كان للشيخ آية الله إياد الركابي إجابه مختصرة عن هذا السؤال في أحدى كتبه الفقهية ، واليوم ولحاجة ماسة أقتضتها ظروف عمل وممارسة خاطئة من البعض ، وجدت من المفيد إعادة الجواب مع شيئا من التفصيل حول النيابة وصحتها في العبادات عن الموتى ، وهل هي جائزة أم لا ؟ .
وللتذكير فقط : إن الذي قادني للدخول في هذه المساجلة الفقهية ، هو كثرة ما نسمع ونشاهد من الذاهبين للحج تحت عنوان - النيابة عن الوالد أو الوالدة الأموات - !! ، والحق أقول : إن أحكام الدين لا يجب أن تكون ألعوبة ، يفصلها المريد حسب حاجته ، بل إن لها مصدرا وحيدا وفريدا اؤخذ عنه وتقاس عليه ألاَّ وهو كتاب الله .
وبنظرة فاحصة ومتأنية لكتاب الله لم نجد بحدود ما نعلم ، ما يؤيد مبدأ النيابة ولا صحته في الحج ولا غيره للموتى ، بل ما وجدناه هو العكس تماماً ، أي إن الله رفع التكليف وتبعاته عن الموتى ، وجعل الموت نهاية لرحلة العمل والعبادة ( وهذا ما صرح به الإمام علي بقوله - اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل - ) ، ولم يأذن الله للأحياء بممارسة الطقوس والعبادات نيابة عن الموتى ، إذ - كل أمرء بما كسب رهين - ، وحال الموت ينقطع المرء عن رحلة العمل والعبادة ويتهيأ فقط للحساب ، وتقديم ما لديه من أعمال كان قد قام بها في حياته ، حسب الممكن والمستطاع ولم يُعلق الله محو الذنوب أو رفع السيئات أو زيادة الأجر بما يفعله الأغيار سواء أكانوا أبناء أو غيرهم للموتى .
تلك هي الحقيقة التي يجب النظر إليها من غير رياء أو نفاق أو دجل ، فالمرء لا يرفع عن غيره سوءات ولا يقدم له حسنات ، وهذا الكلام يجري حتى في صيغة الدعاء التي نقوم بها من غير تفحص لموتانا ، فالدعاء بزيادة الأجر أو بمحو الذنوب لا يدخل في باب العدل ، حتى يُقال بجوازه وبصحة ممارسته ، إنما هو صيغة شفوية يراد منها نكران الجميل وحفظ كرامة الأباء لا غير ، وليس هو من قبيل إضافة شيء من الأجر أو تخفيف عذاب أو معانات ، لأن االله قال - وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه - ، وهذا الإلزام مضطرد دائم يرتبط بالمهمة التي تقول - كل نفس بما كسبت رهينة - ، ولا يدخل في هذا الحيز الوساطة من الغير بحق المحكومين ولا الشفاعة المُدعاة .
ويجب العلم إن عالم الأخرة مختلف عن عالم الدنيا ، فلا شفاعة ولا وساطة إلاَّ بالعمل وما قدمت الأيدي ، وهذا التحرير يصح في كل مجالات وشؤون العبادة والعمل ، ولهذا كانت الجنة وكانت النار وكان الإيمان بهما جزءا من الإعتقاد ، فليس هناك محابات على أساس الأخرين وما يفعلون ، نعم إن رحمة الله وسعة كل شيء ، وبما إن الكلام عن الله فمحله أصبح في جهة أخرى ، غير التي نتحدث عنها وتحدث بها الكتاب المجيد .
وبحدود رأينا المتواضع إن كل ما ذهب إليه الفقهاء في هذا الشأن لا يعتد به ولا يصح ، وإنما الصحيح ما جاء في الكتاب المجيد وماهو أكيد من مأثور وكلام للنبي والأئمة ، وما عدى ذلك فخرط قتاد .
لهذا أقول : لا تصح النيابة في الحج عن الموتى ، ولا تصح العبادات جميعاً في ذلك ، وما يكون في الحج من عمل وثواب فمرده للمرء صاحب الفعل والعمل الحي وليس الميت ، وكل أمر يجب معرفته في هذا الشأن وعلى حقيقته ، إنما يكون من خلال نصوص الكتاب وآياته ، والذي هو عندنا الحجة القاطعة الكبرى ، وليس ما جاء بلسان الناس منسوباً للنبي فكل ذلك عندنا لا يساوي شيء ، والله أعلم ..