أنطلق في هذا التوصيف الصادم من واقع نعيشه وتعيشه الشعوب العربية والإسلامية منذ زمن بعيد ، وقليل ماهم أولئك الذين يفرقون بين العواطف وبين القضايا المصيرية ، ولهذا يختلط في أذهانهم عادة وفي الغالب ذلك ، نرى هذا في الهبات التي تحدث بين فترة وأخرى مع سابق علم إن هذه الهبات والوقفات والمظاهرات لا تغير في قواعد اللعبة الأممية شيئا ، إن لم يكن هناك هدف مقصود واضح المعالم والشروط .
الشعوب التي أعنيها كثيرة الكلام قليلة الفعل ، وفعلها دائماً عبارة عن ردات فعل ، ولهذا تأتي ناقصة أو غير نافعة لأنها لاتبني بقدر ما تكون عوناً في الهدم والتدمير ، وحين أشير إلى هذا لا أبرء أحداً من الولاة أو عامة الشعب ، وبحسب الرصد من عمر الشعوب نجد إن عشرين عاماً مضت من حياتها المعاصرة ، ولم تختزن هذه الشعوب هول النكبات والمصائب التي جرت عليها توالياً ، من غير أن تفكر ولو للحظة في البناء والأعمار والتطوير وسد حاجات المجتمع الضرورية ، بل عمد الجميع إلى إغراق الناس في الفوضى وبأشكال والوان مختلفة ، وقد أدخلوا الدين في هذه الغباوة كلا من جهته كشعاراً لتضليل الناس وإلهائهم عما يريدون ويطالبون ، وهنا أعني العراق وماحوله من دول من جهة التكوين والنظر البدائي ، فقد لطمت به حمى التمزيق والتشتت ساعد على ذلك وفي ذلك جيلاً من الفاسدين وبائعي الضمير والشرف ، ورسخته ثقافة بدائية وتعليم هزيل وكسل وتباطئ ، وعدم إيمان أو شعورا بالمسؤولية الوطنية يأتي هذا من الجميع دون تمييز ، ويذكرني ذلك بقول للإمام علي عليه السلام سابق قال : - كما تكونوا يولى عليكم - ، وهكذا هو واقع الحال فلا الشعب لديه هذا النكران والروح المبدعة الخلاقة ، ولا الولاة لديهم هذا الشعور بالكرامة والمسؤولية ، وكلما جاء موسما وجدنا من ينفخ في البوق من أجل تعميم الخرافة والخداع و الخمول والضعة حتى تنافر الشعب الواحد أشتاتاً متفرقين ، وتقاتل وكلا بحسب مذهبه ورأيه و يحسب انه من اصحاب الجنان ، حتى قيل قائلهم - القاتل والمقتول في النار - .
ومن العراق أنتقلت عدوى الغباوة إلى سوريا التي كانت آمنت مطمئنة ، فغيرة أهل المذاهب والنفاق لم تتحمل إلاَّ بان كدست كل حقد السنيين لتغتال الأمن والأمان اللذين كانا يلفان البلد من شماله لجنوبه ، وخرجت عليه فقاعات الزمن الغابر من فئات وعناصر وإرهاب حرق الأخضر واليابس ، وهكذا دواليك جرت في كل شطآن العرب من المحيط إلى الخليج ، وفي غالب هذا كان المحرك شعورا بالضنك والضيق من دكتاتوريات القمع والظلم ، ومن التوزيع غير العادل للثروات وانتفاع اصحاب المصالح والهوى منه فقط ، وفي هذا الشأن تحدثنا ليبيا عن ذلك غير مشكورة فجرت خلالها أنهارا من الدمار والدماء .
إنه الغباء ياسادة الذي دمر وأفنى ولازلنا نلوك عصارته المرة ، ففي إيران مثلاً حيث الحكم البدائي المخالف لقواعد الحياة الجديدة ، هناك ثمة مايؤرق في الكيفية التي يجب ان يتم بها التعامل مع الحادثات وكذلك في كيفية الإنتقال في الحكم من طريقته القديمة إلى شيء جديد من دون فوضى ولا دماء ، فنحن قد عانينا الفتن والملاحم من هذه الفوضى منذ عشرين من السنيين ، ورغبتنا ماسة أن يقرأ من يهمهم الأمر الأمور على نحو مختلف غير ذاك الذي ألفناه قبل أربعين سنة .
فالعالم لم يعد كذلك والناس كذلك تبدلت أوطارها وهذه حقيقة يفهمها ذوي النهى ، ولعل إيران تختلف شيئا ما عنا لما تمتلكه من رصيد في الإدارة والسياسة من أجل تجنب الوقوع في الفوضى التي لا تبقي ولا تذر ، وأنا في ذلك من الناصحين وحريص على العراق كي لا تزيد الطين بلته ، فيركس في مهاوي الردى إلى حيث لا ينفع وستكون النهاية التقسيم على الشروط التي لا يظن بها البعض من السذج وطيبي القلب ، كل هذا سببه غباء الشعوب وحين تخلط بين العواطف وقضايا المصير ، وحيث يكون ذلك كذلك فالمستقبل سيكون عاتما أسوداً ليس له ضوء ولا نهاية فيه لنفق في الأفق ..