الغرانيق : جمع غرنوق أو غرنق ، قال أبن الأنباري في تعريفه : - هو ذكر طيور الماء الناصعة البياض - ، ومن صفات هذه الطيور إنها تحلق عالياً في جو السماء ، ولعلوها وتحليقها في جو السماء ، شبهت الأعراب أصنامهم بالغرانيق علوا وقدرة ومكانة ومنزلة ، وقصة الغرانيق كغيرها من القصص المزيفة دخلت كتب المسلمين في التاريخ وفي التفاسير وأثرت بهما ، وأصل الحكاية هذه الحكاية الزائفة عند الطبري وأشباهه من المحدثين هي : - إن النبي صلى بالمسلمين ذات مرة وكان يقرأ بعضا من النجم من قوله تعالى : ( أفرئيتم اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، ألكم الذكر وله الأنثى ..) ، ثم سهى النبي فجأة وقال من حيث لا يدري : ( تلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ) ، فسجد القوم كلهم أجمعين ثم هللو وتنادوا لعلو شأن آلهتهم ، وإن الله قد أظهر الحق بكلماته فيهن ، قال الطبري :
- ولما سمع المشركون ذلك ، فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي - ، وقد أعتبر البعض من الوضاعين ذلك تفسيرا لقوله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاَّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ..) الحج 52 ، مع أن هذا النص من حيث البناء والتشكيل وزمن النزول مختلف ومغاير لسورة النجم وما فيها ، وما قيل في ذلك من بعض المفسرين فخرط قتاد لا ينظر ولا يعتد به ، إذ إن دعوى قولهم أن ألقى الشيطان قد ألقى على لسان النبي مقولة - تلك الغرانيق .. – دعوى باطلة بإمتياز ، ثم أن القول بان النبي حزن وأشتد وأغتم قول فاسد وله اهداف معينة خبيثة ، ولم يكن النص 52 من سورة الحج بمثابة التسلية للنبي على ما قام به من فعل مخالف للوحي وللكتاب المجيد ، ولو أردنا التعرف على معنى - تمنى - الواردة في سياق النص 52 من الحج ، لقلنا إن هذا اللفظ مختلف فيه وفي معناه عند العرب ، فثمة من قال : هو لفظ صحيح الإشتقاق من الفعل الرباعي - تمنى - ، الدال على الرغبة في الحصول على شيء ما ، وهذا المعنى ينسجم من طبيعة وروح النبوة والرسالة وماكان يُراد منها في النشر والإبلاغ ، ولم يكن هذا النص حكراً على النبي محمد بل هو سلوك نفسي من قبل كل الانبياء والرسل ورغبتهم في ان تصل دعوتهم للجميع ، وفي المقابل هناك حركة ضد من قبل الافراد او الجماعات التي تعتبر حركة النبوة والرسالة اضرار بمصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية ، وهي لذلك تعتبر هذه الرغبة من الرسل والانبياء بمثابة الحرب المباشرة ، ولذلك سمى الوحي هذا الفعل من قبل المناوئيين للنبوة والرسالة بأمنية الشيطان ورغبته في الصد عن سبيل الحق والدعوة إلى الصراط ، ولا علاقة لهذا النص بمفهوم هيمنة الشيطان وجنوده على النبي أو الرسول وفيما يرغبان ويريدان ، ولذلك نجد إن الوحي قدم نتيجة منطقية لطبيعة الصراع ، حينما قال : - فينسخ الله ما يلقي الشيطان - أي إن دعوة وفعل الجماعات والأفراد المناوئيين لحركة النبوة والرسالة لن تصمد بحكم طبيعتها اللامنطقية وفعلها الشرير الذي تعم بلوآه الجميع ، وبدليل قوله : - إن كيد الشيطان كان ضعيفا - ، وبناءا على هذا لا يجب إعتبار هذا التهافت التاريخي حجة على كتاب الله ووحيه ، لأننا نعلم إن الله حين يكلف النبي أو الرسول في أداء هذه المهمة فهو يعلم حيث يجعل رسالته ، ناهيك عن أن مفهوم الإصطفاء الذي لم يأت من عبث أو أختيار فوضوي إنما يقوم على الأهلية الدائمة المترسخة بهذا المصطفى وبقدرته على تحمل أعباء الرسالة والنبوة في مختلف الظروف والأوقات ،
.
راغب الركابي