لتكن الخطوة الاولى في العراق الذي يفترض ان يكون دولة واحدة، ولقد فات ذلك الساذج الذي يدعى الملك فيصل الاول الى اين وصلت دولة هارون الرشيد حين قال «اقول وقلبي ملآن بالاسى ان في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد بل تكتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية»...
سؤالنا الى صاحب الجلالة، بكل موبقاته هل كان يوجد شعب فرنسي؟ وهل كان هناك شعب بريطاني؟ دعوا الشعب يصنع نفسه ما دام القادة اغبياء الى هذا الحد...
ـــــ
هذا القول السحري لارنولد توينبي «مشكلة الشرق الاوسط انه لم يأخذ بالاعتبار جدلية الازمنة، ويعيد ترتيب علاقاته مع الغيب». بشكل او بآخر يلتقي مع الالماني غانتر غراس «النصوص التي تركض مع الازمنة». قال ايضاً «الاخرى ان تركض مع العقل البشري».
والبداية، والنهاية، من بلاد الرافدين. اول علاقة مع الغيب ظهرت في الحضارة السومرية. وكانت شفافة ومثقلة بالدلالات الجميلة. هذا ما لاحظه حتى برنارد لويس الذي تصل به الفظاظة حد القول ان اولئك الناس (اي المسلمون) هم الذين اغروا الله باختراع جهنم.
وكان ان هبطت جنهم على الارض، فكان الشرق الاوسط. هل نتصور ان المستشرق الاميركي يمكن ان يقول كلاماً اقل هولاً، وهو الذي اقنع صديقة ديك تشيني بأن من يمسك بالعراق يمسك بالشرق الاوسط...
بعد فوات الاوان لاحظ «كم ان التاريخ هناك شغف بالتزلج على النيران». ماذا الان في العراق؟ اوحوا الينا بانهم دخلوا الى الموصل، فاذا بهم يعلنون احتلال القرية تلو الاخرى، واذا بنا نسمع ان ثمة طائرات «مجهولة» تحط في مطار الموصل. ماذا تحمل معها وماذا تأخذ معها حين تقلع؟ الله اعلم...
مرهق العراق، مرهق بمواويله، وبحكامه. لن نقول قطعاً انه مرهق باهله. كان عبد الوهاب البياتي يقول لنا «العراقي نصفان، نصف هولاكو ونصف حمورابي. النصف الثالث... ناظم الغزالي».
نتصور ان العراقيين عادوا الى وعيهم، وان البلدات المجاورة اكتشفت ان تفجير العراق مذهبياً واتنياً لا بد ان ينعكس عليها. وبعدما كنا نسأل اي عراق بعد الموصل، فوجئنا بقول دونالد ترامب (وهذا رأي هنري كيسنجر) بعدم وجود دولة تدعى العراق، بل حالة فسيفسائية رثة وتم تركيبها بطريقة عجيبة...
هنري كيسنجر زرع في اذنيه نيراناً كثيرة، لا بد من تحطيم العراق الذي ظهر فيه نبوخذنصر، وقد هدم هيكل سليمان وسبى اليهود الى بابل، ولا بد ان يكون قال له ان ونستون تشرشل هو الذي اقام الدولة العراقية بتوحيد الولايات الثلاث (بغداد والموصل والبصرة) ليس لان الزعيم الانكليزي كان قومياً عربياً وانما لتكون هناك سلطة مركزية واحدة للنفط.
بعثة الامم المتحدة لدى العراق (يونامي) وضعت اطاراً لـ«تسوية تاريخية» بين «الاطياف» العراقية كافة. كل مكون يضع ورقة لتستخلص البعثة من الاوراق المقدمة صيغة للتسوية يتم اقرارها في مجلس الامن الدولي وتنفذ على الارض بعد ان توضع الآليات الخاصة بذلك...
ما بدا ان الخلافات بين المكونات حادة، واحياناً عاصفة ايديولوجيا حتى داخل المكون الواحد. اما رهان الفريق الاممي فهو ان ثمة دولا فاعلة تدعم اتجاهه.
كما ان هناك قيادات عراقية بدأت تستشعر الاهوال التي تنتنظرها اذا ما انتهت معركة الموصل بحرب اهلية لا تبقي ولا تذر...
على هامش القمة الخليجية في المنامة كان هناك من اقترح تكثيف الجهود لمنع انفجار العراق باعتبار ان الشظايا بدأت تخترق كل الحدود دون استثناء كما كان هناك من اقر بأن باراك اوباما كان على حق حين قال ان المشكلة لدى بعض دول الخليج هي في الداخل لا عبر الحدود...
وما تقوله المعلومات ان اصواتا ارتفعت داخل القمة تعتبر ان سياسات دونالد ترامب ستكون ضاغطة، وربما مدمرة ان بالنسبة للدول العربية المشاطئة للخليج او بالنسبة الى ايران التي على الضفة الاخرى...
وكان هناك حاكم خليجي ابدى رأيه بصراحة حول عبثية (وحتى عدمية) السياسات الراهنة قطعا هذه السياسات لن توصل سوى الى الخراب، ولا بد من اعادة نظر هادئة وتدريجية بالرؤية الاستراتيجية اذا كان ثمة من رؤية، برمتها...
لتكن الخطوة الاولى في العراق الذي يفترض ان يكون دولة واحدة، ولقد فات ذلك الساذج الذي يدعى الملك فيصل الاول الى اين وصلت دولة هارون الرشيد حين قال «اقول وقلبي ملآن بالاسى ان في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد بل تكتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية»...
سؤالنا الى صاحب الجلالة، بكل موبقاته هل كان يوجد شعب فرنسي؟ وهل كان هناك شعب بريطاني؟ دعوا الشعب يصنع نفسه ما دام القادة اغبياء الى هذا الحد...