هل يكفي ان يطمئن وزير خارجية فرنسا الرئيس السنيورة الى انه عائد الى بيروت ليتابع المبادرة الفرنسية حتى يصير للبنان دوره في وجه شبكة عنكبوت المفاوضات الدولية المتعددة الابعاد؟ ولا يكتفي المتهافتون على المفاوضات من كل حدب وصوب بالنظر الى لبنان وكأنه مجرّد ملف – والملف الأصعب ربما! - على موائد المفاوضات، كي لا نقول الصحن الشهي على لائحة الطعام؟
لا، كلا... لا يكفي.
المطلوب ان يأخذ لبنان جدياً، ان نأخذ جميعنا، واحداً واحدا، بمنتهى الجد ما يقذفنا به أقرب المتفاوضين الينا كما أبعدهم: ان اللبنانيين بأمرهم أدرى، وان عليهم هم ان يعالجوا قضاياهم "الداخلية" (بما فيها الجوانب المعروفة الصفة "الخارجية" لها مهما تنكّرت بشتى الصيغ والأشكال...).
وبداية الطريق ان يتوقف بعضنا عن الطرب بالبشارة الهابطة علينا من قريب بأن "صيفنا سيكون حاراً بالانتصارات"... لأن هذه الانتصارات ولو نتجت من حروب نخوضها نحن، فانها حروب نخوضها ضد ذاتنا من أجل سوانا... فلا نصر لنا نحن منها، بل النصر كالسلام اذا نتج منها سلام، انما هو سلام من أجل الآخرين ونصر من أجلهم لا من أجل المحاربين منا الذين يلبّون النداء الى النصر الزائف...
وهكذا نفهم لماذا سيكون صيفه حاراً!
•••
هي ساعة الحقيقة، بل لحظة الحقيقة تدق جرسها باريس...
وعلينا، كي لا نغرق في "سلامٍ من أجل سوانا" – أياً يكن هذا السوى – مستشرقاً كان أم مستغرباً – يكون أسوأ من "الحروب من أجل الآخرين" التي لا نزال نتخبط في بحارها منذ ما يقارب نصف القرن...
علينا ان نفيق من أفيون العصبيات التي سكرنا بأهازيجها وبروائح رصاصها – وبعضنا لا يزال – ونلمّ ما يتيسّر من الشمل ليواجه هكذا عقلاؤنا المأخوذين منا بجنون حروبهم لا بمشروع حرب ضد حرب، بل بمشروع سلام ضد كل الحروب.
•••
ذلك لا يكون إلا بقيام مَن قد تستهويهم مثل هذه البطولة، فيترفّعون عن كل الأنانيات الذاتية (أمذهبية كانت أم حزبية أم قبلية أم... صبيانية!) ويحرجون الآخرين – نعم يحرجونهم بمشروع سلام لبناني وطني توافقي – اذ لا رئاسة "توافقية" تظل ممكنة من دون ذلك ولا من يترأسون!... - يدعونهم الى مناقشة المشروع مناقشة عقلانية عملية، وبعد ذلك، اذا تم حول مشروع السلام اللبناني توافق، نطرحه كلنا معاً على الآخرين، بدءاً بالشقيقة سوريا قائلين لها بصدق واطمئنان اننا ندرك ان استقلالنا يجب ألا تظنه حرباً عليها، بل استعداداً لأن نكون الى جانبها وأفعل في ايصالها الى السلام الذي اليه تتوق، لأننا، نحن، ندرك انه يستحيل في هذا الشرق العربي المعذّب أن يكون لأي أحدٍ منا سلامه اذا لم نبنِ معاً نظام سلام اقليمياً قائماً على العدالة والحرية.
نعم، لا سلام لبنانياً يمكن ان يقوم بمعزلٍ عن سلام فلسطيني وسلام سوري وسلام عراقي...
ولكننا نعمل لذلك كلنا معاً، وليس كل واحدٍ منا بالتواطؤ مع "الآخرين" على حساب الأشقاء.
ولا سلام يقوم في مجتمعاتنا المريضة عبر حروب مدمّرة للآخرين أو عبر زعزعة الاستقرار هنا واستشهاد الابطال هناك! مفهوم؟
•••
والحوار الأفضل والأجدى اقناعاً مع السوريين كما مع الفلسطينيين هو الحوار المباشر، من القلب الى القلب، ومن العقل الى العقل، ولا حاجة الى وسيط أو حليف حتى لا يصير سلام واحدنا سلاماً "من أجل الآخرين".
نقول حواراً مفتوحاً مباشراً، ولا يفوتنا أننا في مجتمعات لا أسرار فيها. فحذار أن يظن واحدنا أن في وسعه ان يكذب وتمرّ كذبته ببراءة وينطلي أمرها!
•••
لذلك، خلاصة، نقترح أن يعيد الرئيس نبيه بري بصفته رئيس مجلس النواب لا رئيس حزب او تكتل، دعوة الفرقاء الى استئناف الحوار، انما بشرط واحد:
لا بحثٌ في "المعميات"،
لا بحث في انتخاب الرئيس ولا في شروط الانتخاب،
ولا بحث في حكومة انقاذ.
الانقاذ ليس بحكومة مقطّعة الأوصال سلفاً.
بل الانقاذ بمشروع السلام اللبناني، وحده يحصّن الوطن المعذّب ليس من حروب الآخرين فحسب بل كذلك من مشاريع السلام التي يسوّقونها، من هنا وهناك وهنالك... وكلها تكون على حسابنا اذا تحوّل الوطن الى ملف والدولة الى فريسة أو مجموعة مغانم ملقاة على طاولة مفاوضات.
الدور الانقاذي هو هذا.
ينتظر بطلاً قيادياً يقوم به، سواء أكان ذا رئاسة أم "أخْوَت شانيه" ما، سيضحكون منه بادئ ذي بدء، ثم يصفّقون لنجاحه ويهللون عندما يدرك الجميع ان لا بديل لهم منه سواه.
ghs@annahar.com.lb