Monday, July 23. 2007
ما يقال عن العلمانيين والعلمانية في مجتمعاتنا العنصرية اللاإنسانية من نعوت وأوصاف يشيب لها شعر الرأس .. كتب عن العلمانية في إحدى المواقع الإسلامية ما يلي:
ان العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل بعيدا عن الدين الذي يتم فصلة عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلا في أضيق الحدود. وعلى ذلك فأن الذي يؤمن بالعلمانية بديلا عن الدين ولا يقبل تحكيم الشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتدا ولا ينتمي إلى الإسلام،والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حضيرة الإسلام وإلا جرت علية أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة
انتهى الاقتباس.
أينما نحل ونذهب نقرأ ونسمع في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة نعوت بالكفر والزندقة والردة لكل من يؤمن بالعلمانية... ترفض هذه العقلية لفظ العلمانية رفضا قاطعا وهي بذلك تقع في حالة ازدواجية صارخة من خلال قبولها لمضمون العلمانية في ممارساتها اليومية للحياة المدنية وممارسة الديمقراطية تصويتا وتحزبا. والتناقض هنا واضح وجلي وذلك لأن مفاهيم الديمقراطية الدستورية لا يمكن تثبيتها إلا عن طريق مفاهيم العلمانية التي تقبل جميع الأديان وليس دين بعينه،وتتعايش مع جميع التوجهات السياسية وليس التوجهات الإسلاموية فقط،وتتسامح مع جميع الآراء ولا تتعصب لأقوال وفتاوى وتفسير لأشخاص تضفي عليهم هالة من القدسية.
أتى شعار الحاكمية لله ليؤكد ويصب في غاية جوهرية هي قيام الدولة الإسلامية أو كما يسميها البعض دولة الخلافة. ويشكل مفهوم الحاكمية من أكثر الشعارات حساسية وخطورة. فهم يرددون أن الحاكمية لله وحده ولا حكم لغيره,فله وحده حق التشريع والقضاء ومن يقل بغير ذلك أو يفعل على خلافه فهو كافر. وأنه إذا غم أمر شئ في النصوص فالمرجع في ذلك يكون للعلماء وأهل الذكر دون غيرهم,فهم الذين يفسرون ويفتون ويقضون. وانه لابد من الحكم بكل التشريع الإلهي بحيث لا يجوز تعديل حكم فيه أو وقف حكم آخر,أو القول بنسبية حكم ما أو وقتية أي حكم,ومن لا يحكم بكل التشريع الإلهي دون ما تعديل أو وقف فهو كافر,وأن المجتمع المعاصر كله مجتمع جاهلي ينبغي الانقضاض عليه لهدمه وعدم مهادنته أو مسايرته أو متابعته,فلا يوجد إلا حزب الله وهو الحزب الذي يضم قادة وأتباع هذا التيار,وحزب الشيطان وهو الحزب الذي يضم من عداهم في العالم كله,وعلى حزب الله أن يعلن الجهاد والحرب المقدسة - دون ما هدنة أو هوادة - على حزب الشيطان حتى يقضى عليه,ومن ثم تعود الحاكمية لله وحده... انتهى الاقتباس،محمد سعيد العشماوي,الإسلام السياسي,مكتبة مدبولي الصغير,ص45،1996.
