الهدنة" التي "افتتحنا" الحديث عنها في هذه الزاوية الاسبوع الماضي قد لا يكون الهدف منها في رأي مصادر سياسية متابعة وعليمة اراحة الناس وتهيئة الاوضاع بحيث تصبح ملائمة لتبحث الشعوب اللبنانية عبر قياداتها الطائفية والمذهبية في حل جذري للأزمة المزمنة التي استفحلت منذ اشهر عندما تصبح الظروف الإقليمية والدولية ملائمة
بل قد يكون الهدف "تقطيع" الوقت وانتظار تطورات خارجية يعتقد كل من الفريقين المتصارعين في البلاد اي 8 آذار و14 آذار انها ستكون في مصلحته وستمكنه من فرض اجندته على الآخر وسياسته ومواقفه وكل ما يريد. وكي لا يبقى الكلام عمومياً تقول المصادر المذكورة ان فريق 8 آذار ومعه حلفاؤه الاقليميون طبعا وفي مقدمهم الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا ينتظرون بصبر نافد انتهاء ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش المعادي لهم بعد نحو سبعة عشر شهراً من الآن وانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة. ولهذا الانتظار دوافع عدة منها المعلومات الواردة من داخل اميركا عن ان سيد البيت الابيض منذ العشرين من كانون الثاني 2009 سيكون عضواً في الحزب الديموقراطي. ومنها ايضا توقع ان تكون للرئيس الجديد مبادرات تبين أن سياسته حيال الشرق الاوسط والعالمين العربي والاسلامي بكل قضاياها وفي مقدمها لبنان ستكون مختلفة عن السياسة التي انتهجها سلفه جورج بوش على مدى ولايتين. ولا يعني ذلك انه سيغير في اولويات بلاده او في مصالحها الحيوية والاستراتيجية وفي مقدمها النفط واسرائيل. بل يعني انه سيحاول الاستغناء عن استعمال القوة العسكرية اذا لم يكن ذلك ضرورياً وسيعمل على انهاء التورط العسكري لبلاده في العراق وسيسعى الى استكشاف امكانات ايجاد حلول لملف القضايا العالقة مع كل من سوريا وايران من خلال الحوار. والتوقع المذكور لا يبدو انه في غير محله في ضوء الدراسات التي تعدها مراكز ابحاث ديموقراطية في واشنطن وخارجها وتتضمن نوعا من الاقتراحات او السياسات التفصيلية التي ترى ان على الادارة الجديدة الديموقراطية انتهاجها وكذلك في ضوء المواقف المعلنة لعدد من القادة الديموقراطيين الكبار في الكونغرس بمجلسيه. الا ان الهدنة التي يريدها بالحاح فريق 8 آذار لا يقبلها ان تكون بأي ثمن. بل يعمل على ان يحقق من خلالها مكاسب معينة تسمح لوضعه الحالي القوي بالاستمرار وتحول دون التفاف اخصامه عليه قبل حصول التوقعات الاميركية التي ينتظر. علما ان نجاحه في توقعاته يعني امراً واحداً هو امكان توصل ايران وسوريا الى تفاهم مع اميركا من جهة، وامكان انعكاس ذلك ايجاباً على فريق 8 آذار في الداخل اللبناني الامر الذي يمكنه من تسجيل انتصار ما على اخصامه. اما فريق 14 آذار في اعتقاد المصادر السياسية المتابعة والعليمة نفسها فأنه بدوره ينتظر تطوراً اقليميا – دولياً ما. وهو يتثمل اولاً بتصاعد حدة الخلافات او بالاحرى المواجهات غير المباشرة الدائرة بين اميركا والمجتمع الدولي من جهة، وسوريا والجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة اخرى. وثانياً، بالعجز عن حلها. وثالثا، باقدام اميركا منفردة او بالتعاون مع المجتمع الدولي او حتى مع اسرائيل على توجيه ضربة عسكرية قاصمة الى ايران من شأنها ضعضعتها وافقادها تأثيرها في المنطقة ولبنان وكذلك سوريا هذا اذا لم تتعرض الأخيرة بدورها لضربة عسكرية اسرائيلية سواء بالتنسيق مع واشنطن او من دون تنسيق. وحصول التطور العسكري المشار اليه مرتبط بزمن محدد هو ما تبقى من ولاية بوش او على نحو دقيق هو ما تبقى من اشهر قبل انطلاق معركة الانتخابات الرئاسية الاميركية رسمياً وذلك يفترض ان يكون في آذار المقبل. والانتظار الناجح عند فريق 14 آذار يقتضي امراً من اثنين. الاول، تسوية ما مع فريق 8 آذار حول الحكومة والرئاسة مع ابقاء كل شيء معلقاً. اما الثاني، فهو كسب الوقت من خلال رفض مطالب 8 آذار التي يعتبرها كثيرون في 14 آذار استسلامية، ومن خلال الاستعداد الدائم للبحث سواء عن حل او عن هدنة ومن خلال العمل لابقاء كل شيء على حاله ولمنع انفجار العنف بين اللبنانيين لان من شأنه "خربطة" حسابات الفريقين معاً فضلا عن اضراره البالغة لشعوب لبنان.
ماذا يعني ذلك عموماً؟
يعني ان الهدنة، واياً يكن التصور لها عند كل من الفريقين المتصارعين، لا تهدف الى "خير البلاد" والناس من خلال تهيئتهم لحلول طويلة الامد وربما نهائية، بل تهدف الى خير كل منهما المناهض لخير الآخر. وهذا امر لا يشجع كثيراً على التفاؤل. الا ان السؤال الذي يطرح هنا هو: هل ان الهدنة سواء كانت غايتها الخير العام او الخير الفئوي هي مطلب كل الجهات الخارجية المعنية بلبنان؟
الجواب عن ذلك ليس سهلا، ولكن يمكن القول بشيء من الجزم انها مطلب ايراني ومطلب عرب الاعتدال او عرب اميركا ومطلب المجتمع الدولي رغم الحسابات الاميركية التي قد تكون مختلفة بعض الشيء. الا ان ما يحيّر اللبنانيين هو موقف سوريا. فهل هي مع الهدنة ام لا؟ ولا جواب عندي عن ذلك، علماً ان اخصامها اللبنانيين والخارجيين وربما بعض "حلفائها" يعتقدون انها لا تستطيع احتمالها لان المرحلة الراهنة وخصوصاً اذا سرت الهدنة ستكون مرحلة انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وانطلاقها في العمل. وهي تعتقد ان هذه المرحلة تستهدفها، وهذا ما يؤكده لها اخصامها اللبنانيون يومياً.
سركيس نعوم
sarkis.naoum@annahar.com.lb