولكن الفيلسوف كارل ماركس قال أن القدر هو (المادة) الذي قال أنها مبدأ كل شيء، وان وجودها لا يتوقف على وجود أي شيء آخر، وأن كل ما هو عقلي يتطور عن كل ما هو مادي ولا بد أن يفسر على أساس مادي، ولكن ورغم أن الماركسية أخذت أسلوب هيغل وهو (الديالكتيك - الجدلية) إلا أنها طرحت محور فلسفته الذي يحركها وهو (المطلق) واستبدلته بالمادة، وهكذا كان المطلق (الله) هو مفترق الطرق بين ماركس وهيغل، حيث نفت الماركسية المطلق نفيا مطلقا وأقامت بدلا منه المادية التاريخية كمحور (للديالكتيك - الجدلية) ولم تكتفي الماركسية بنفي المطلق الذي كان تعبيرا عن تصوير هيغل لله ولكنها أنكرت وجود الله في كل تصوره وحاولت أن تُقيّم الحياة وتفسر الكون والتاريخ تفسيرا ماديا، هذا وقد شبه نيقولو ميكافيللي القدر في كتابه الأمير (بالنهر العنيف المندفع الذي يغرق عند هيجانه واضطرابه السهول ويقتلع الأشجار والأبنية، ويجتث الأرض من هذه الناحية ليقذف بها إلى تلك، فيهرب الناس من أمامه ويذعن كل شيء لثورته العارمة دون أن يتمكن احد من مقاومته، ولكنه وعلى الرغم من هذه الطبيعة تكون له طبيعة أخرى يعود فيها إلى الهدوء، وفي وسع الناس في هذه الحالة أن يتخذوا الاحتياطات اللازمة بإقامة السدود والحواجز والأرصفة والقنوات حتى إذا ما ارتفع ثانية إنسابت مياهه إلى احدي هذه القنوات، أو لا يكون اندفاعه ينطوي على تلك الخطورة وذلك الجنون، وهذه هي الحالة مع القدر الذي يبسط قوته عندما تنعدم الإجراءات لمقاومته ويوجه ثورته إلى حيث لا توجد حواجز ولا سدود أقيمت في طريقه لكبح جماحه) وهنا يكون الإنسان فعلا خالقا لفعله بإرادته لأنه هو نفسه الذي يتحكم في عمله وهو نفسه الذي يتحكم في نصف الأعمال الذي يتحكم فيها القدر، وهذا هو التوجه الوسطي بين طرفي نقيض، لأن الوضع الصحيح هو على طرفي نقيض من موقفين متطرفين، القدر وإرادة الإنسان، واليمين واليسار، لكني أرجو الإشارة إلى أن الهدف من تبسيط الكلمات حتى تأخذ مكان توضيحات وتحديدات طويلة مرهقة هو سرعة توصيل الفكرة، ولكن يجب اتخاذ الحذر حتى لا تؤدي تلك الكلمات المختصرة إلى تحويرات في المعاني وبالتالي تسيء إلى الفكرة والى من يستخدمها وخاصة في لفظ اليسار واليمين عندما يستخدمها الليبراليون والذين هم لا يساريون ولا يمينيون بالمعنى المستعمل في يومنا هذا، خاصة وان إحدى المساوئ المهمة لاستخدام تعبيرات يسار ويمين هي أنها تفتح الباب واسعا لتطبيق نظرية الوسطية، لأن الليبراليون لا يتفقون مع اليسار أو اليمين، ولا يقفون موقفا وسطا من اليسار ومن اليمين، ولا يقفون إلى يمين اليمين ولا إلى يسار اليمين، ولا إلى يسار اليسار ولا إلى يمين اليسار، لأنهم ضد كل الأشكال السلطوية التي تستخدم القوة البوليسية في اليسار واليمين للسيطرة على الحياة الخلاقة للإنسان، ولذلك لا يكونون إلى يسار السلطويين ولا إلى يمين السلطويين لأنهم كالروح الإنسانية الذين يريدون تحريرها يصعدون ولا يسقطون، ولأنهم أيضا كالروح الإنسانية أيضا أعلى من كل سقوط، لأن الليبرالية حركة وعي اجتماعي سياسي تتحرك داخل كل مجتمع وفق قيمه وأخلاقه، وتتكيف داخل كل مجتمع حسب ظروفه، وتهدف إلى تحرير الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع من القيود السلطوية السياسية والاقتصادية والثقافية، وفي هذا يقول الفيلسوف جون ستيوارت ميل (أن البشر جميعا لو اجتمعوا على رأي واحد وخالفهم في هذا الرأي فردا واحدا لما كان لهم أن يسكتوه بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهم حتى لو كانت له القوة والسلطة، لأننا إذا أسكتنا صوتا واحد فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، وأن