الأخلاق في الأدب الليبرالي وفي الفكر الليبرالي ماهية وجودية مستقلة تعبر عن العقل وعن الضمير ، أي إنها مزيج من القيم والمشاعر ، لذلك فهي عامل أساسي في خلق عالم خال من التوتر والعنف والإكراه والقهر .
والاخلاق في المذهب الليبرالي عبارة عن مجموعة قيم ضرورية واحترازية في الوقت نفسه ، والضرورة والإحتراز هنا من أجل صيانة المجتمع وحمايته من التعدي والتجاوز ، أي إنها تتخذ شكل القانون في طبيعته وفي فعليته ومنجزيته ، وإيمان الليبراليين بالاخلاق إيمان بالمبادئ الأولية اللازمة في صناعة المجتمع وصناعة الحياة ، والتي يترتب عليها تطوير بنى العمل الاقتصادي والسياسي والثقافي الإجتماعي ، وعلى هذا الاساس أعتبرها الليبرالي حاجة تعزز الشعور بالذات في صف الفعل الموجب .
والاخلاق في الفكر السياسي الليبرالي : عبارة عن سلوك منتظم ، وعمل نزيه ، وتربية رصينة ، وثقافة شاملة ، ومعرفة ، ونشاط . وهي بنفس الدرجة فلسفة وجود اجتماعي خال من الامراض النفسية ، التي تخلقها العادات ، وتخلقها البيئة ، ويخلقها طبيعة النظام التعليمي والتربوي ، وهنا تطرح الليبرالية الديمقراطية منظومتها القيمية كمضادات حيوية وكعلاجات في تحديد درجة المرض ونوعه ، وتقييم حالته ومدى خطورته ، ودوره في تعطيل قوى الانتاج والعمل في الخير العام والسعادة ، التي تسعى الليبرالية لجعلها قوى اجتماعية عامة ومصونة .
لذلك تقيم الليبرالية الديمقراطية مشروعها السياسي والثقافي على الاخلاق وتلتزم بذلك ، إيماناً بالانسان ، وإيماناً بالقانون ، وإيماناً بالعقل ، وهي تسعى من خلال ذلك لتشكيل وعي جديد تجاه قضايا الحياة ، ولهذا أيضاً لا تُمانع الليبرالية من الربط بين العرف والأخلاق ، في مجال ضبط وتفعيل حركة المجتمع للعمل الصالح .
ولهذا عدت الليبرالية [ الصدق ] : قيمة عليا و أولية في التعريف بإنسانية الانسان ، والتعريف بقدرة الصدق في خلق المجتمع الصالح المتقدم والمتطور ، وربطت الليبرالية بين [ الصدق ] وبين التطور الحضاري والمجتمعي ، وبنفس السياق حاربت الليبرالية وبلا هوادة [ الكذب ] : وأعتبرته من الممنوعات التي يجب محاربته ووضع القوانين الصارمة بوجهه لأنه أي الكذب ضار بالوجود الطبيعي للحياة ، وأعتبر المشرع الليبرالي إن : [ الكذب ] حرام على كل المؤمنيين بالليبرالية وبقيمها ، ودعا المشرع الليبرالي إلى وضع الأسس التي تساهم في تطهير المجتمع من هذه الآفة الخطيرة ، ولم يستثن المشرع الليبرالي من الربط بين صحة القانون ونفاذه وبين تحريم [ الكذب ] ورتب بل نظم لوائحه تبعاً لذلك ، من هذا يتبين ان الليبرالية الديمقراطية كفكر اجتماعي وكفكر فلسفي أسست قواعدها على الاخلاق وعلى القيم التي تحمي الإنسان ووجوده وحقه في الحياة .
وأعتبرت - الليبرالية الديمقراطية - فلسفة الاخلاق تتعدى الجانب التاريخي في الرصد والتحقيق إلى البعد العملي ، ومن هنا ربطت بينها وبين الفلسفة السياسية ربط إقتضاء وملازمة ، فهي لذلك ترفض المقولة - الميكافيلية – التي تبرر الظلم والكذب والخديعة والتسويف والمماطلة ، أي ان الليبرالية الديمقراطية بإعتبارها فلسفة وجودية لم تجعل همها الأول هو السلطة والسلطان ، بل جعلت أولى مهامها هي خلق روح جديدة في الانسان ، وترسيخ معنى المنظومة القيمية في سلوكه وحركته ، ومن هنا فهي تبحث عن كل ما يعزز البناء الداخلي للإنسان ،
تتبنى ذلك الليبرالية الديمقراطية على صعيد التوعية والتثقيف اليومي والدوري .