هذا هو في الواقع التفسير الأساسي الذي يعتمد عليه هذا التيار والذي بدوره يفرخ متطرفين يلجئون للعنف كوسيلة للوصول لحاكمية الله,ومن هنا يتعين علينا اجترار بعض الأمثلة فيما يتعلق بهذا الشأن. عارض الخوارج علي بن أبي طالب في حرب صفين ضد معاوية بن أبي سفيان تحت شعار لا حكم إلا لله فرد لحظتها عليهم علي بن أبي طالب بأنه... قول حق يراد به باطل. التطبيق الفعلي لفكرة الحاكمية لله دخلت إلى الفكر السياسي الإسلامي بداية من خلال شعارات الخوارج,ثم تبناها الخلفاء الأمويون والعباسيون من بعدهم لتصبح جزءا لا يتجزأ من الفكر السياسي الإسلامي فاستخدموها لتعزيز سلطة الحكم,وقد أوعزوا لوعاظهم من أجل استخدامها لتبرير مظالمهم ولتخدير عقول الناس واستعبادهم. وقد قال معاوية يوما مقولته الشهيرة... الأرض لله .. وأنا خليفة الله,وفي العصر العباسي أفصح صراحة أبو جعفر المنصور... أيها الناس أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة,نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا,وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله... ويذكر أن أبو جعفر المنصور قطع أطراف ابن المقفع قطعة قطعة،وشواها على النار أمام عينيه،وأطعمه إياها مجبراً، ،حتى توفاه الله... والكثير الكثير من هذه الأمثلة الدموية تملأ تاريخنا العتيد... من يقرأ هذا التاريخ السياسي الصرف للخلافة الإسلامية السياسية يدرك أن من يتنادون بالخلافة،والدولة الإسلامية ويهاجمون العلمانيين يتخيلون في الدولة الدينية حلاً،وفي الحكم باسم الإسلام أمانا وعدلاً،فمنذ أن دخل هذا الفكر تلقفه الحكام لتبرير كافة أخطائهم تحت مسوغ أنهم يحكمون باسم الله,حتى أصبحت كل فئة تدعى لنفسها احتكار الحق وتزعم بأنها وحدها في طريق الإيمان وأنها هي الفئة الناجية,وتدعي بأن غيرها من الفئات الخارجة عن سلطانها إنما هي فئة كافرة بالله جاحدة بتعاليمه وأوامره
وفي عصرنا الحالي عصر الوهابية يمارس رجال الدين الكهنة سيكولوجية غسل الأدمغة التي تعتمد على الترهيب والتضليل،فلا يجوز لأي صاحب فكر حر التشكيك أو مراجعة أو انتقاد ما يقوله أهل الذكر،أما هم فلهم كامل الحق في تكفير الناس والحكم عليهم بالردة وإقامة الحجة... ولا تجد في أدبياتهم إلا قال ابن باز وقال ابن عثيمين وقال الشيخ.
يدعون الديموقراطية وهم أبعد ما يكونون عنها؟ أي ديموقراطية هذه وكل ما يأتي في كتبهم وأدبياتهم ما هو إلا تكريس لفكر إلغائي إقصائي يدعو لكل أنواع العنف المسلح و غير المسلح.
الإسلام السياسي والليبرالية يقفان على طرفي نقيض... فالليبرالية تدعو للحوار واحترام التنوع الفكري والعيش المشترك والتسامح مع الآخر على اختلاف آرائه وتوجهاته وعرقه و دينه،والاعتراف بحقوقه في الوجود والحرية والسعادة... الليبرالية هي الإنسانية إلى أقصى مداها... التي تؤمن بأن الإنسان هو ركيزة الحياة وأن الرحمة والسلام هما أهم من العقيدة الدوغمائية وصكوك الغفران... الليبرالية التي تؤمن بأن الفكر الحر والحريات المطلقة المسئولة لا وصايا الكهنوت هي قدر البشرية وأساس ارتقاؤها وعزتها... الليبرالية التي تؤمن بأن النسبية لا الحقيقة المطلقة الثابتة هي سمة هذا العصر... وأن النقد البناء ومراجعة الذات وحرية الفكر هم أساس بنيتها الفكرية... الليبرالية التي تسعى إلى نبذ العنف وتنادي بالعدالة الإنسانية المجردة من هويات العنصرية الزائفة... الليبرالية التي تبني الإنسان ذي الإرادة الحرة والمجتمع الحر،وبدون هذا الفكر الحر لن يكون هناك إبداع... فكيف يخلق الإبداع في مجتمع تقيده الخطوط الحمراء من كل جانب... الليبرالية التي أعطت المرأة حقوقها وساوتها بالرجل بعدما عانت الأمرين من المجتمع الديني الذكوري... الليبرالية هي منظومة القيم المجتمعية والثقافية والإنسانية التي تدعو إلى البناء لا الهدم.
وفي الختام نقول لكل الذين يمارسون الإرهاب الفكري... لن ترهبونا بما تكتبون وتقولون من تكفير وردة
نعم علمانيون ليبراليون... ولنا الفخر
|