الرأي الخاطئ ربما يحمل في جوانحه بذور الحقيقة، وان الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا دخل واقع التجربة، وان هذا الرأي ما لم يواجه تحديا من وقتا لآخر سيفقد أهميته وتأثيره) ولذلك تكون رسالة الفلسفة الليبرالية في الإعلام هي تزويد الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع بالحقائق المجردة والمعلومات الموضوعية من اجل بناء عقولهم بصورة طبيعية، لأن الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع في ظل هذه الفلسفة يتمتع بحرية مطلقة ويستطيع ان يفعل ما يريد وليس لأحد التدخل في شؤون حياته لأنه خرج إلى هذه الحياة فردا حرا له الحق في الحياة والحرية، ومن حق الحياة والحرية تنبع الحقوق الأخرى مثل حق الاختيار بمعنى حق الحياة كما يشاء الإنسان وليس كما يشاء له، وحق التعبير عن نفسه بكل الوسائل، وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يفرض عليه، ولذلك وفي كلمة مختصرة نستطيع أن نقول أن الإنسان هو محور الفلسفة الليبرالية، وان الفلسفة الليبرالية لا تعني أكثر من حق الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع في ان يحيا حرا كامل الاختيار في عالم الشهادة إما في عالم الغيب والشهادة فإن أمره متروك لصاحب الغيب والشهادة، وهكذا نرى ان الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية وقد أكد هذه الحقيقة فلاسفة لم يكونوا ليبراليون ومن أبرزهم (توماس هوبز الذي كان سلطوي النزعة سياسيا وهو الذي قال (الحكومة نتاج رذائل الأفراد) ولكن ورغم ذلك كانت فلسفته الاجتماعية السياسية وحتى السلطوية التي كان يُنظر إليها تنطلق من حق الحرية والاختيار، والفيلسوف (جون لوك الذي كان ديمقراطي النزعة ولكن من منطلق حق الحرية والاختيار) والفيلسوف (جرمي بنثام الذي كان نفعي النزعة ولكن من منطلق حق الحرية والاختيار أيضا) وأخير وفيما يتعلق بالعلاقة بين الليبرالية والأخلاق والليبرالية والدين فإن الليبرالية لا تهتم بسلوك الإنسان أو دينه طالما ان ذلك لا يخرج من دائرته الخاصة، ولكنها صارمة خارج الدائرة الخاصة، لأن الليبرالية تقوم على التعددية الإيديولوجية والحزبية وحرية الاعتقاد والحرية الاقتصادية والمنافسة الحرة ولذلك يسمون بالحريون، وعلى التكيف حسب ظروف كل مجتمع، وعلى تقليص دور الدولة في حياة الناس إلى أقصى درجة، ولذلك ترفض أسلوب الدولة الشمولية الكلية التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس سواء كانت هذه الدولة يمينية أو يسارية أو اوتوقراطية أو علمانية، ولذلك يكون القدر والإرادة والليبرالية أدوات صنع المجتمع والسياسة وأدوات تطوير المجتمع والسياسة في نفس الوقت، صنع وتطوير المجتمع من مجتمع الحرية الأولى، المجتمع الطبيعي الحيواني الأبوي التقليدي الذي يصنع أفكاره في بطنه ويتحرك استجابة لنداء غريزة إلى المجتمع المدني الذي يصنع أفكاره في عقله ويتحرك استجابة لنداء فكرة، وأدوات صنع السياسة وتطوير السياسة من سياسة ترتبط بتكليف إلهي أو ارث عائلي أو ارستقراطي أو طبقي أو ما يسمى ارث ثوري أو نضالي، ولا تعبر عن مجال عام مشترك إلى سياسة تقوم على السيادة الشعبية والإرادة الجمعية وترتبط بالمجتمع نفسه وتنبع من المجتمع نفسه وتصب في المجتمع نفسه، وتعبر عن مجال عام مشترك، وعن حقيقة الإنسان وطبيعة اجتماعه المدني، وذلك بالإضافة إلى العولمة التي تعني أن يكون الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه، أو العمل في نطاق عالمي، وهي عملية اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية تهدف إلى زيادة الترابط بين المجتمعات وعناصرها