وتعتبر - الليبرالية الديمقراطية - نفسها معنية بدرجة ما لخلق ثقافة مجتمعية عامة تستهدف نشر التوعية الاخلاقية ، في وسطها الاجتماعي والحركي ، وتحاول التعبير عن ذلك بلغة مفهومة للأخرين ، ولهذا تعد - الليبرالية الديمقراطية - النفاق السياسي والاجتماعي مرض خطير ، يتطلب تكثيف الجهد حياله وتنبيه العامة ، إلى مدى الضرر الذي يلحقه في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .
وقد وجه الليبرالي همه وندائه إلى الجيمع لعدم الانخراط في الجدل السلبي ، الذي يزيد في الفوارق ويراكم الكراهية والحقد ، والليبرالي حريص جداً على عدم الخوض فيما لا يعنيه من الامور ، وهو يعمل على ان لا يقع في مجال الشبهات التي هي ساحة المنافقين التي يعشعشون فيها .
وهنا تبدو العملية بحاجة إلى رصد من نوع خاص ، على ان يشمل هذا الرصد كل الساحات التي يتحرك فيها المنافق ، وقد يظهر مع التجربة ان [النفاق ] يكبر مع الجهل ، ويتجذر لدى الناس الأقل حظاً في التربية والتعليم ، وهؤلاء تضللهم الدعاية المنافقة ، التي تعمل من خلال الدمج بين الحسن والقبيح ، هذا الدمج الذي يتبناه في العادة زعماء - النفاق السياسي - فيظهرون الحسن قبيحاً والقبيح حسناً ، وهي حيلة ليست جديدة ، ولكنها تنمو مع الفراغ والجهل وسوء الظن ، وتلك صفات يتحلى بها من يشعر بالنقص المجتمعي والنفسي والتعليمي والوظيفي .
وهنا تظهر - الليبرالية الديمقراطية - منظومتها القيمية لعلاج ذلك ، بروح واقعية مستفيدة من طبيعتها ونزاهتها وفعلها الدائم لصيانة الانسان وحمايته ، ونقله من جو القلق والجهل إلى عالم النور والمعرفة ، وهي تتكفل ذلك وتدرجه كإعتبارات أولية في مشوارها الاجتماعي والسياسي ، لهذا فهي تحارب ظاهرة [النفاق ] عبر الآليات والأدوات العلمية والمعرفية التي تعتني بحاجة الناس والكيفية التي تغطي بها تلك الحاجة .
والشخص الليبرالي بطبيعته ميال لسيادة القانون ، وهو يجد في ذلك الميل ملاذاً للجميع ، لذلك فهو يحارب كل ظواهر الفساد الاجتماعي والاداري والفساد الاقتصادي والمالي ، وبدرجة أكبر الفساد السياسي ، ويعتمد في حربه تلك على قيمه الاخلاقية وحرصه على سلامة المجتمع ، من الضرر الذي تسببه تلك الظواهر ، ويعني ذلك وقوف الليبرالي ضد كل معاني السرقة ، والرشوة والمحسوبية ، في أجهزة الدولة ومنظومتها الحكومية ، ويرفض الليبرالي قضية اللاوضوح في الفكر والرؤية والمفاهيم ، وهو يعمل الآن على توضيح كل القيم والمعاني والمصطلحات الافتراضية والمتداولة ، لكي لا يتم الاستخدام والتوظيف دون وعي أو دراية كما هو حاصل لدى البعض .
ويجهد الليبرالي لتأصيل دور الانسان ، وأهمية ذلك الدور من خلال وضع الخطط والبرامج الواقعية ، التي تحد وتلغي من نشاط وفاعلية تلك الظواهر السيئة ، في عملية تراعي الواقع وطبيعته ولغة الخطاب السائد ، ولهذا قد تعتمد - الليبرالية الديمقراطية - في بعض أجزاء العمل التطهيري المراحلية لشعورها بأن العمل الدفعي لمرة واحدة يكون ضرره أكبر من نفعه ، - والليبرالية الديمقراطية - في ذلك تعتمد الخبرة المتراكمة التي عاشها آباء الليبرالية الديمقراطية وهم يؤسسون دولة الانسان والقانون .
نعم ربطت - الليبرالية الديمقراطية - في سلوكها السياسي بين الواجب والمباح ، لأنها تدرك حتمية التغيير عبر المراحل ، مع العمل والوضوح ، وصدق النوايا وصدق الاتجاهات ، وذلك الربط في ذاته انما يستهدف صيانة الانسان ، الذي هو المبدأ الأولي بالنسبة لعمل الليبرالية الديمقراطية ، من هنا يمكن اعتبار العامل الحاسم في التعريف بالفكر الاخلاقي لدى الليبراليين من خلال الواقع ونتاجاتهم المعرفية والعلمية لخدمة الانسان وقضاياه التحررية .