بسبب زيادة التبادل الثقافي، والتدويل الذي يدعو إلى جعل الشيء مناسبا أو مفهوما أو في المتناول لمختلف دول العالم، والديمقراطية التي تتميز بالتعددية السياسية والفصل بين السلطات ومبدأ التداول على السلطة من خلال الانتخابات في نظام سياسي اجتماعي تتبناه الدولة الديمقراطية بنائيا ووظيفيا وتعتبره وسيلة وغاية من حيث النظم الأكثر قدرة في الوصول إلى طموحات الشعب داخليا وخارجيا، وبشكل رئيسي الدولة الفلسطينية المستقلة على كل التراب الوطني الفلسطيني، دولة كل الفلسطينيين دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو اللغة أو اللون أو الأصل ألاثني أو المركز العائلي أو الاجتماعي، والتي تستمد قوتها وسلطتها من إرادة المجتمع التي هي الإرادة العامة التي تشكل مجموع الإرادات الفردية، والتي تتجه إلى تحقيق الأهداف المشتركة للمجتمع الفلسطيني، ومبرر هذه الإرادة العامة أنها تهدف إلى تحقيق الصالح العام الذي يشكل مجموع المصالح الفردية والذي هو في الوقت نفسه خير للفرد نفسه باعتبار ذلك الأمر يلزم الفرد أخلاقيا بأن يهدف إليه، ولذلك يجب الحفاظ علي النظام الديمقراطي كنظام سياسي معتمد من جميع أبناء فلسطين، لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذه النظريات جميعا، الليبرالية والمجتمع المدني والعولمة والتدويل والديمقراطية نظريات خلافية ونظريات مثيرة للجدل، ولكن من الحقيقة أن نشير انه لا يوجد نظرية في نطاق الفكر الاجتماعي لا تكون موضع خلاف أو لا تكون موضع جدل، وليس هناك مفهوم ثابت لها لأن كل نظرية مرتبطة بتاريخ نشأتها، والمشاكل التي كانت مطروحة في وقت نشأتها، والإشكاليات النظرية التي رافقت هذه المشكلات، والمناظرات الفكرية التي دارت حول هذه المشكلات، والطريقة التي واجه فيها المفكرون الاجتماعيون هذه المشكلات، وذلك بالإضافة إلى أن كل مشكلة اجتماعية هي في الأصل والنهاية ابنة بيئتها التاريخية والاجتماعية، وهي لا تولد في النظرية وعبر التفكير فحسب ولكن ظهروها وتطورها يرتبطان بالصراع الاجتماعي، كما انه من الحقيقة أيضا أن نعترف أمام أنفسنا وإمام شعبنا وأمام التاريخ وأمام العالم ومن منطلق سياسة أخلاقية وثقافة أخلاقية، أن الدولة الديمقراطية كانت تصحيحا عولميا لصورة الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وان المجتمع المدني كان تصحيحا عولميا لصورة الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهبوب رياح ما يسمى فوبيا الإرهاب، ولكن هل لأن الليبرالية والمجتمع المدني والعولمة والتدويل والديمقراطية صناعة غربية تريدون أن تمنعوا امتيازاتها عن الشرق، وهل لأن النار قد تحرق في بعض الأحيان تريدون أن تحرموا الشعب من حرارتها ودفئها وضوئها، أجيبوني إن استطعتم ثم نادوا بعد ذلك بحياتي وعاري فأنا اعرف أن المسافة قريبة جدا بين صخرة تربيان الذي كان الرومان يلقون من فوقها الخونة ومبنى الكابيتول الذي كانت روما تحتفل فيه بالقادة المنتصرين، وأنا اعرف أن هذه النظريات في حد ذاتها ليست ايجابية وليست سلبية ويمكن استخدامها في الخير والشر مثل أي صناعة غربية كصناعة الطائرات والأقمار الصناعية وسفن الفضاء والسيارة والسفينة والتلفزيون والانترنت والأدوية وغبرها من الصناعات الغربية المختلفة، المشكلة ليست فيها كنظريات، ولكن في كيفية تطبيقها، وفي عيوب الإنسان نفسه، وفي إسقاطها على المجتمع من أي مجتمع آخر، لأنه ليس صحيحا أن كل شقيق يجب أن يشبه شقيقه في كل شيء، وليس صحيحا أن أي ليبرالية يجب أن تشبه أي ليبرالية في كل شي، وان أي مجتمع مدني يجب أن يشبه أي مجتمع مدني في كل شيء، وان أي ديمقراطية يجب أن تشبه أي ديمقراطية في كل شيء، ولذلك يجب أن تكون لنا ليبراليتنا الخاصة التي ترتبط بالمجتمع الفلسطيني وتنبع من المجتمع الفلسطيني وتصب في المجتمع الفلسطيني وديمقراطيتنا الخاصة التي ترتبط أيضا بالمجتمع الفلسطيني وتنبع من المجتمع الفلسطيني وتصب في المجتمع الفلسطيني، ولكن ليس المجتمع السياسي التي تفرضه السلطة الفلسطينية لإدارة الصراع واحتوائه بما يضمن تحقيق مصالحها من خلال السيطرة المباشرة بواسطة أجهزة السلطة، أو السيطرة غير المباشرة "الإيديولوجية والثقافية" من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية، أو من خلال مؤسسات مجتمع مدني نخبوي لا تزعج السلطة، ولا تلعب أي دور ايجابي في تغيير الأوضاع القائمة، ولكن من خلال مجتمع مدني شعبوي تعبوي تغييري يملأ المجال العام بين الأسرة والسلطة ويساهم في عملية التحول الاجتماعي والسياسي، والمشاركة في صياغة السياسات العامة والضغط من اجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية دعما للديمقراطية، وتنظيم وتفعيل مشاركة المواطنين في تقرير مصيرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في حياتهم ومستقبلهم، وفي نشر خلق المبادرات الذاتية، وثقافة بناء المؤسسات، وثقافة رفع شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي والمشاركة في تحقيق التحولات التاريخية في المجتمع حتى لا تبقى هذه الثقافة وهذه المشاركة وهذا الفعل حكرا على النخبة الحاكمة والمعارضة الحزبية التي تتحرك في المربع الذي رسمته لها هذه النخبة، وهذا ما يؤكد رؤية المفكر والمناضل الايطالي غرا مشي في أن (المجتمع المدني هو ساحة الصراع داخل المؤسسات السياسية والثقافية والفكرية من أجل حماية الإنسان من سطوة السلطة) وهكذا يكون المجتمع المدني الذي يتكون من الهيئات الثانوية في المجتمع مثل الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية وشركات الأعمال وغرف التجارة والصناعة والوكالات الاجتماعية والجمعيات التعاونية ونوادي هيئات التدريس والنوادي الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية ورجال الأعمال والمنظمات التنموية غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر ومراكز الأبحاث والدراسات والمراكز الثقافية هو أحد أركان الديمقراطية لأنه يتكون من تنظيمات تطوعية تشكلت من أجل تحقيق مصالح أفرادها وتقديم الخدمات العامة للناس، وممارسة الأنشطة الإنسانية، والالتزام بقيم الاحترام والتسامح والإدارة السلمية للخلافات المجتمعية، وتشكل قطبا قائما بذاته ومركز قيادة وسلطة اجتماعية في مواجهة القطب الذي تمثله السلطة، وفي تحمل مسؤولية اكبر في إدارة شؤون المجتمع إلى أن يصبح المجتمع يدار ذاتيا إلى أقصى درجة ممكنة، ولذلك يجب أن يستبعد من مفهوم المجتمع المدني المؤسسات الاجتماعية الأولية مثل الأسرة والعائلة والطائفة الأثنية والدينية والمذهبية والمؤسسات السياسية والحكومية والأحزاب السياسية لأنها طليعة قوى اجتماعية تعبر عن مصالحها وتسعى إلى الوصول إلى السلطة، ولذلك تكون في الوسط بين المجتمع المدني والسلطة ولكن للأسف في الوسط الانتهازي في خانة السلطة بسبب حاجتها إلى دعم السلطة المادي وحاجتها إلى ترخيص السلطة في تأسيس أي جمعية من جمعيات المجتمع المدني، ولذلك لن تكون الطريق سهلة ومفروشة بالورود إلى المجتمع المدني والليبرالية والدولة الديمقراطية لأن ذلك يتوقف على أن تكون مرجعية الأحزاب الفلسطينية برامجها الإيديولوجية وليس خزانة السلطة، وان تكون مرجعية الإنسان الفلسطيني عقله وضميره وليس بطنه وغريزته، لكن أن نكون أحياء هذا يعني أن نغير باستمرار كل ما نحن عليه من فكر ومن سلوك.